| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
السبت 24 / 2 / 2024 د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
الشيوعي العراقي – اختمار الازمة
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
(موقع الناس)بعيدا عن التسميات فقد عكست النتائج التي حصل عليها الشيوعيون في انتخابات مجالس المحافظات، هشاشة اوضاع الحزب الفكرية والسياسية والتنظيمية، وشكلت مظهراً لاختمار أزمته التي لا يستطيع رغم كل المحاولات تجاهلها. في نفس الوقت فشله في ايجاد مخارج لها ووقف التدهور في حياته الداخلية ودوره في الحياة السياسية.
- سياسيا لم يخضع الحزب خياره في المشاركة في الانتخابات للنقاش الجاد وتحاشى في أقل تقدير، القيام بعملية استفتاء داخلي لتقييم أو اختبار موقفه، هذا الموقف الذي لا يمكن تفسيره لصالح من اتخذ قرار المشاركة والذي يجب أن يتحمل مسؤولية ذلك.
- فكريا لا تتطابق تحليلات الحزب حول طبيعة النظام ومواصفاته مع استنتاجه الثابت بإمكانية تغيير النظام بآليات النظام او بأليات التي يفرضها النظام، رغم أن الممارسة لم ولن تزكي هذا الاستنتاج باي شكل كان. مازال هناك إصرار غير معلل نظريا أو عمليا على هذا النهج والذي لم يثمر عن شيء يعتد به ولمدة عقدين من الزمن.
- تنظيميا وهي الأكثر حساسية فقد فقدت عضوية الحزب هيبتها بعد ان تم تجريف الكثير من المفاهيم التي ارتبطت بهذه العضوية واختزلت الى مفاهيم شكلية ونفعية في الكثير من الأحيان.
لقد أدت الفوضى التي سادت في الحزب بعد 2003 خاصة بعد عجز سياسته ونشاطه في تغيير أو التأثير على منظومة المحاصصة القائمة، أدت هذه الفوضى الى أزمة أخذت تختمر وتتحول الى ازمة طاحنة ستقود الحزب الى حالة الموت السريري وذلك بسبب تجاهل قيادة الحزب ونسبة عالية من كوادره الوسطية هذا الامر والانجرار في أحسن الاحوال وراء الحلول الشكلية او الشعاراتية وغيرها.
قاد تجاهل هذه الفوضى والازمة الى انحسار واضح في عضوية الحزب التي شهدت تطورا كبيرا بعد 2003، الا ان السنوات الأخيرة شهدت تراجع واضح الى حدود 70% سواء في الداخل او الخارج، رغم أن 30% الباقية لم تكن في حقيقتها عضوية فعالة حيث تشكل العضوية الشكلية او غير الفعالة نسبة غير قليلة منها. هذا التصور قائم على احصائيات ملموسة للعديد من المنظمات الكبرى في الداخل او الخارج والتي لا يستطيع ان ينكرها كهنة المعبد. وترافق ذلك عدم فعالية سياستيه وبالأحرى فشلها في مجالات العمل الديمقراطي والجماهيري وضعف قدرته في خلق اصطفافات جديدة والحد من موافقه المربكة في مواجهة الاحداث وغيرها.
واقع الحال ومنذ سنوات كان يستصرخ ضرورة المعالجات الجادة وتطوير آليات ومواقف جديدة للعمل وخلق اصطفاف جديد للكادر وغيره لأحداث انعطافة جادة في مجمل وضعية الحزب وانقاذه من حالة الشلل التي يعيشها.
أولى الشيوعيون اهتمامات كبيرة بعمليات التجديد في الحركة الشيوعية وعموم اليسار ولكن في واقعهم العملي لم ينجزوا شيئا يذكر في هذا المجال، وكل ما أُنجز جرى في اطاره الشكلي أو افتقاده المواصلة والحيوية بعد سنوات قليلة من انطلاقه. في النهاية فشلت هذه المحاولات في إخراجه من اطار الحزب الشمولي الا بشكل محدود.
- تاريخيا لا تحتضن حياة الحزب الطويلة والمفعمة بالنضالات الجليلة والتحديات الكبرى لأنظمة كان جوهر وجودها معاداة الشعب العراقي ومصالحه المشروعة. الا تجربتين يتيمتين وسبب هذا اليتم انها انكفأت وانطفئ بريقها بعد فترة قصيرة جدا من انطلاقها. الا انهما تحظيان بأهمية غير قليلة في التوقف عندها، عند أي تفكير جاد بالتوجه نحو أعادة دمقرطة الحزب وأعاده الفعالية والحيوية لدوره في الحياة السياسية.
