| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

                                                            الأحد  7 / 9 / 2014

 

هل ستنضم فنلندا الى حلف الناتو؟

 يوسف أبو الفوز

على الرغم من ان الانتخابات البرلمانية الفنلندية، القادمة في ربيع 2015 تبدو بعيدة نوعا ما، الا ان السياسيين الفنلنديين، بدأوا في الندوات التلفزيونية واللقاءات الصحفية، بتناول الموضوعات الاساسية التي ستدور حولها المعركة الانتخابية. وصار واضحا ان الانتخابات ستدور حول المسائل الاقتصادية، والموضوع الرئيسي فيها النمو الاقتصادي وفرص العمل ونمو الديون في المستقبل، وأيضا إصلاح الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية، ولكن واحدة من أهم الموضوعات التي يجري التركيز عليها، هي العلاقات بين فنلندا وروسيا مع حلف شمال الأطلسي ــ الناتو، بل ويمكن القول، استنادا الى الكثير من المعطيات، فأن الانتخابات القادمة ستتحول بشكل ما إلى استفتاء عام على عضوية فنلندا في حلف الناتو ، أرتباطا بتطور الاحداث في اوكرانيا والعقوبات الاوروبية ضد روسيا ، حيث صار بعض السياسيين يعتقد ويعبر عن ذلك بصوت عال ويقول ان عضوية فنلندا الكاملة في حلف الناتو اصبحت مهمة .

الكسندر ستوب (مواليد 1968) الزعيم الحالي لحزب الائتلاف الفنلندي الحاكم (يمين تقليدي)، قال لوكالة أنباء رويتر قبيل ان يصبح رئيسا للوزراء :" انه يرغب بأن تنضم كل بلدان الشمال الاوربي الى حلف الناتو مع مواسم الانتخابات البرلمانية للاعوام 2015 ــ 2019". اما أبرز احزاب اليسار (الديمقراطي الاجتماعي، حزب اتحاد اليسار، حزب الخضر) فموقفها معروف ضد انضمام فنلندا الى اي تحالف عسكري. زعيم حزب اتحاد اليسار ، بافو ارهينماكي (مواليد 1976) ، قال لهيئة هيئة الاذاعة الفنلندية: "ان العالم بحاجة الى دولة مثل فنلندا تكون غير منحازة وتكون وسيطا في الازمات". ومن المعروف ان روسيا هي الجارة الاكبر لفنلندا، وتقع شرقها، وتمتد الحدود بين روسيا وفنلندا لأكثر من 1300 كم عبر غابات وبحيرات متشابكة (تذكرنا بالحدود العراقية الايرانية)، والمصالح الاقتصادية والاجتماعية السياسية متشابكة تأريخيا، مما يجعل فنلندا تحسب حسابا كبيرا لرد الفعل الروسي في أي خطوة سياسية تخطوها، من هنا بادر الرئيس الفنلندي للقاء الرئيس الروسي مؤخرا ، وقبيل قمة الناتو الاخيرة في ويلز ، لاعطاءه تطمينات حول مواقف فنلندا.

ومنذ تأسيس حلف الناتو عام 1949، فأن سياسة تطويق الاتحاد السوفياتي، وبالتالي روسيا، التي ورثت ترسانتة النووية، ظلت من اهداف حلف الناتو الستراتيجية، ونجح الحلف في ان يضم الى عضويته في العقود الاخيرة العديد من البلدان في اوربا الشرقية، التي كانت في سنوات سابقة حليفا سياسيا للاتحاد السوفياتي السابق، وايضا بلدان اوربية كانت جزءا من الاراضي السوفياتية مثل استونيا، الجارة لكل من فنلندا وروسيا، اضافة الى دولتي لاتفيا ولتوانيا، الامر الذي دفع روسيا الى اتخاذ اجراءات عسكرية احترازية عديدة خصوصا في مناطق القطب الشمالي حيث تضم المنطقة ثروات هائلة من الغاز والبترول. كانت الجارتان ، فنلندا وروسيا، قد عقدتا العديد من معاهدات السلام بينهما، التي ضمنت لروسيا الاطمئنان من جارتها الصغيرة، التي سبق وارتكبت خطأ جسيما خلال الحرب العالمية الثانية، بانحياز حكومتها اليمينية ـ ايامها ـ الى الجانب الالماني النازي، مما اخضعها لعقوبات محاكم الحلفاء المنتصرين، فانتزع جوزيف ستالين ( 1878 - 1953) من فنلندا، وضمن سلسلة العقوبات الدولية، مساحة تعادل 12% من الاراضي الفنلندية كحزام واق لضمان أمن مدينة لينينغراد ـ بطرسبورغ حاليا ـ ، ورغم ان فنلندا الغت بعض المعاهدات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، لكنه لم يجر أي تغيرات في الحدود أو استرجاع الاراضي المستقطعة.

