علي عرمش شوكت
الأحد 9/3/ 2008
الراصدفرصة عمل لعاطل توفر فرصتين للأمن
علي عرمش شوكت
استتب الامن ، واستبشر الناس ، وتنفست الحكومة ، وعاد بعض المهجرين الى ديارهم ، وقالوا ان الارهاب قد اندحر الى غير رجعة ، ولكن المتبحرين في امور السياسة كان لهم رأي اخر وهو، بان هذا الامن ما زال هشا وسوف لن يبقى على الدوام اذا لم يعضد باجراءات اخرى اساسية ، واشير في هذا الصدد الى ثلاث ركائز ، من اهمها المعالجات ، السياسية ، والاقتصادية ، واتمام المصالحة الوطنية ، وقد ثبت ان الاجراء الاكثر تأثيرا هو الاقتصادي العادل ، اي توفير فرص العمل للعاطلين وبخاصة امام الذين تمرودوا على العملية السياسية وناهضوها بالسلاح ، لاسيما اذا ما عرف ان اغلب الذين يقومون باعمال الاغتيالات والخطف ونصب الناسفات في الاسواق والشوارع يؤدون ذلك مقابل الحصول على مبالغ مالية بائسة ، لكونهم من الذين فقدوا مصادر عيشهم ، بسبب انهم كانوا من منتسبي المؤسسات المنحلة ، هذا وناهيك عن الاخرين الذين يتم تزويدهم بالمفخخات و بملايين الدولارات من الخارج ، ان المعالجات الاقتصادية لابد ان تنطوي على جانب انساني وحقوقي اجتماعي ، وعلى رأسها توفير فرصة العمل للعاطلين ، وستكون الحصيلة وبعملية حسابية بسيطة هي فرصتان للاستباب الامن ، وبعبارة اكثر وضوحا ان التمرد والمدفوع الثمن لايمكن ان يتم قطع دابره الا بالتصدي لا سبابه ، وتحديدا توفير سبل فرص العمل للمنخرط في صفوف الارهاب مقابل المال ، وهذه هي البوابة التي يمكن من خلالها جعله يتوقف على عتبتها ويكف عن خوض اعمال الارهاب ، لا بل ويدير ظهر المجن لاعداء الشعب العراقي واعداء الديمقراطية في البلاد ، وذلك بأمتشاقه السلاح لينظف العراق من التكفيريين والقتلة الارهابيين ، وهذا ما تجلى في بعض تشكيلات ( الصحوة ) تحديدا ،
ان هشاشة الامن ما زالت تنط هنا وهناك ، وبعضها يشكل اختراقا مؤذيا يذهب ضحيته العديد من ارواح المواطنين ، ويقطع ارزاق بعض العوائل بفقدان معيليها او فرص عملهم ، وهذا بحد ذاته يلقي بثقله في تدهور احوال فئات اجتماعية مختلفة ، ويرمي بمصيرها في شارع الفاقة والعوز، مما يخلق مناخا مضافا للفوضى وممارسة خرق القانون ، و يجعل العديد من هؤلاء الضحايا فريسة سهلة وعلى مختلف الاصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وسؤال يطرح : هل ان المعالجات العسكرية وحدها كانت كافية لترصين جدار الامن ؟ ، ومع هذه الاجراءات العسكرية ظل مكر الارهابيين يزاول الاختراق ، والسبب الملموس في هذا هو ان العقل الامني الحكومي الحالي يفتقر للمجسات والاذرع والحس الامني الغالب لمكر الارهابيين ، ومن المظاهر اللافتة للانتباه في هذه الجزئية هو ما يحصل في اغلب عمليات المفخخات التي تفجر في بغداد تحديدا حيث تتكرر في ذات الاماكن ، وعلى سبيل المثال ، تتكر تلك الاعمال الارهابية عدة مرات في مناطق ، ساحة الطيران ، والكرادة ، وسوق الغزل ، وساحة ميسلون ، وفي بغداد الجديدة وغيرها ، ولم يسأل احد من المسؤولين الامنيين لماذا هذا التكرار في هذه الاماكن على وجه التحديد ؟! ،
وحقيقة الامر والذي لم يلتفت اليه المعنيون في الاجهزة الامنية هو ان الارهابي لايجازف وينقل عبوته الناسفة عبر مسافات بعيدة عن الموقع الذي يريد تفجيره ، وانما يحاول تنفيذ جريمته باسرع وقت واقرب مسافة من مكان انطلاقه ، لكي يتجنب المصائد الامنية ، وعليه فأن مكامن انطلاق الرهابيين واوكار اعداد متفجراتهم او مفخخاتهم لاتبتعد على الاغلب عن مواقع جرائم الابادة البشرية التي تخلفها تلك الاعمال الارهابية ، فهل حاولت الاجهزة الامنية جرد المناطق المحيطة بمناطق التفجيرات و الناسفات المتكررة في اقل تقدير ؟، وثمة مآخذ اخرى على القوات العراقية وقوات الاحتلال ايضا ، ومن ابرزها هي ان الخطط الامنية تتم لها دعاية مسبقة بكافة وسائل الاعلام الحكومية وغيرها ، والاخطر من كل ذلك هوكشف مفاصلها ووسائلها وكذلك جغرافيتها وتاريخها وحساباتها الاخرى التي ستنفذ بها من قبل الاجهزة الحكومية ذاتها ، وان دل هذا على شيئ انما يدل على ضعف الحس الامني القاتل في غالب الاحيان ، ان ما يترتب على ذلك هو زوغان الارهابيين الى الملاذات الامنة نسبيا ، والبعيدة عن ساحات تنفيذ الخطط الامنية ، كما انه يمنحهم الفرص السهلة للعمل في ساحات غير مركز حولها الاستهداف الامني ، وعندما تعلن الحكومة عن القيام بحملة عسكرية في محافظة ديالى تراهم ينتقلون الى محافظة نينوى ، وعندما يعلن عن حملة امنية ضد الارهابيين في الموصل وتسبقها فضيحة لمفاصلها سرعان مايعود الارهابيون الى الفلوجة والى جبال حمرين و الى القرى في محافظة ديالى البعيدة عن الاماكن المستهدفة امنيا ، وهذه الحال تعتبر مطاولة في ساحة الصراع ، المستفيد الاول منها هم الارهابيون .
وهنا يقتضي الامر التأكيد على المعالجات والتي لابد ان تبدأ، بسد الثغرات الامنية الحاصلة عن بعض الضعف في الحس الامني الذي ينبغي ان يكون ثاقبا لدى الاجهزة الحكومية ، كما ان القضاء على المسببات التي تدفع البعض الى الانخراط بالاعمال المسلحة بغية الحصول على الاموال ، والناتجة عن فقدان موارد العيش الكريم لهذا السبب اوذاك ، والاهم ان يأخذ بالاولوية الجادة في سلم المعالجات ، هو توفير فرصة عمل مناسبة لكل عاطل وبخاصة الشباب منهم واصحاب العوائل ، فضلا عن اهمية وضرورة العمل بحرص وطني عال لتفعيل الجهود الساعية الى المصالحة الوطنية ، كما لابد من دفع الثمن السياسي في هذا المضمار ، والذي يتجلى بشكل اكثر وضوحا في آلية تطبيق قانون المساءلة والعدالة وكذلك قانون العفوالعام ، اللذان شرعهما مجلس النواب العراقي مؤخرا .