علي عرمش شوكت
الأحد 8/7/ 2007
صفحات لم تذكرعن
اركان قيادة انتفاضة 3 تموز 1963
علي عرمش شوكت
تابعت بكل اهتمام ما كتب في هذا العام وفي الاعوام الماضية عن انتفاضة الثالث من تموز المجيدة بقيادة الشهيد البطل ( حسن سريع ) ، الا انني لم اجد تسليطا لشيئ من الضوء حول القيادة السياسية ودورها في تشكيل المنظمات الحزبية في القطاعات المدنية ، وفي ذات السياق قد غيب الى حد بعيد دور ابرز قادتها السياسيين ، الشهيد الرفيق ( هاشم شمسي الالوسي ) والشهيد الرفيق ( ابراهيم محمد علي ) في حين اعطى اغلب الذين كتبوا عن الانتفاضة ، الدور السياسي الى ( محمد حبيب ) علما ان هذا الاخير كان حلقة الوصل ( غير الامينة ) بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية الباسلة والذي تلاعب بالخطط وحتى ساعة الصفر التي كانت القيادة السياسية قد حددتها للانتفاضة اوللثورة كما كان يطلق عليها الشهيد هاشم الالوسي حينما التقيته في معتقل خلف السدة عام 1965 وحينها روى لي معظم تفاصيلها .
تمتد علاقتي بالرفيق الشهيد هاشم الالوسي الى اوائل عام 1962 عندما اشتركت معه ورفاق اخرين كل منا يمثل مجاله الحزبي وذلك لتنفيذ مهمة حزبية خاصة ، وقد افترقنا منذ ذلك التاريخ الى ان التقينا في المعتقل عندما جاؤوا به من مديرية الامن العامة التي تسلمته من ايران عام 1965 ، حيث كان اللقاء حميما مما جعلني اناديه بأسمه الحزبي ( ابوذر ) الذي عرفته به ، وقد همس بأذني لكي اتدارك الامر ، كان حديثنا في الوهلة الاولى يدور حول تفقد احوال بعضنا البعض وتحديدا حول السلامة والنجاة من براثن ( الحرس القومي ) وبعد ذلك امتد ليشمل كل الفترة الزمنية التي افترقنا بها وما جرى خلالها من احداث وكذلك استعراض وتذكر احول الرفاق الاخرين ممن نعرفهم معا لاسيما الذين استشهدوا منهم .
كان معتقل ( خلف السدة ) عبارة عن معسكر للشرطة العسكرية والتي تسمى في الماضي ( شرطة القوة السيارة ) وهو مكون من قاعات منفصلة عن بعضها وتحيط بكل اثنتين من القاعات اسلاك شائكة اذ انه يضم اربع قاعات جعلت كمعتقل وكانت القاعة الاولى والثانية تضم ما سمي بجماعة ( سليم الفخري ) ومعهم اخرين ، والقاعتان الثالثة كانت مخصصة للبعثيين ، والرابعة للشيوعين والبارتيين الكرد .
وفي ذات يوم ونحن – انا والشهيد هاشم – نتمشى في الساحة المحصورة بين القاعة الثالثة والرابعة مستغلين الفرصة الصباحية وكنا كالعادة نتحدث حول سياسة الحزب المقبلة واذا بالشهيد هاشم يتوقف فجئة وهوينظر باهتمام باتجاه القاعة الثانية وعبر الاسلاك الشائكة واخذ يتمتم مع نفسه ، وعندما استفسرت منه طلب مني ان اتبعه الى داخل القاعة الرابعة التي تظمنا ، وهناك قال لي : قد شاهدت ال (.......) - محمد حبيب – المدعو ابوسلام - في القاعة الثانية ، كان فضولي شديدا فالححت عليه ليكلمني عن ذلك الرجل ولماذا لايرغب ان يراه ، فأستجاب وحدثني لأول مرة عن دوره في انتفاضة معسكر الرشيد في 3 تموز 1963 الباسلة .
