| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

 

 

 

                                                                      السبت  7 / 6 / 2014



الشيوعيون والانتخابات البرلمانية بين النتائج والاستنتاج..

د. احمد الشيخ احمد ربيعة

التوصيف المختصر للانتخابات البرلمانية 2014 هو في كونها مطعون بنزاهتها حيث بلغ عدد الطعون المقدمة من قبل الكيانات المشاركة فيها أكثر من 2000 حالة من الخروقات المتنوعة. ولا شك أن نتائجها ستدخل العراق في أزمة جديدة ستكشف الايام القادمة عن تعميق الأزمة السياسية الشاملة التي تعج بكل أنحاء الوطن . كما انها ستبقي القوى المتنفذة التي صممتها بهذه الطريقة، تتمرغل في وحل الطائفية والفساد المالي والإداري وعار اللاوطنية والصراع العبثي الذي سيهدم بيوتها العنكبوتية.

هذه الانتخابات وبالطريقة التي جرت فيها تعكس وجها للتفكير والممارسة السياسية للفئات الجديدة التي برزت وبشكل سريع جدا بعد 2003، التي اعتمدت مثلث الفساد والجريمة واستخدام الدين. وقد كانت مشاركة الشيوعيين مواصلة لنهج سياسي جديد اعتمد بعد 2003. قدم الشيوعيون وحلفائهم في التيار المدني العديد من الشخصيات الوطنية والعلمية الكفوءة والمخلصة، الوطن واعادة بنائه في امس الحاجة لهم.

يشكل عدم حصول الشيوعيين على اي مقعد نيابي مفارقة بحاجة الى التوقف الجاد لكل من تعز عليه قضية الديمقراطية في العراق. ربما تكون الاسباب عديدة ولكني سأتوقف عند اثنين، تشكل بتقديري اساس المشكلة.

الأول: الحرب النفسية ضد الشيوعيين باعتبارها جزء هام من سياسية معاداة الشيوعية وعموم اليسار في العراق. لم ولن يتخلى المشروع الامريكي سواء بعد احتلال العراق او قبل ذلك عن أهدافه بمعاداة الشيوعية وتحطيم المشروع الوطني والديمقراطي في العراق، فقد خلقوا قاعدة هذا المشروع من خلال التغيرات التي جرت في البنية الطبقية والاجتماعية والسياسية في العراق، بخلق طبقة سياسية حاملة وحامية لهذا المشروع. طبقة اثرت بشكل فاحش وسريع على اساس تفليش الدولة وشيوع الفساد والجريمة المنظمة وتحطيم المنظومة الاخلاقية الهشة اساسا بفضل سياسة النظام الساقط والتي شكلت مدخلا لكل الخراب الذي يعم العراق الان. هذا الاسلوب جرى تجربته في بلدان أوربا الشرقية وبالذات روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية. معظم القوى المتنفذة حاليا لها جذورها الفكرية والسياسية والتاريخية في هذا العداء كتيارات سياسية او كشخصيات، وهو احد قواسمها المشتركة التي تجمعها بعد 2003، اضافة لذلك فهذه الحرب لها صداها وروابطها مع الارتباطات الإقليمية لهذه القوى.

هذه الحرب النفسية لها تأثيراتها المريرة، فهي تسعى في النهاية لتحويل هذا الامر الى عقدة عند الشيوعين وغاية قد تدفع البعض منهم لأي وسيلة كي يحققها حتى يتجاوز هذه العقدة. هذه الحرب النفسية التي يشنها أعداء الشيوعية في العراق تهدف لشل قدرة الشيوعين وفل عزيمتهم واصرارهم واحاطتهم بحالة من الاحباط واستنزاف قواهم على المدى القريب والبعيد واضعاف مصداقيتهم امام جماهيرهم وحلفائهم وفقد الثقة فيهم. انها تعمل على خلق الخيبة بمشروعهم الوطني والديمقراطي وايجاد ارضية خصبة لخلق المحاور والتكتلات وتحكم قوى الوسط في قيادة النشاط السياسي للشيوعين. تخلق شكوك على مدى كفاءة كادرهم القيادي، وتسعى لإظهار غالبية الشيوعيين ومؤيديهم وعموم الديمقراطيين وكأنهم يصوتون في الانتخابات على اسس انحداراتهم الطائفية، بالتالي لا يعدو البلد سوى دولة مكونات كما يراد له. هذا الضغط والحرب النفسية والشعور بالذنب والتقصير وخلق الاحساس بعدم جدوى المشروع الوطني والديمقراطي وضعف حضوره بين الجماهير ، هى مولدة لجملة من الاختلافات والصراعات التي ان لم تدار بوجهة سليمة فستكون لها عواقبها الوخيمة، هذا ما يسعى له قتلة وسراق قوت الشعب العراقي، اعداء المشروع الوطني، رافعي راية معاداة الشيوعية والديمقراطية المهلهلة. هي سياسة االخنق بخيط من حرير. انهم يسعون لكي يكون الشيوعيون وعموم الديمقراطيين والوطنيين جزء من اللعبة الطائفية. كل القوى وبالذات القوى ذات النفوذ والامكانيات الواسعة، تتحدث وبأدلة موثقة عن التزوير في الانتخابات لصالح المالكي وقائمته. لم تجد هذه القوى رباً يحمي اصواتها من سطوة المالكي ونفوذه واصراره ومن يقف من وراءه، على تزوير اصوات الناخبين، فمن يحمي اصوات الشيوعيين وحلفائهم؟