الأولى في 1956، قادها قائد حزبي شاب نشط وذكي وصاحب مبادرة وتقديم أفكار جريئة وقدرة في المحاججة والدفاع عن أفكاره ومبادراته. يمتاز بالصبر والعزيمة على تحقيق ما يصبو اليه في خدمة الحزب ونضال شعبه. كان سلام عادل قد اخُتبر في ميدان النضال واختبر هو كما اعتقد مبادراته في تجديد حياة وعمل الحزب بالذات عند قيادته المنطقة الجنوبية التي كان مقرها البصرة وبشهادات شخصية من عاش تلك الفترة. ادرك سلام بفطنته وذكاءه ومثابرته على التعلم ودراسة ما حوله أهمية ضرورة اخراج الحزب من عزلته التي فرضتها سلسلة من السلوكيات البيروقراطية والعقلية الجامدة والتأثر بالروحية والعقلية الستالينية وغيرها وكانت أولى الاختبارات لهذا التوجه الجديد عند قيادته للمنطقة الجنوبية. بدأ سلام عادل وفريقه اولى خطواته لاحقاً، بعد استلام قيادة الحزب بالعمل على فك عزلة الحزب بين رفاقه وذلك بالتوجه لتحقيق وحدة الحزب مع راية الشغيلة والمنظمات الأخرى. كانت كل أطراف هذه المبادرة واقصد الحزب والمجاميع الأخرى، هم أو في معظمهم جيل من الثوريين الذي ربط حياته ومصيره بحياة الحزب والشعب وهذا ما اثبتته السنوات اللاحقة. رغم ذلك لم يكن الامر سهلا. بادر سلام عادل وفريقه خطوته الأولى في وقف تخوين الاخر والتشكيك به ووقف الشتائم والاتهامات الرخيصة والمزايدات وغيرها وبدأ بخطوة صغيرة وسليمة كما يذكرها الفقيد حسن سلطان في أحد لقاءاته في المدرسة الحزبية في بلغاريا وهي المبادرة بالسلام او الرد على السلام واستخدام كلمة رفيق في التعامل، طبعا هذا عندما كانت كلمة رفيق تحمل رمزية ثورية عالية، بهذه الخطوة خلق أجواء طيبة لدفع مبادرته للأمام . لاحقاً بادر بطرح برنامج وطني يتطلب من اجل تحقيقه وحدة حقيقة للشيوعيين، وخاض سلام حوارات طويلة وصعبة ومرنة مع راية الشغيلة المتمثلة بجمال الحيدري. تحققت الوحدة واصدرت راية الشغيلة بيان بحل نفسها وادانت الانشقاق بنفس الوقت، واعتقد هي المرة الوحيدة في تاريخ الحزب، أصدر الحزب بيان ادان فيه سلوكيات القيادة السابقة التي دفعت باتجاه الانشقاق. مكن هذا الامر أن يستفيد الحزب الموحد من الوضع الثوري المتصاعد ويدفع به وصولا الى ثورة 14 تموز المجيدة. لقد تحول الحزب قبل وبعد الثورة وبالذات في سنتها الأولى الى اكبر قوة سياسية وجماهيرية. ويصف الفقيد عامر عبد الله في أحد مقالاته حيوية وفعالية المكتب السياسي للحزب بقيادة سلام عادل في الفترة ما بين 1956 وثورة تموز وعملهم كخلية نحل تواصل الليل بالنهار من اجل انجاز المهام العديد والمتنوعة داخليا وخارجيا وتجسيد جماعية العمل والإصرار على تطوير دور الحزب في كافة اوجه الحياة. كان سلام عادل في لولب هذا العمل وعلى رأس هذا الاصطفاف الجديد للكادر في قيادة الحزب وكوادره الوسطية. بعدها انطلق سلام وفريقه المعزز بالوحدة وببرنامجه الواضح والارادة والعزم الذي لا يفل والمفعم بالصبر للتوجه للقوى الوطنية للتعاون معها وإعادة النظر في أساليب النضال والتوجه للمؤسسة العسكرية وغيرها من التوجهات التي جعلت ح. ش. ع. واجهة النضال الوطني وقبلة المدافعين عن وطنهم وطموحات شعبهم.
حاول سلام إغناء هذا التوجه بتوسيع قيادة الحزب والسعي لتعزيز القيادة الجماعية والاستفادة من الكوادر التي خرجت من السجن وتوسيع قيادة الحزب وغيرها بعد ثورة تموز 1958، لكن هذا الامر تحول لاحقاً الى كارثة الصراعات التي حولت وحدة قيادة الحزب الى وحدة شكلية. في كل الأحوال لم تخرج عملية التجديد هذه ولم يكن بمقدورها في ذلك الوقت أن تخرج الحزب من آليات الفكر أو الحزب الشمولي.
المحاولة الثانية هي المؤتمر الخامس 1993 وما طرحه في محاولة لبناء توجه جديد وإعادة تقييم وضع الحزب ودوره، رغم ان المحاولة جاءت متأخرة لكن ذلك لا يقلل من أهميتها. كانت الأوضاع ومنذ انسحاب الحزب من تحالفه الفاشل مع البعث وانتقاله للمعارضة والعمل المسلح تصرخ من اجل التغيير والإصلاح الا ان قيادة الحزب ظلت بشكل أو بأخر تتجاهلها أو تتباطأ في التعامل معها. مع نهاية الثمانيات وبداية التسعينات اخذت أجراس الإنذار تدق بأعلى اصواتها والذي تمثل بانهيار ما يسمى بالمنظومة الاشتراكية وانتقال قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي (طليعة الحركة الشيوعية كما يسمى وقتها) الى مواقع اليمين والليبرالية والخيانة الوطنية والاممية. بادر الحزب لإعادة تقيم وضعه ودوره واتخذ جملة من السياسيات والاليات لتنشيط وإعادة الحيوية لوضعه الداخلي ودوره في الحياة السياسية والمعارضة العراقية. وقتها كانت أواسط الحزب تمر بخيبة كبيرة بعد سلسلة الضربات المتلاحقة وآخرها كانت الانفال وفشل انتفاضة 1991 وبروز قوى أخرى مدعومة دوليا وإقليميا. الأصعب من ذلك، كانت كل اطراف الحزب تقريبا في حالة هجرة الى الشمال الاوربي وتحاول تأمين حياتها ومستقبلها، حيث لم يعد هذا الامر خياراً جماعياً للشيوعيين كما اعتادوا عليه بعد ضربة البعث وانما تحول الى خيارات فردية. لقد أعاد المؤتمر الكثير من الامل وأحيا شيئاً من روح التفاؤل وابطئ لحد غير قليل من التراجع وبالذات في الحياة الداخلية الا انه لم يستطيع اختراق الخيبة وشهدت في تلك الفترة تراجع كبيرة في العمل القيادي وتحمل المسؤوليات وغيرها. لم يستمر تاثير مؤتمر التجديد فترة طويلة وعادت بعد بضعة سنوات اليات الحزب الشمولي لتنشط وبقوة من جديد ولتفتح الباب لفوضى جديدة.
بتقديري إن محدودية هاتين المحاولتين يكمن ورائها أسباب عدة ولكن أعتقد أن سببين لهما الدور الأكثر فعالية في هذا الإخفاق. أن أي محاولة للإصلاح أو دمقرطة للحزب كما اعتقد واشرت اليه سابقا، بحاجة ان تتوقف بشكل جاد عند هذا الامر. السبب الأول افتقاد الحزب الى الية كفؤة ومختبرة وقابلة للتطوير والاغناء لادارة صراعاته الداخلية فكرياً، سياسيا، تنظيما وغيرها من جوانب عمله. كانت وستبقى الخلافات والتناقضات والصراعات باعتبارها تعبيراً عن حيوية الحزب وسعيه لتطوير إمكانياته للبقاء وسط الجماهير وتعزيز سياساته والتحدي للأنظمة القائمة وبالتالي لا مفر من التعامل معها وادارتها بما يؤهلها ان تكون قوة دافعة لتطوير العمل لكن من جانب أخر كشفت أو تكشف اليات النظام الداخلي واليات إدارة الصراع المعمول بها لعقود طويلة عن هشاشتها وسطحيتها للتكفل بأمر كهذا. كان ومازال يُعتقد أن النظام الداخلي يؤمن هذا الجانب في الكثير من فقراته أو يوفر قاعدة لأدارته ولكن نظرة سريعة لتاريخية الصراعات وما الحق سوء ادارتها من ضرر في نشاط الحزب، تشكل نسفاً لهذا الاعتقاد ولا يعدو كونه الا سخرية من الواقع والتاريخ. أن إدارة الصراع هي عملية معقدة وتحتاج الى كفاءات متعددة وخلق كادر مدرب عليها إضافة لأجواء آمنة ويتطلب الامر ضمانات واضحة تؤمنه اليات ملموسة وإجراءات تنظيمية ضامنة وواضحة يجري صياغتها من واقع الحياة أو من تجارب الاخرين ويجري اختبارها في الممارسة ولها القابلية على التطور، اضافة لوعي أهمية هذه العملية باعتبارها واحدة من الروافد الأساسية في صياغة وتطوير سياسة الحزب وفي العمل على تطبيقها.
العملية باختصار كما في الدستور العراقي فبدون قوانين تفصيلية وفي ظروف مناسبة تضمن تنفذه بشكل عملي، يبقى وجوده شكليا. أن أي مؤسسة أو حزب وما شاكلها تدار بآليات فاشلة، يتحول مع الزمن لحزب أو مؤسسة فاشلة ولا يعدو وجوده الا وجود شكلي. أن التوجه وبروح ثورية على خلق هذه الاليات والمثابرة على تحويلها الى جزء من الحياة الحزبية ستكون رافعة لفرز الصراعات وتحويل الجاد منها لرافعة لتطوير الحزب كما ستنعكس على مجمل حياة الشيوعيين حتى الشخصية باعتبارهم رواد الحياة المدنية والمتطلعين لحاضر ومستقبل أفضل. والا ما معنى ان يغرق الحزب أدبيات في الحديث عن حقوق الانسان وينكر داخليا حقوق أعضاءه أو يتأمر عليهم ويحكم على قسم منهم بالإعدام السياسي وغيرها مما هو مشين. يتحدث عن قضاء عادل ومحكمة دستورية ويشكل لجنة رقابة مركزية لا تهش ولا تنش وكل قراراتها محكومة بموافقة وإقرار المكتب السياسي وما معنى ان نحافظ على آليات عمل تؤمن حتى وجود شخصيات في مواقع قيادة هي شخصيات مضطربة بحاجة للعلاج النفسي أو تتلقى علاجاً نفسيا وتتحكم في مصائر الأخرين وغيرها مما يتداول، خاصة بعد التحول الى شعار الحزب الانتخابي، من عناصر وممارسات غريبة وان لم تكن جديدة ولكن اخذت مديات أوسع، بما في ذلك انها تتستر على الفاسدين وحتى الخونة والمندسين ومن إلحاق بالحزب وبالشيوعيين اساءات واضرار كبيرة.
السبب الثاني بتقديري هو عدم وجود رؤية أو مثابرة أو آلية لمواصلة عمليات التجديد بحيث تتحول الى جزء من العقلية الحزبية وضمان مواصلتها ومراجعتها في اجتماعات خاصة وتقديم تقارير منتظمة وايجاد هيئة مختصة تقدم تقاريرها مباشرة الى كل مؤتمر او اجتماع موسع. كل ما انجز سابقاً في هذا المجال يتحول بعد فترة الى جزء من التاريخ ونستعيده على مبدأ قفا نبكي على .. دون السعي الى تحويله الى جزء لصيق بالواقع والمستقبل.
أخيراً من الممكن طرح بعض الملاحظات لمن يهتم في هذا الموضوع والذي هو بحاجة الى نقاش واسع وجاد وربما تسهم بعض هذه الملاحظات في فتح افاق للنقاش لمن يهمه الامر، لكن لا بد من التأكيد على حقيقة وهي في حالة انتقال قيادة الحزب أو أي حزب شيوعي الى اليمين لأسباب فكرية أو سياسية أو شخصية ، فالحديث عن عملية التجديد وغيرها هو في واقعه مثل الحديث عن دخول ابليس الى الجنة. تجربة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية وغيرها خير دليل على ذلك. ويمكن النظر بصورة معاكسة لتجربة الحزب الشيوعي الصيني المثمرة وتحول الصين الى دولة وقوى عظمى في سنوات معدودة.
+ كما ذكرت فالتجديد عملية صعبة ومعقدة وتحتاج الى جملة امور اشرت لقسم منها ولكن لا مفر من خوضها وكما يقال لن تتعلم السباحة ما لم تنزل البحر. في حالة عدم أدارتها بشكل سليم تقود الى نتائج عكسية وربما تقود الى تدمير الحزب. أن وجود حزب شيوعي ثوري وفعال ذات شعبية واسعة وذات قيادة عازمة للنهوض بدوره الوطني والطبقي وقادر على تشكيل أو المساهمة في تشكيل معارضة جادة وثابتة للنظام القائم، مازال بتقديري عامل مهم لقوى اليسار ولكل القوى الديمقراطية والمدنية. هذا الاستنتاج هو ليس من بنات العواطف وانما من رؤيتي وتقديراتي والتي أتمنى أن لا تكون خاطئة ، للواقع المعاش وتاريخ الحركة السياسية في العراق، رغم كل إخفاقات واخطاء ح.ِش.ع.
الأهم الا تتحول المخاوف الى موقف سياسي أو تنظيمي لأبعاد او تأجيل أو أبطاء هذا الامر. منذ 1964 تحكم تيار الوسط في قيادة الحزب وظل يرقص ما بين اليمين واليسار حسب الظروف ولا تستغرب أن تجد وجوه بارزة من قيادته في سنوات معينة في عمق اليمين وهو الغالب وسنوات لاحقة تنتقل الى عمق اليسار وبدون ثوابت لهذه القفزات او مؤشر يرسم قفزاتها وانعكس هذا بشكل واضح على صياغة سياساته في هذا الظرف أو ذاك. قلة من قيادة الحزب والتي شهدت ثبات نسبي كبير للفترة ما بين 1964 وبداية تسعينيات القرن الماضي حافظت على مواقف ثورية ثابتة (هذه الفترة شهدت تقريباً ثبات نسبي في تركيب القيادات ومنها ما يستنتج او يطلق علية أزمة القيادة تاريخياً في ح. ش.ع.). ورغم بعض التغيرات في الهرم القيادي الاعلى او في كوادره الوسطية، فقد بقى (ح ش ع) يتوارث ذات النهج في سياساته وعمله منذ 1964 وليومنا هذا وبقى اسيرا لتيار الوسط الذي أعاق بشكل أو بآخر عملية تجديد حقيقة على مستوى الفكر والسياسية والتنظيم والتمسك بتبرير عدم الاقدام على هذا الامر أو التباطؤ فيه الا بعد إيصال سفينة الحزب لبر الأمان ولكنه في واقع الحال كان ينقلنا لبحار وشواطئ ما عادات فيها مرافئ. ربما كان هذا الامر نتاج مرحلة تفكير وظروف معينة ولكن من الضروري أن لا نغفل أيضاً وفي كل الأحوال أنه كان تحمل المسؤوليات القيادية في الحزب وقتها، سواء قيادته العليا او كوادره الوسطية او اعضاءه يتطلب شجاعة واقدام ونكران ذات بما فيها افتداء النفس، غير حياة العمل السري والسجون والمطاردات والحرمات وضنك العيش.
أن أحد اسرار قوة وصمود الشيوعيين وربما ابرزها، ثقة أوساط واسعة من الجماهير بهم، رغم أن الواقع وفي مراحل عديدة من تاريخهم لم يزكي سياستهم وتوجهاتهم، هو قدرتهم على التحدي وبشجاعة قل نظيرها للأنظمة الحاكمة والتي لم تضمر الا العداء لمصالح الوطن والشعب وهذا ما يتوافق مع سيكولوجية العراقيين والمظلومين، غير مشروعهم التنويري وسلوكهم الاجتماعي وغيرها مما هو معروف عنهم.
الا الصورة الان مختلفة والامتيازات مغرية والكثير من الشيوعيين من طينة أخرى غير التي عرفها العراقيون على مدى عقود عديدة وعادوا لتميع الشعار القديم في المعارضة الإيجابية وغيرها التي تشكل صورة شعار تضامن- نقد - تضامن والذي كلف الحزب الكثير وفي اطوار عدة من حياته.
+ أن عملية التجديد بحاجة الى قائد أو قيادة حزبية تملك رؤية أو قادرة على خلق أجواء تسهم بخلق هذه الرؤية. قادرة على خلق اصطفاف جديد ليس على مستوى قيادة الحزب وانما بين الكادر الوسطي.
+ أعادة الهيبة للعضوية في الحزب الشيوعي العراقي بعد ان جرى تجريف الكثير من قيمها وروحها المعنوية والثورية. هي سليلة النضال الثوري الممتد من تحدى فهد وسلام عادل صنوف العذاب والموت الى ورثتهم من الالاف الشهداء والمناضلين الشيوعيين وعوائلهم ومحبيهم وكل من وضع حجرة في بنيان هذا الحزب.
+ من اجل معالجة الجوانب التي يعتقد انها ضارة أو معيقة للعمل من الضروري إعطاء توصيف واضح وملموس لها. مثلا البيروقراطية الحزبية ما هي وما هي اشكال تجسدها في الحياة العملية. أشراف الهيئات الدنيا على العليا وغيرها من الأمثلة غير المحدودة.
+ ممن الضروري إعادة تقييم عمل وعلاقات الحزب بالمنظمات الديمقراطية والجماهيرية. لا توجد سياسة واضحة في هذا المجال وتتوفر ممارسات كارثية منذ تسعينات القرن الماضي في الخارج والى ما بعد 2003 في الداخل ولحد الان. لا يمكن ل (ح.ِش.ع) أن يكون جماهيريا أو تأثيراً جماهيري بدون تبني سياسة سليمة تزكيها الحياة في هذا المجال. هذا الامر هو احد العقد المزمنة تاريخياً في حياة الحزب وفي اقل تقدير منذ خمسينات القرن الماضي ولحد الان. في كشف حساب بسيط يمكن الإشارة الى أن الحزب مثلا وليس حصرا ضيع التيار الديمقراطي في الخارج والذي لم تعد تشكيلاته الا تشكيلات شكلية في الغالب يشكل أعضاء الحزب غالبية أعضائه وغالبية قيادته ولحدود 90% لا يتمتع في الواقع الا باستقلالية شكلية. ويمكن الإشارة كذلك الى منظمة الأنصار الشيوعيين وفروعها في الخارج والتي ضمت خيرة وجوهرة مناضلي الحزب وما تشهده من انحسار في نشاطها وعضويتها. لا اشير الى امثلة اخرى تشكل قسم منها فضائح تسمم البدن كما يقال.
+ أخيرا هل في الخًرج من املٍ، شخصيا اعتقد لا توجد مؤشرات على ذلك. كل المؤشرات والفعاليات الحزبية والبيانات الصادرة تشير أو تؤكد مواصلة نفس النهج على مستوى السياسة والتنظيم في اقل تقدير وهي التي قادت الى واقع الحال الحالي. كل ما يطرح الان لم يخرج عن أطار اشغال الجسد الحزبي بإجراءات شكلية لامتصاص النقمة بعد كل خسارة وهزيمة منذ 1959 ولحد الان. كما في إخراج عضو في المكتب السياسي كما حصل في اجتماع ل. م الأخير وتحميل هذا وذاك المسؤولية وغيرها من تبادل الأدوار دون اتخاذ إجراءات ملموسة ضد من قاد الى هذا الوضع البائس، مع مواصلة سياسة التهجيج المستورة أو المكشوفة للعديد من أعضاء وكوادر الحزب وبحجج واستفزازات عديدة ومنع أي اصطفاف للكادر ومواصلة الأعلام الحزبي المغلق والفاشل وغيرها مما سيدفع الوضع الى حافة الهاوية. أما فيما يطرح بان ح.ش. ع. لم يتخلى عن شعار (تفكيك منظومة المحاصصة مهمة قائمة) ورغم هذا الشعار الملتبس والفضفاض وحتى اذا اسملنا فرضاً بجدية التزام ح.ش.ع. بهذا الامر رغم أن العديد من الوقائع تشير الى أمور أخرى، فالأهم هو النقاش عن أساليب تحقيق ذلك والذي سيكون غير مرغوب به حين تطرح رؤى متعارضة مع السياسة القائمة. واذا كان هناك سعى لهذا التفكيك، فلماذا يفرغ الحزب وبأشكال متنوعة من طاقته الثورية؟
في مفاصل عدة، يطرح الان، أهمية الدعوة الى كونفرس أو مؤتمر عاجل يجري تغييرات في القيادة ولكن هل يشكل هذا الامر مخرج حقيقي للازمة المختمرة. شخصيا لا اعتقد ذلك فيما اذا جرى في اطار الاليات المطروحة أو التي ستطرحها القيادة الحالية للحزب والتي ستعمل بشكل او آخر لتوريث نهجها وان كان بوجوه أخرى. ممكن ان تكون الدعوة لتشكل لجنة محايدة من كوادر الحزب المجربة تدعو وتشرف على عقد مؤتمر يستطيع أن يجري إنعطافة في سياسة الحزب ويضمن اصطفاف جديد للكادر وأساليب عمل وغيرها من يعيد الحيوية والفعالية لنشاط الحزب ودورها بين الجماهير وقدرته على تشكيل او المساهمة في تشكيل معارضة حقيقية وجادة على أسس وطنية أو ديمقراطية لأنهاء أو اسقاط نظام المحاصصة الطائفية والقومية والذي هو أساس الخراب الذي لحق بالعراق شعباً وارضاً.