ومن خلال الحديث المطول الذي استغرق اياما عدة وكان يدور حول الانتفاضة والتحضير لها وبخاصة الجانب السياسي والذي كان يقوده بالاشتراك مع رفيقه الشهيد ( ابراهيم محمد علي ) ورفيق اخر من عمال السكك ورفيق رابع يعمل نجارا من سكنة محلة الشواكة في الكرخ ، وكانوا الاربعة اضافة الى محمد حبيب تتكون منهم اللجنة السياسية ، وكان المدعو ( ابو سلام ) هو حلقة الوصل بينهم وبين الرفاق العسكريين الذين كان يقودهم الشهيد البطل ( حسن سريع ) ، كما حدثني الشهيد هاشم عن تحركهم في مختلف مناطق بغداد وتشكيل ركائز تنظيمية حزبية ( شبه عسكرية ) ، وفي البصرة والكوت والعمارة ومحافظة الانبار ، اما عن الفرات الاوسط فقد ارسلوا الشهيد ( ابراهيم محمد علي ) الى هناك لترتيب صلة مع بعض قيادات الحزب ممن لم تتمكن السلطات البعثية من القبض عليهم ، كما ذكر لي بانهم في الاونة الاخيرة اي قبل الانتفاضة بايام قلائل تمكنوا من ربط صلة مع قيادة الحزب في بغداد وتحديدا مع الشهيد جمال الحيدري ، غير انها لم تكن قوية لكونها تتم عبر عدة حلقات بعضها يعبر الى كردستان ثم يرجع الى بغداد ، واملا بتوثيق صلة مباشرة مع قيادة الحزب حاولوا تأجيل موعد الانتفاضة ، ولكن العنصر المعرقل لاستكمال تلك الجهود هو ( محمد حبيب ) اذ انه يرى نفسه هو القيادة صاحب القرار ، وحتى اللجنة السياسية لم يتعامل مع قراراتها وتوجيهاتها بامانة ، وتجلى ذلك في عملية تنفيذ الانتفاضة ، حيث غير بعض المهمات لبعض الرفاق كما غير بعض الاولويات مما ادى الى خلق بعض عوامل فشل الانتفاضة ، بل وكان يعلن بعدم اعترافه بقيادة الحزب ويصرح : ( بان قيادة الحزب قد انتهت ونحن القيادة الجديدة !! ) وكان الرفيقان الشهيد هاشم الالوسي والرفيق عامل السكك يعارضان تلك الاطروحات بشدة ، الامر الذي ادى في احد الاجتماعات والتي كانت تتم في صرائف الميزرة وشطيط ( خلف السدة ) الى مشادة حادة بين محمد حبيب والرفيق عامل السكك ، اذ ان محمد حبيب كان يرفض ان يلتقي غيره بالرفاق العسكريين خلف حجة ( الصيانة ) ولكن الحقيقة هي محاولته اخفاء توجيهاته غير المطابقة لقرارات اللجنة السياسية للانتفاضة ، وفي ذات مرة وعندما طرح الشهيد ابراهيم محمد علي مقترحا لاختيار الشهيد هاشم مركزا لقيادة اللجنة فما كان من حبيب الا الاعتراض واقترح صيغة القيادة الجماعية ، علما ان الشهيد هاشم كان موقعه الحزبي يؤهله لذلك اي انه عضو لجنة محلية والباقون بمواقع حزبية ادنى ماعدا الشهيد ابراهيم الذي كان بمستوى محلية ايضا .
ان دور الشهيد هاشم شمسي الالوسي ( ابو ذر ) لايمكن ان نكتفي بهذه السطور لتسليط الضوء على تأريخه النضالي في سبيل مبادئ الحزب واهدافه وهناك صفحات من حياة هذا المناضل الباسل الذي استشهد في قصر النهاية عام 1969 وكان يشتم جلاديه حتى اخر نفس حسب شهود عيان ، فلابد من ذكرها وبخاصة تلك التي تتعلق بالانشقاق الذي حصل عام 1967 ، حيث يشار دائما الى الشهيد بانه ذهب مع ذلك الانشقاق ، غير ان هناك حقيقة لايعرفها احد وهي : ان الشهيد رفض الالتحاق بالانشقاق في بادئ الامر ، وبما انه كان يعمل لدى احد المقاولين في الموصل ولا يأتي الى بغداد الا في كل شهر مرة ، وكنت التقيه كلما جاء من الموصل وكنا نتحاور بصورة مستمرة حول سياسة الحزب وتحديدا حول مسألة استلام السلطة حيث كان من المتحمسين لهذا الامر .
كان الشهيد يرى بأن الكونفرنس الثالث للحزب المزمع عقده آنذاك سيتغلب على اشكاليات الانشقاق ، وكان ينتظر نتائجه بأمل كبير ، وبعد انعقاد الكونفرنس في اواخر عام 1967 واطلاع الشهيد ( ابو ذر ) على نتائجه جاء مسرورا وطلب مني ان ارتب له موعدا مع رفيق من قيادة الحزب ، كما وصف نتائج الكونفرنس بأنها خطوة صائبة ، وقد نقلت طلبه الى الشهيد الرفيق ( محمد الخضري ) الذي كان مسؤولا عن محلية الكاظمية في حينها ، وفي لقاء لاحق مع الشهيد الخضري اخبرني بعدم وجود فرصة لدى الرفاق للقاء مع الرفيق هاشم ولكن الحزب طلب منه ان يكتب رسالة ، ومع ان الشهيد هاشم قد امتعض من ذلك الرد الا انه كتب رسالة وسلمت الى الشهيد الخضري على ان يأتي بجواب لاحقا ، غير ان الاقدار لم تعطينا الفرصة ، فبين ذلك اللقاء واللقاء المنتظر لاستلام جواب الحزب تم القبض علينا كاتب هذه السطور والشهيد الخضري والرفيق ابراهيم عبد السادة في ايار 1968 في الكاظمية ، وهكذا ضاعت الفرصة لعودة الشهيد هاشم الى صفوف الحزب ، وعندما اطلق سراحنا بعد انقلاب 17 تموز8 196 علمت بان الرفيق الشهيد هاشم قد ضغط عليه المنشقون مما ادى به الى الانظمام اليهم ، وبعد ان شنت السلطات البعثية الفاشية هجوما على المنشقين وعموم الشيوعين تم اعتقاله معهم وتمت تصفيته تحت التعذيب في قصر النهاية ، وكان الرفيق ( ابو ذر ) قد جسد حالة اسطورية في الصمود والبسالة الشيوعية حيث كان يشتم جلاديه ويهتف بحياة الحزب الى اخر نفس لفظه .