| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

الأثنين 9/3/ 2009


 
 حقيقة ميل القوى التصوتية العراقية واختلاف التفسيرات

علي عرمش شوكت

غالباً ما تعرضت نتائج الانتخابات الى الانتقادات والاعتراضات والتفسيرات ، ولم يحصل ان سمع لها اي صدى يذكر ، وحتى الشكوى الرسمية واللجؤ الى القانون لم تجد نفعاً ، وفي خضم هذه التجاذبات تنسى المحركات الحقيقية التي تدفع ميل اغلبية الناخبين الى الادلاء غير الواعي باصواتهم وفي ذات الوقت عدم الاكتراث بالتجاوزات وخرق القوانين او اصدار قوانين تعسفية ، ان ما يستحوذ على ارادة هذه القوى التصوتية الجانحة هو البحث عن ملاذ معاشي وليس عن ملاذ سياسي ، بمعنى ان الناس لا يهمها البرنامج السياسي لهذه الكتلة او تلك ، انما غايتها وجود من بيده القوة التي توفر لهم سبل المعيشة اليومية دون غيرها ، وعليه تصوت لمن بيده السلطة او من يبدو قادراً على تحقيق هذه الغاية .

يفسر البعض خطاً الكثرة التصوتية التي تميل الى احزاب الاسلام السياسي بانها تنطلق من دوافع ايمانية دينية ، غير ان هذا التفسير بعيد عن الحقيقة ويتجاهل كون ان الاغلب الاعم من هؤلاء هم من الفقراء وهم ذاتهم الذين يذهبون في المسيرات المليونية في المناسبات الدينية بحثاً عن من يشفع لهم في دنياهم بسبب معاناتهم المعيشية اليومية ، ولا يبحثون عن شيء اخر ، وما يدل على ذلك هو عدم وجود الاثرياء بينهم حتى من اؤلئك الذين يتبرعون بالمال والطعام عن بعد الى تلك المسيرات ، ولنزيد الامر توضيحاً وذلك بالاشارة الى ان هذه الجموع لا تتعامل مع البرامج السياسية بقدر ما تبحث عن ملاذ قادرعلى حمايتهم من الفاقة والعوز ، ففي كل الانتخابات الماضية كانت اكثر الاصوات تذهب الى من هو في مواقع قوة السلطة او قوة المال على امل تلقي العون ، الا ان هذه القاعدة قد تغيرت عندما شعر هؤلاء بان الاحزاب التي تمتلك السلطة لم تحقق لهم اي شيء دون ان يعطوا اي اهتمام لانتساب هذه الاحزاب الى التيار الديني .

واختلفت وتعددت التفسيرات لنجاح احزاب الاسلام السياسي وخسارة الاحزاب العلمانية ، غير انها قد ذهبت الى غير مكانها ، فلم تنجح احزاب معينة لكونها دينية ولم تخسر احزاب لكونها علمانية ، انما جاءت النتائج تبعاً لشعور الناخبين بان هذه الاحزاب ستحقق لها بعض ما تطمح اليه في حياتها اليومية ، ان هذا ما ينبه الى ضرورة العمل بين الجماهير من قبل القوى غير الفائزة لجعلها تشعر بان القوى الديمقراطية العلمانية قادرة على تحقيق ما تريده هذه الجماهير الغفيرة ، ولكن ليس باستخدام المواعظ والدعوات كما ينبغي على هذه القوى لملمت اطرافها المبعثرة بغية الظهور على الساحة بحالة تخلق القناعة وتطمئن الناخب الباحث عن من يشكل له ملاذاً من معاناته ، لان تغيير معادلة حالة القوى التصويتية المختلة تقع على عاتق الاحزاب والاوساط الديمقراطية العلمانية تحديداً .

ويتصور البعض الاخر من المهتمين بتحليل نتائج الانتخابات بان الدعاية الانتخابية كفيلة بالتاثير على ميل الناخب في ما يتعلق بمنح صوته ، ان هذا الفهم لايعدو عن كونه تصوراً نمطياً لايقترب من طبيعة الاحداثيات التي وضعها كل ناخب لوجهته سلفاً ، بدافع القناعة بالجهة او الكتلة او الحزب الذي يلامس همومه الملحة ، وذلك ما يخلق امامه حاجزاً مانعاً لاي تاثيرات جانبية ، الا اذا كانت هنالك ثمة مؤثرات مادية تتمتع بملموسية عالية ، وليس بالاعلانات واليافطات غير المميزة والضائعة وسط الاف مشابهة لها ، وهنا لابد من الاشارة الى ان الدعاية الانتخابية لا تؤثر الا في ما يتعلق بالجانب السياسي ، علماً ان هذا الامر لايحظى بالاولوية لدى اصحاب البطون الخاوية من سكان التجمعات السكنية العشوائية والذين تسحقهم البطالة والامراض ، علماً انهم الذين يشكلون الاكثرية التصويتية في اوضاعنا العراقية الحالية .

ان ما وضع من الآليات والقوانين التي سخرت لتنظيم العملية الانتخابية جاءت هي الاخرى على هوى النخبة المتحكمة بالقرار، مما غدا فعلها بامكانه تبديد كافة الجهود والدعايات والشعارات ، والادهى من كل ذلك انها شرّعة لسرقة اصوات القوائم الصغيرة ، وبذلك قد وضعت المعالم غير الديمقراطية التي يريدها اصحاب القرار لمستقبل العراق الجديد ، وهنا قد تشابكت الميول غير الواعية لجموع فقيرة ومسحوقة تبحث عن شفيع وملاذ وبين ارادات متحكمة تحاول البقاء الابدي في السلطة ، مما يعني ان الدكتاتورية بدأت تتنفس من جديد ولكن بطراز جديد ايضاً ، واذا ما اردنا البحث عن مصادر الخطر على الديمقراطية ومستقبل العراق الناهض فلا غير الخلاص من الفقر المتقع للجماهير الغفيرة لكونه هو الذي يقيد ارادة الناخب ويجعله طيعاً اما بيد صاحب السلطة اوتحت تاثير الاثرياء الذين يحولونه الى سلعة وبخاصة صوته الانتخابي ، وهنا تكاد تتضح الرؤيا عندما لايكترث اصحاب القرار ببقاء الفقر والعوز والبطالة وانعدام الخدمات التي تضع المواطن الفقير في دوامة قاتلة تجعله يتعلق بقشة .







 

free web counter