السبب الثاني، يتعلق اساسا بالشيوعيين، الذين هم اليوم كما في السابق بحاجة الى وقف جادة لتقييم عملهم ومجمل سياستهم. هذا الامر اول ما يتطلب الابتعاد عن القراءة البراغماتية لعملية الانتخابات سواء كتوجه او كفعل سياسي او كأرقام والتخلي عن عرض الحقائق والنتائج بالطريقة ( السوفييتية )، والالتفاف على الواقع وصعوباته بلغة ملتبسة. الانتخابات لها هدف اساسي وهو الوحيد تقريبا وهو ايصال مندوبي الحزب للبرلمان وهو شكل من اشكال النضال السياسي للحزب. اخفق الحزب وللمرة الثانية خلال دورتين متتاليتين في ايصال مندوبيه. هذه هي النتيجة النهائية لعملنا في هذا الجانب والتي تستوجب منا مواجهتها بمسؤولية عالية وصادقة، اما التصريحات بان الانتخابات خلقت فرصة للوصول الى قطاعات جديدة من الجماهير وما شابها، او التيار المدنى حقق كذا نتيجة واثبتت الانتخابات صحة وضرورة التحالف وغيرها وهي عديدة، فلا تعدو سوى محاولة لستر فشلنا المرير الذي يجب ان نجرعه بكل قسوة. ان الوصول الى الجماهير هي جزء من نشاط الحزب اليومي وترتبط وتيرته بعوامل عديدة صعودأ او نزولاً، ولا تبتعد عن هذا الامر الطروحات المربكة بتوقع النتائج المفاجئة والمبهرة، او ان النتائج تعكس وجهة الناس للتغير وغيرها مما طرح، حتى قراءة لغة الارقام يجب النظر اليها بعين واقعية بعيدة عن البراغماتية. مثلا يجري الحديث عن ما حصدته قائمة التحالف في بغداد في الانتخابات الاخيرة كان 112,563 صوت مقابل 21.952 صوت في الانتخابات النيابة في 2005 و 21.613 صوت في 2010، لكن في قائمة التيار الديمقراطي في بغداد حصد السادة مثال الالوسي 30.074 صوت، فائق الشيخ علي 24.206 صوت وعلي كاظم عزيز 8.036 صوت والدكتور محمد علي زيني 5.976 صوت ( إستبعد من الانتخابات بحجج وتهم كيدية كاذبة، لم تحسم قضيته ولا يسمح له بالمشاركة في الانتخابات الا قبل ايام من الانتخابات وبهذه الظروف يشكل ما حصده من اصوات انتصارا رائعا ). ان مجموع هذه الاصوات لشخصيات ديمقراطية ووطنية يشكل 68.292 صوت. لو جرى جرد ما حصل عليه الشيوعيون في القائمة فلا اعتقد انه سيكون رقم يبهر العين ولا يتجاوز بشكل كبير نتائج انتخابات 2005 او 2010، اقول هذا طبقا للغة الارقام المعلنة، رغم وجود العديد من المؤشرات بالنسبة لي شخصيا، تجعلني اشك وبدون إي إثم ان واقع الحال هو شيء أخر. في بعض المحافظات لم تحصد قائمة التيار المدني الا اصوات ما بين الالفين والثلاثة آلاف من الاصوات فقط.

اما امر النزاهة والتي هي الورقة الذهبية بيد الشيوعيين فهناك ملاحظة في هذا الامر، فقد كان أحد مرشحي الحزب في احد المحافظات مزوراً لشهادته العليا، هذا الامر المعروف للكثير ، كذلك دعم الحزب او رشح ايضا، مرشح اخر متهم بقضايا فساد، وسبق ان طالبت بعض الشخصيات علنا باستقالته. هذا الامر مقلق ومثير للمخاوف من التهاون في هذا الجانب، وكما يقول المثل ( بداية الرقص حنجلة).

