علي عرمش شوكت
ثلاثية تركيبة الحكم في العراق وثنائية الازمة
علي عرمش شوكت
اسست تركيبة الحكم على وفق ثلاثية عرقية واثنية، جاءت وهي تحمل في ثناياها عوامل صراعها، ورغم كونها مصيبة ينز من جوانبها الدمار الشامل للمجتمع العراقي، تقبلها سياسيو العراق الجدد بجهل سياسي ودون معرفة في مفاعيلها اللاحقة، وقد انساقوا بلهاث وراء السلطة والمال اللتين طالما انفردوا بساحتها بفعل التركيبة الحكومية ذاتها، ولا يفوتنا ان نذكر بان التشكيلة هذه فرضت مرسومة من قبل "بريمر" على قاعدة، سنة، شيعة، اكراد، وليست وفق توازن سياسي، يستند الى جميع القوى الوطنية والديمقراطية التي قدمت المزيد من التضحيات في سبيل اسقاط الدكتاتورية. ولم يمض وقت طويل على اعتماد هذه القاعدة ومناخاتها الملتبسة، الا ونما الاستفراد، كأفراز لاستئثار الثلاثية الحاكمة بالنفوذ السياسي والمال السائب دون حسيب او رقيب.
وهنا نطت المحاصصة كأمر واقع، وباتت السيناريو المعتمد لتقاسم النفوذ والمال. وبالمناسبة ان هذين المحورين" المال ومواقع السلطة" كانا شكلا قضبان سكة قطار التحكم بمصير البلد، ونتيجة حتمية ولكون الامور درجت على قاعدة " شيلني واشيلك" دبت هذه المرة بين المتنفذين نزعة الاستحواذ والاقصاء والاستقواء على بعضهم البعض، كل على قدر ما يؤهله من امكانيات مالية ومواقع نفوذ سلطوي. وان ذلك قد دفع الطرف الاقوى ليتحكم بالاخرين. فكان التحرك الاستباقي من قبل كتلة "التحالف الوطني" لتقليص نفوذ الشركاء الاخرين.
على اثر ذلك تجلت ازمة الحكم باشرس تداعياتها، وغدت تتمظهر بثنائية مترابطة لا فكاك منها. الشطر الاول منها كان يعتمل في مواقع النفوذ، وبما ان "التحالف الكردستاني" قد اخذ حصته في هذا الحيّز، بل ويشار الى انه اخذ اكثر مما يجب، لهذا انفرد النزاع ضمن اطارهذا الجزء " مواقع النفوذ " بين الكتلة " العراقية " وكتلة "التحالف الوطني"، والجدير ذكره ان هذا التحالف الاخير اجتاح حدود الشراكة بالتلكؤ في تنفيذ اتفاقية اربيل،وماطل في تشكيل مجلس السياسيات، وعطل تعين وزيراً للدفاع، الذي كان من حصة "العراقية " بصرف النظر عن آهلية الذين تم ترشيحهم " للدفاع " او ما طرح من قبل هذه الكتلة فيما يتعلق بمهام وصلاحيات مجلس السياسات.
ولما تواصل النزاع وامسى لا افق له، وبخاصة عندما اتخذ رئيس الوزراء اجراءات ضد مواقع نفوذ الكتلة العراقية الاخرى " الهاشمي، والمطلك " الامر الذي جعل "العراقية" تستنفر باعلى درجات المواجهة مع رئيس الوزراء، وفي هذا الجو المشحون باكثر من لغم ناسف، تهيأ الظرف لتتجلى ثنائية الازمة في شطرها الثاني، بل هو ازمة بحد ذاته، والمتجسد هذه المرة بالجانب المالي. وكان ذلك حينما شعرت "كتلة التحالف الوطني " بتحرك الاكراد لاخذ المزيد من المال عبر استغلال نفط الاقليم وفق قانونهم، مبريرين ذلك بان قانون النفط والغازالاتحادي مأسور لدى البرلمان منذ سنوات، فحصلت المواجهة،ومن جانبها اتخذت الحكومة المركزية اجراءاتها، التي قضت بعدم تيسير حصول "الكردستاني" على المزيد من الحصص المالية عبر استثمار النفط ، خشية من ان يضيف له ذلك قوة تمكنه من الاستقواء وبالتالي الاستعداد للمناطحة بغية التمدد في سلطة الحكم، الذي دون شك سيكون على حساب الطرف القابض على فرامل السلطة، اي "التحالف الوطني".
فالمشهد الاخير غدا يعكس فشلاً ذريعاً لدى من يدير دفة الحكم. ولا يختلف عاقلان حول ذلك، اذ ان الازمة صارت في حالة انشطار ذري، كما تلوح في الافق انشطارات اخرى، بمعنى ازمات جديدة يعود منطلقها الى ذات المنبع اي محاولة الاستحواذ من احد اطراف ثلاثية المحاصصة على مواقع النفوذ والمال، ويبد انها سوف لن تتوقف عند حد معين، انما تمضي بسيرها الحثيث نحو قضم الحريات العامة هذه المرة، وذلك بمحاولة اصدار قوانين تقيّد العمل الصحفي وتلاحق المتظاهرين خلف ذريعة حماية المجتمع والدين. وهنا الامر لا يوصف الا بكونه توجه شمولي مقيت، وهو بلا شك استفحال لعرق دكتاتور اخذ ينبض بصورة تنذر بمخاطر جمة. حيث ظهرت ارهاصاته الاولى في قرار من رئاسة الوزراء في 18 كانون ثاني من هذا العام يقضي بارتباط الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء. وهي، البنك المركزي، والمحكمة الاتحادية ، ومفوضية الانتخابات. واصدار اوامر من جهاز المخابرات يدعو عناصره لمراقبة نشطاء الحزب الشيوعي العراقي، والذي كان من وحيه مداهمة مقر جريدة الحزب " طريق الشعب" واعتقال حرسها وشغيلتها دون اي مسوغ قضائي. فماذا بقي يطمئن العراقيين على سلامة العملية السياسي، بل على سلامة الدولة الديمقراطية الاتحادية ؟؟.
و ما تقدم يدعو الى تساءل كبير، يتلخص، بـ "ما هو الحل..؟". ولا نذهب بعيداً، انما نذكر بما طرحه الحزب الشيوعي العراقي منذ نشوب ازمة الحكم، ومفاده ( اجراء انتخابات مبكرة، بعد اعداد مستلزماتها، لكي تتخلص العملية السياسية من ادرانها القاتلة، ونحو تغيير تركيبة الحكم المأزومة الحالية، وهذا ما دعا اليه السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاسلامي الاعلى بالامس، حيث قال ( ان الاحتكام لصناديق الاقتراع هو السبيل لمعالجة الاخطاء)، وكان ذلك قد جاء بمعرض تناوله لاشتداد ازمة الحكم الحالية.