|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  13  / 10 / 2017                                 يوسف أبو الفوز                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

خواطر لمن يهمه الامر :

في القطار مساء الاربعاء !

يوسف أبو الفوز
(موقع الناس)

كنت عائدا بالقطار الى هلسنكي من مدينة تامبيرا (تقع 180 كم شمال العاصمة هلسنكي)، وتوجهت لمطعم القطار ،لأكل واشرب شيئا، من بعد نهار طويل ازدحم بأجتماعات عمل ولقاءات اصدقاء فنلنديين وعراقيين، من المقيمين او الوافدين الجدد . كان المطعم مزدحما، ورأى حيرتي بالبحث عن مكان مناسب ، رجل فنلندي يجلس وحيدا الى طاولة بمقعدين فدعاني لمشاركته طاولته، وبدأ الحديث باسئلة التعارف التقليدية، من اين انت ؟ وكم سنة لك في فنلندا، وماذا تعمل ؟ والخ. أعلن جليسي عدم أجادته الحديث بالانكليزية، وهذا اثار استغرابي، بحكم كون الشعب الفنلندي من افضل الشعوب الاوربية تحدثا بهذه اللغة، فأخبرته "بأن ذنبك على جنبك "، لان فنلنديتي، وحسب المثل الشائع تطلق دخانا، فقال ان دخان انكليزيته سيوقف القطار. ضحكنا وكانت بداية طيبة لحديث ودي استمر طيلة الرحلة لاكثر من ساعة ونصف. وانظم خلاله لحديثنا اشخاص من الطاولات المجاورة فصار اشبه بالندوة. محور الحديث كان : اللجوء الى فنلندا. كان حديثا عميقا ومتشعبا، ساعدني ان لي ذاكرة لا بأس بها، فكنت اتحدث بالارقام وبالوقائع الموثقة مما اعطى مصداقية لحديثي اكثر امام السامعين .

ومن خلال هذا الحديث، يتأكد لي ان جمهرة ليست قليلة من مواقف الاوربيين، ومنهم الفنلنديين، من عموم الاجانب مبنية في جوانب منها على تأثيرات الاعلام الموالي للحكومات اليمينية والاحزاب العنصرية، وتاتي في مقدمة ذلك صحف "التابلويد" الصفراء، التي تبحث عن الاثارة و"تعمل من الحبة قبة" كما يقال في بلداننا، وتنشر الكثير من التلفيقات وتغيّب الاسباب الحقيقية لاي قضية وتظل تنبش في الامور الثانوية.

انتهت الرحلة بشكل ارضاني جدا، فلقد وافقني جليسي على اغلب وجهات النظر التي طرحتها ووعد بان ينقل ذلك للاخرين . اعلن تفهمه لاسباب اللجوء والهجرة من بلدان الشرق الاوسط، التي تعاني من الاضطرابات والنزاعات لاسباب طائفية وعرقية وضعف الدولة وسطوة المليشيات المسلحة. وتفهم ان سياسة الحكومة الفنلندية الحالية بخصوص اللجوء بحاجة للمراجعة الجادة. وان الجهات المسؤولة عن مراكز استقبال اللاجئين عليها ان تبذل المزيد من الجهد لرعايتهم، نفسيا وصحيا، خصوصا فيما يخصص معالجة "الصدمة الثقافية". اتفق مع ادانتي لاي سلوك مخالف للقانون الفنلندي يصدر عن اي لاجيء. واتفقنا انه لا يوجد شعب سيء وانما هناك اشخاص سيئين يجب محاسبتهم وعدم ادانة الاخرين بجريرتهم. واتفقت معه بان الشرطة الفنلندية يجب ان تكون اكثر حزما مع "المخالفات الجنائية"، كالسرقات والاغتصاب، ان حدثت من قبل اللاجئين وان تدخل في ملف اللجوء. واشياء عديدة اخرى تناولها الحديث الودي المتشعب.

من خلال هذه اللقاء اجد ايضا ان الاخوة اللاجئين عموما ، قدماءا وجدد ، مطالبين اكثر للعمل الجاد للمساهمة في تبديد مخاوف الناس وخصوصا البسطاء من الفنلنديين، حتى لا يقعوا تحت تأثير الصحف الصفراء واكاذيب الجماعات العنصرية والاحزاب اليمينية وايضا الجماعات النازية. هناك أكثر من باب للدخول في الحياة الفنلندية وفي كسب الاصدقاء واقناعهم بكونهم اناس مسالمين باحثين عن حياة امنة بعيدا عن العنف والظلم، ويحترمون الاخر المختلف لكونه انسانا. ان المدن الفنلندية، تغص بالمكتبات والمراكز الثقافية، ويمكن زيارتها ومحاولة التعرف على ثقافة وتأريخ هذا الشعب وتجربته في بناء دولة متحضرة ونظام متقدم . وان البحث عن فرصة عمل، ممكن جدا، رغم كل الصعوبات وما يرافق ذلك. وشخصيا اتابع باعتزاز تجارب وجهود البعض من الاخوة العراقيين خصوصا من اللاجئين الجدد ، سواء حصلوا على جواب ايجابي او الرفض، ومثابرتهم ليبنوا حياتهم والاستفادة من فرصة وجودهم في بلد متطور وحضاري مثل فنلندا.

شيء اخر : حين توادعت مع جليسي والاخرين وغادرت القطار لحق بي على رصيف المحطة ينادي باسمي وقال : نسينا شيئا مهما : لنتبادل ارقام التلفونات!. ووعدني بأنه سيقرأ كتاباتي المنشورة باللغة الفنلندية ويكتب لي رأيه عنها. فعلنا ذلك وتعانقنا. كنت مسرورا لكوني كسبت صديقا جديدا لنفسي ولقضايا أبناء شعبي !


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter