علي عرمش شوكت
تقليعة الاقاليم ... استعراض قوة ام استهلاك محلي ؟؟
علي عرمش شوكت
لم يشهد العالم من قبل قوى سياسية حاكمة تتسابق على تقسيم كيان بلدها، بالشكل الذي يمارسه الان بعض الساسة العراقيين. وما يشد الانتباه اكثر هو، تحول بعض اصحاب الشعارات القومية والوحدة العربية الفورية الى دعاة لتشطير العراق الى كيانات صغيرة عائمة مجهولة المصير!! . ليس هذا فحسب انما الى كانتونات طائفية وهذه الطامة الكبرى. ولا نذهب بعيداً اذا ما حسبنا ذلك افرازاً عن ازمة عامة تلف الوضع الاقليمي والدولية ايضاً، وهي انعكاس لتداعيات الازمة الاقتصادية العالمية التي تنذر بالاطاحة بالعديد من الدول المرتبطة بعجلة الاقتصاد الراسمالي، هذا وناهيك عن ما يلوح في الافق من مؤشرات انهيار الدول الراسمالية ذاتها ، جراء ازمة " الديون السيادية ".
وبما ان السياسة انعكاس للاقتصاد، فلا غرابة من ان تعتمد الدول المأزومة سياسة العنف لفك ازماتها الاقتصادية، اذ نلاحظ الماكنة السياسية للدول التي تحكمها الكارتيلات الرأسمالية العملاقة تتحرك وتفبرك العقد في العلاقات بين الدول ، بل وتهيئ الاستراتيجيات التي طالما جربتها في حل ازماتها، الا وهي الحروب الخارجية، والتي اذاقت البشرية بشاعتها خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية اللتين جاءتا على اثر ازمات اقتصادية طاحنة في بدايات القرن العشرين.
وعودة الى المضاربة "بمادة " اعلان الاقاليم التي شكلت مفارقة صارخة ، ولكي لا نبتعد عن ما استهل به هذا الموضوع، وان كان له ارتباط بما اشرنا اليه، وسنأتي عليه لاحقاً. فظاهرة تزايد الاستعراض او ما يمكن ان يطلق عليه " مزاد مشاريع الاقاليم " تشير الى ان العراق اليوم ينفرد في انحدار حالة التمزق في ظل " ربيع عربي " توحدت فيه مختلف اطياف الشعوب لازاحة انظمة بلدانها الدكتاتورية، في حين تحاول بعض القوىالسياسية العراقية المتنفذة الحاكمة لتأسيس دكتاتوريات متعددة في البلد الموحد تاريخياً، من خلال اقامة اقاليم ذات صبغة طائفية و اثنية مقيتة. وهي لا تعدو عن كونها امارات وكيانات شمولية الانظمة، مما يستوجب العمل على كشف النقاب عن الدوافع الحقيقية التي تكمن خلف هذه الانبعاثات المتكالبة على وحدة الشعب والوطن. ان اغلب الذين كانوا يعارضون الفدرالية بمحافظاتها الكردستانية الثلاث وبشرعيتها الدستورية وبتركيبتها السكانية المتجانسة، هم اليوم ابرز دعاة تحول المحافظات الى اقاليم !!.
يشير بعض المتابعين السياسيين بان المنطقة التي يتصاعد فيها اليوم اعلان الاقاليم، هي المنطقة الغربية من العراق ذات التركيبة السكانية المعيّنة، والمختلفة عما سمي بـ " الهلال الشيعي"، الذي زعم بان ايران تسعى لاقامته، حيث تمتد خارطته من غرب افغانستان اي من شرق ايران حيث وجود " قومية الهزار" الشيعية، عبر العراق وسورية، حتى شواطئ الابيض المتوسط عند جنوب لبنان. باستثناء منطقة غرب العراق، المثار فيها ظاهرة انشاء الاقاليم،والتي بمقدورها قطع هذا الامتداد. ومن البديهي كانت اعلنت الولايات المتحدة الامريكية وقوفها بالضد من مساعي ايران.
واذا ما ذهبت التصورات ابعد قليلاً، وتناولت ما جنته الدول الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية، من ثمار الربيع العربي، والمتمثل بصعود التيار الاسلامي السلفي الى مواقع القرار بفعل " عونها الكريم " المباشر وغير المباشر، لكون هذا التيار الذي بطبعه لا يكلف شيئاً في تصديه المندفع ذاتياً ومن منطلق، " خصومة مذهب" لتلك النوايا الايرانية ومشاريعها التوسعية. وخشية من تداعيات متعبة راحت الاوساط الحاكمة في طهران تحاول القيام بخطوات استباقية وذلك بظهار حسن نواياها لمد جسور مع هذه الجماعات السلفية الناهضة في ساحة الربيع العربي. مع ان كافة الدلائل لا تبشر بفوز ايران بمثل هذه العلاقات التي تبغي من خلالها الوقوف صفاً واحداً بوجه الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة الامريكية.
وهنا استوجب التحذير، لكي لا تستثمر اقامة اقليم في هذه المنطقة الحساسة، ذي الصبغة الطائفية المعينة، في الجهد المنصب حالياً لبناء " قوس مذهبي" بمواجهة ما سمي بـ" الهلال الشيعي "، وينبغي الا تغرب عن الاذهان الاسباب قاهرة الناجمة عن ازمة الحكم في العراق، والتي انتجت نزعة التحصن والاستباق من احتمال عودة الدكتاتورية التي بدأت تلوح معالمها في افق ادارة السلطة العراقية. وذلك باللجوء الى انشاء الاقاليم، دون الالتفات كما يبدو الى ان ذلك لم يعد ملاذاً امناً من وقوع هذه الكيانات المزعومة، فريسة تحت سيطرة ومخاطر الانظمة الشمولية للاسلام السياسي المتعصب، والذي لا يعترف بالاخر، ويسير خارج التاريخ، ويجهل الجغرافية السياسية لعالمنا اليوم.