علي عرمش شوكت
حكومة الاغلبية وانقضاء المئة يومعلي عرمش شوكت
علة التفرد وما تنتجه من انحسار المناخ الديمقراطي السليم تصيب العملية السياسية بمقتل. وكأنه الطبقة الحاكمة في العراق، تحاول ان تستورث الدكتاتورية بعد ان اسقطتها الشعوب الثائرة في بعض البلدان العربية. ويمكن تلمس ذلك في مظاهر العنف ومنع الجماهير الساخطة من التعبير عن مطاليبها الرافضة لمصادرة الحريات وغياب العدالة الاجتماعية وانعدام سيادة القانون وعدم محاسبة المفسدين من رجالات السلطة، والادهى من كل ذلك اقدام السلطات على اعتقال الشباب المتظاهرين سلمياً وتلفيق التهم الخرافية ضدهم، ولم تطلق سراحهم الا بعد ان عجزت عن تركيعهم وانتزاع التعهدات على طريقة النظام السابق، ولا يتوقف الامر عند هذا التجاوز، انما يتضح جلياً يوماً بعد آخر السلوك الانفرادي الخارق، لكل قواعد العمل السياسي المحدد بالنصوص الدستورية.
لقد وصل الامر بزخم النزق السياسي الذي يملأ صدور القوى الحاكمة، الى حد التلويح بابعاد حتى الشركاء عن وليمة الحكم، ويتجلى ذلك كأفراز لثقافة التسلط وعدم قبول الاخر، والصراع حول حصص مواقع النفوذ والسلطة، حيث يسمع في الايام الاخيرة عزف نشازعلى وتر حكومة الاغلبية البرلمانية!!. والتي في واقع الحال ومهما كانت ستبقى حكومة محاصصة مقلصة ومعاد تفصيلها على ثلاث جهات بدلاً من اربع كتل، اي ما عدا الكتلة العراقية، وهنا يقتضي التمعن في هذه الحسبة.
واذا ما كانت كتلة دولة القانون تتضايق من مزاحمة الكتلة العراقية لها، ولم تتمكن من تطويعها، او تنفيذ طلباتها الثقيلة على المالكي، اي تقاسم سلطاته بينه وبين علاوي رئيس القائمة العراقية. فانها سوف تجد نفسها مستفرد بها من قبل كتل اخرى لا يقل طموحها للحصول على مزيد من حصص الحكم عن ما تطالب به العراقية. والحقيقة ينبغي ان تقال. فالكتلة الكردستانية يروق لها ان تبقى دولة القانون بلا سند برلماني كبير، سوى الكتلة الكردستانية ذاتها، لكي تصبح مطالب الاكراد،مأخوذة غلابا. اما الصدريون فلا يختلف حالهم عن حال الكتلة الاكرادستانية، هم الاخرون يبحثون عن فرص ضعف المالكي وكتلته لكي يصبح ضغطهم مثمراً.
وهنا يتبين وكأن السحر قد انقلب على الساحر كما يقال. واذا ما تم تشكيل حكومة " الاغلبية البرلماني " من ثلاث كتل فلا يغيير من سوء حال الحكومة بشيء، بل يمكن ان يزيد الامر تعقيداً. فحينها تصبح حسابات السيد المالكي حسابات حقل لاتتلائم مع حسابات بيدرحكومة الاغلبية، التي ينوى تشكيلها، واذا ما كانت الكتلة العراقية بقضها وقضيضها لم تتمكن من اسقاط حكومة المالكي، تصبح الكتلة الكردستانية او كتلة الصدريين بامكانها اسقاط حكومة الاغلبية بمجرد سحب الثقة من التشكيلة الوزارية، وهذا وارد جداً ازاء ما ينتظر طرحه من المطاليب التي لا يقل وزرها على رئيس الوزراء المالكي مما كان يشعر به من ثقل مطاليب الكتلة العراقية، والتي شكلت موضع الخلاف بين الكتلتين الاكبر، اي العراقية ودولة القانون.
ان طرح مسالة تشكيل حكومة الاغلبية، كأجراء ينم عن الوجل لمواجهة حالة التداعي المحتمل لما بعد انقضاء المئة يوم، وتراكم الفشل، وهو لايبتعد عن كونه خطوة استباقية من جانب التحالف الوطني ومن يؤيده للتعامل مع مواقف الكتلة العراقية تحديداً، التي سبق ان لمحت بالانسحاب من الحكومة. ان مواقف الطرفين لا يفسرها اي عاقل غير كونها منزلقات تؤدي حتماً الى انهيار العملية السياسية، لا يدفع ثمنها الباهظ سوى شعبنا المنهك من جراء الصرعات النفوذ الحزبي والمنتسب الى جذور الطائفية بين الكتل الكبيرة المتنفذة. وهنا يقتضي الامر البحث عن الحلول الجذرية والتخل عن الترقيعات والمناورات والتداولات المراتونية العقيمة.
وهنا ينبغي على العقلاء من ساسة العراق والذين يمتلكون القرار ايجاد الحل لحالة التدعي على مختلف الصعد في البلاد، فما امامهم سوى اجراء الانتخابات المبكرة، التي باتت ملحة جداً كحل دستوري للازمة المستعصية، الامر الذي يستلزم وبالضرورة القصوى ان يعدل قانون الانتخابات، واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة، واعتماد قاعدة التمثيل النسبي كأحد مبادئ العملية الانتخابية، كما يفرض القانون الديمقراطي للاحزاب نفسه كتجلي مهم للحياة الديمقراطية، ولا تكتمل الامور الا بايجاد مفوضية عليا للانتخابات بعيدة عن المحاصصة، ولابد من التعداد السكاني، واصلاحات اخرى ضرورية في الخدمات، ومكافحة الفساد المستشري، وغيرها.