علي عرمش شوكت
السبت 9/5/ 2009
اين ستلقي سفينة المالكي مرساتها لكي تنجو من الانقلاب ؟علي عرمش شوكت
على اي رصيف سترسو سفينة الحكومة العراقية ؟ يدور هذا السؤال بين العديد من المتابعين بعد ان خلع النقاب عن الخلافات والدسائس الداخلية ، وافتضاح بؤر الفساد المستشري ، ربما يعلم ام لايعلم رئيس الوزراء بان المفسدين من اوساط فريقه الحكومي ماضون كالبلدوزرات جارفين بافعالهم الخارجة عن القانون هياكل مشروعية الحكومة ، بمعنى من المعان انهم عاملون لاسقاطها ، وهنا العهدة على مفوضية النزاهة التي تؤكد بان هنالك ثمانية مليارات من الدولارات بحكم المفقودة ، ولكن علينا ان نستدرك ونشير الى احتمال وجود تصدي ومكافحة لهذا العث الذي بدأ ينخر قواعد كرسي المالكي الذي لا نتمنى ان يكون هذا الكرسي كعصا نبي الله موسى التي ظل يتكئ عليها حتى تهشمت منخورة حيث اكل قلبها العث ، وهنا ايضاً العهدة على من كتب التاريخ ، فمن البديهي ان يشم السيد المالكي رائحة الفساد التي غدت تزكم الانوف ، وقد عبر بخطبه غير مرة عن اشمئزازه واستعداده لقطع دابر التجاوزات على اموال الشعب ، الا ان الذي يجري هو استفحال الفساد واستشراس المفسدين وتصاعد اصواتهم المهددة بالفتك لمن يعترض سبيلهم ! .
يقال ان حرامي النهار اكثر دهاءً من حرامي الليل ، فهذا الاخير يستغل عادة الزوايا المعتمة لكي يفلت بسرقته ، اما حرام النهار فيعتمد على ضعف احتراس اصحاب المال نهاراً والقيام بفعله بوجه لا يقبل الشك ، وهكذا كما يبدو يتم الفساد والسرقات نهاراً جهاراً وخلف واجهات مبرقعة بالشرعية التي لاتدع مجالاً للشك ، فعقود الاعمار والمقاولات مثلاً تذهب الى اصحاب المقامات الرفيعة دون غيرهم ، اذ لايعطى او يوقع عقداً الا وقد جرت حوله مساومات ، وباتت معروفة سبل الحصول عليه ، لكن الاخطر في هذا الشأن هو ، ما ان يرسي عقد المقاولة على احدهم حتى يباع من الداخل عدة مرات ، وكشف احد المطلعين في هذا المجال عن ( بازار عقود المقاولات ) وعملية المازاد التي تحصل حول اي مشروع من مشاريع اعادة الاعمار ، بمعنى من الذي يدفع اعلى ( كومشن ) وبفضله يتحول عقد المشروع الى سلعة ، فالمقاول الاول الذي يحظى به سرعان ما يبيعه لكونه ليس من اختصاصه وذلك بنصف سعره الى شخص ثان لا شأن له بطبيعة العمل المطلوب ايضاً ، فيبيعه هو الاخر باقل من سعر شرائه ، وهكذا دواليك حتى يصل الى خامس اوسادس مقاول بـ 10 % من سعره الاصلي ، وحينما يتضح لهذا الاخير انه غدا ضحية نصب واحتيال وليس بمقدوره اتمام المشروع بالشكل المقرر ، يتوقف عن العمل ويهرب على الاغلب ويبقى المشروع عبارة عن حفر واكوام من التراب وحال شوارع المدن العراقية خير شاهد على ذلك .
كما لا نأتي بجديد اذا ما اشرنا الى ( سوق التوظيف ) حيث اصبحت الوظيفة لها ثم يتناسب مع الراتب الذي سيتقاضاه مشتري فرصة العمل ، وبخاصة في مجال القوات المسلحة الامر الذي شكل ثغرة كبيرة لاختراق الاجهزة الامنية ، واذا ما وصفنا الفساد المالي بالعث فان الفساد الاداري بات يزرع الغاماً ناسفة في قلب اجهزة الدولة ، فهل اكثر من هذه الخدمات اللوجستية تسعى اليها الجهات الانقلابية للاطاحة بالحكومة وبالعملية السياسية برمتها ؟ ، هذا سؤال مطروح على صاحب القرار الاول وبعده اذا لم يتم قطع دابر تسانومي الفساد العارم فان التهمة سوف تبدأ تحوم حول من بيده قرار القضاء على الفساد بالذات .
لقد انيطت مهمة ملاحقة المفسدين بمفوضية النزاهة حتى ايصالهم الى القضاء لينالوا جزاءهم ، غير ان طريق المفوضية غير سالك كما يبدو ، فالوصول الى المفسدين من اصحاب المقامات الرفيعة او حتى اتباعهم الصغار تتخلله حواجز منيعة ومحمية تصل احياناً الى اطلاق النار كما حصل في وزارة التجارة ، ان ذلك يعود بنا الى بداية السبعنيات من القرن الماضي حيث اصدر نظام صدام قانونا عام 1971 يخوّل بموجبه الوزراء حماية اتباعهم من الملاحقات القانونية حتى وان عاثوا بالارض فساداً ، فهل غدا هذا القانون من المخلفات النافعة ولهذا يجري التعامل بموجبه ؟ ، ومن الجدير ذكره هنا ان ستة وزارات تتهمها مفوضية النزاهة بالفساد ، ولكن لم نسمع او نشاهد ان احداً من هذه الوزارات قد جرت محاسبته وكشفت حدود فساده ، او جرت تبرأته بالبراهين والادلة القاطعة ، انما الذي نلمسه هو السكوت المطبق ما عدا صوت مفوضية النزاهة هو الذي يسمع جيداً ولكن يهمل جيداً كما هو واضح .
ان الفساد قد امسى عباباً جارفاً ومن المناسب ان نوصفه بـ ( التسونامي ) فمن الوهم ان يتصور عاقل ان سفينة الحكومة ستبقى راسخة امام هذا المد العارم من الفساد والمفسدين ، لاسيما وان المتربصين كثر والمتصيدين بالماء العكر اكثر والساعين لاسقاط الحكومة يعولون على استشراء الفساد لكونه يوفر الاسباب القانونية لتحقيق هدفهم ، فعلى اي رصيف ستلقي سفينة الحكومة مرساتها لكي تنجو من الانقلاب ؟؟ .