ومع بروز الاتحاد الاوربي كقوة اقتصادية وسياسية، وصعود قوى سياسية يمينية لسدة الحكم في فنلندا والعديد من البلدان الاوربية، فأن موضوع العلاقة مع حلف الناتو تحول الى ورقة انتخابية تتحرك في سياسة مد وجزر بين القوى السياسية الفنلندية المتصارعة. قوى اليسار التي حكمت فنلندا لسنوات طويلة، ظلت تعارض أي تطور نوعي في العلاقات مع حلف الناتو، وتمسكت بسياسة الحياد التي عرفت بها فنلندا، الا ان قوى اليمين، ومع تزايد نفوذها التشريعي والتنفيذي في البلاد بدأت بمغازلة حلف الناتو وأعتمدت سياسة "عدم غلق الباب"، التي تتلخص في عدم الدخول في عضوية حلف الناتو ارضاءا للجارة روسيا ، ولكن عدم غلق الباب في التنسيق والتعاون مع حلف الناتو، وكان من نتيجة ذلك اشتراك فنلندا في قوى السلام ضمن قوات حلف الناتو في افغانستان واجراء العديد من المناورات العسكرية والتدريبية التي اغضبت الجارة روسيا. ان تطورات الاحداث في اوكرانيا، ومخاوف أوساط سياسية فنلندية من الجار النووي،وضغوط دول حلف الناتو ، خصوصا من الجيران، مما دفع أوساط في اليمين الحاكم، لتعزيز الدعوات لانضمام فنلندا لحلف الناتو، ففي فنلندا، ولأول مرة في تأريخها، يكون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من الحزب اليميني.

وتبعا لمدير معهد الكسندر في جامعة هلسنكي فأنه يتسائل : "أن السؤال الكبير الان هو إلى أي مدى نحن مستعدون للذهاب مع هذه الفرضية وتنظيم الاستفتاء لدخول حلف الناتو؟". رئيس الوزراء الفنلندي الكسندر ستوب، الذي تولى مهمته في منتصف تموز الماضي، اثر التغيرات في قيادة الحزب الحاكم ، قال لهيئة الاذاعة الفنلندية " أن فنلندا لا تنضم إلى اي تحالف عسكري فقط بسبب روسيا"، وذلك تعليقا على على استطلاع جديد أظهر ارتفاع نسبة التأييد لعضوية حلف شمال الاطلسي بين الفنلنديين بعد بدء الحرب الأهلية في أوكرانيا، وقال ستوب " انه من المهم أن تكون هناك مناقشة جادة قبل امكانية الحصول على عضوية حلف شمال الاطلسي". ورغم ان الشارع الفنلندي، لا يزال متحفظا على انضمام فنلندا لحلف الناتو، الا ان استطلاعا جديد بواسطة هيئة الاذاعة الفنلندية، في شهر آب الماضي بينت نتائجه ارتفاع التأييد لتصبح فنلندا عضوا في الناتو، فأن 26 % من المستطلعين ابدوا انهم يؤيدون الانضمام للتحالف بعضوية كاملة، وهذا يأتي بزيادة نقطتين مئويتين خلال استطلاع مماثل جرى في أذار الماضي، وأفاد بأن نحو 12 % من الذين تمت مقابلتهم أن الأحداث في أوكرانيا قد جعلتهم يفضلون انضمام فنلندا الى حلف شمال الاطلسي . ويعتقد بعض المراقبين ان النسبة ستزداد ارتفاعا، ارتباطا بمخاوف الحكومة الفنلندية، التي دفعتها الى التوقيع مؤخرا، في لقاء قمة الحلف في ويلز، على اتفاقية تضمن دخولها كـ" دولة مضيفة " لحلف الناتو، وهذا يعني ان فنلندا ستعطي قوات الناتو دعما لوجيستيا على أراضيها، على الرغم من عدم وجود قواعد فيها، وذلك ارتباطا بخطط حلف الناتو لارسال وحدات خاصة الى بولونيا ودول البلطيق بمهمة التنسيق مع الحكومة الاوكرانية، ورغم ان الرئيس الفنلندي رد مؤخرا على دعوة جديدة من الجارة استونيا لدخول خلف الناتو، بأن "فنلندا دولة غير منحازة"، فأن التساؤلات ترتفع : هل تنجح سياسات الحكومة اليمينية في اقناع الشارع لدخول فنلندا كعضو كامل في الحلف ؟!

6 ايلول 2014
طريق الشعب .. العدد 26 السنة 80 الأحد 7 أيلول 2014


 

 

free web counter