بتقديري ان جذر المشكلة بالنسبة للشيوعيين هو سياسي يرتبط بموقفهم في المشاركة في الانتخابات بدون توفر الحد الادنى لنزاهتها.

ان المؤتمر الثامن للحزب وتبعه المؤتمر التاسع صاغا هذا الخط السياسي ويمكن ملاحظة ان التقرير السياسي للمؤتمر التاسع كما في سابقه سادت فيه الوجهة الاستعراضية للأحداث وضعف النظرة النقدية أو انعدامها تقريبا، لمواقفنا وتقيم مدى صوابها، اضافة للمرور العابر للتغيرات في البنية الاقتصادية والفكرية والاجتماعية والاخلاقية للقوى المتحكمة في السلطة و القوى المتحكمة فيما ما يطلق عليه بالعملية السياسية، رغم التحليلات الواسعة لهذه التغيرات في المجتمع الا ان الاستنتاجات والاهداف المرسومة للمرحلة اللاحقة يسودها كما اعتقد ،الكثير من الوهم.

طرحت اجوبة سريعة لهذا الاخفاق، لكن يبدو انها غير كافية وغير مقنعة. أعتقد انه يمكن تشكيل الطريق للاجابة عن هذا الامر بتلخصه ببعض الاسئلة والتي هي بحاجة الى البحث وهي :

*
هل اثبتت سياسة واستنتاجات المؤتمر الثامن والتاسع وخاصة في ما يتعلق بتطور العملية السياسية ومنها مشاركتنا في الانتخابات بهذا الشكل صحتها في الحياة اليومية؟

* القوى المتحكمة في السلطة او العملية السياسية والتي تعرب عن نفسها اليوم وبدون اي خجل وبشكل مباشر عن انها ممثلة للشيعة او السنة، هل هي حاملة لمشروع وطني ولا اقول ديمقراطي؟

* طرحنا وبشكل سليم الشروط أو التصورات الاربعة لقيام انتخابات نزيهة ( مفوضية مستقلة، قانون انتخابي عادل، قانون الاحزاب، تعداد سكاني). في كل تقييم لنتائجنا في الانتخابات تأخذ عدم نزاهة الانتخابات الحيز الاهم فيها. فما هي العبرة ان نشارك في انتخابات لا تتوفر فيها الحد الادنى من النزاهة؟، بل على العكس من ذلك تم التصريح والاصرار المسبق وفي فترات مختلفة على تأكيد مشاركة الشيوعيين في الانتخابات وباي شكل من الاشكال وحتى لو جرى اقرار قانون جائر!

*
هل كانت قراءتنا صحيحة لقانون سانت ليغو المعدل؟ موقفنا كان الى حد ما ايجابي اتجاه القانون ولكنه في النهاية ضمن الفوز للمرشح الذي يحصل على اصوات قليلة في قوائم القوى المتنفذة، واعتماداً على الاصوات التي يحصدها رئيس القائمة، مقابل خسارة مرشح يملك اصوات كبيرة في قوائم اخرى.

* جاذبية الشيوعيين تاريخيا تشكلت من امور عديدة منها ما تجسد في صحة شعاراتهم وقدرتهم على التحدي. فباي قدر يمكن استلهام تاريخنا في صياغة سياستنا الحالية؟ في تاريخنا شاركنا في انتخابات وتحولنا فيها الى قوة فعالة ومؤثرة وقاطعنا انتخابات وتحولنا الى قوة مؤثرة، وحملتنا المشاركة في انتخابات غير نزيهة والسكوت عن هذا الامر نتائج غير طيبة كما في انتخابات اقليم كردستان العراق الاولى.

* هل من الضروري ان يكون موقفنا موحداً من انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات مجلس النواب؟ هناك مسافة بين الاثنين كما اعتقد نابعة من مهام كل منهما. الى اي حد ممكن صياغة مواقف معينة جديدة في هذا المجال؟

* كيف يمكن ان نتحول الى مركز للمعارضة الحقيقة لنظام المحصصة؟. باي شكل نحن ضد نظام المحاصصة. هل نسعى لترشيدها كما يطرح البعض، هذا الامر الذي يمكن تلمسه بشكل واضح الان في طروحاتنا السياسية وفي مواقفنا، ام نسعى لانهاء هذا النظام، ام نضع رجلا في نظام المحاصصة ورجلا خارجه ونسعى لتحسين مواقعنا، كما تصرفنا بتقديري خلال الفترات السابقة. تبدو هنا الصورة مربكة.

* وجودنا العلني بالشكل الحالي والذي فرضناه نحن وبشجاعة في الحياة السياسية، الى اي حد مفيد في تطوير عملنا والى اي حد هو بنفس الوقت معيق لتطوير عملنا. هل يمكن التفكير ببدائل اخرى؟

* هل نحن حزب يمتلك قدرا واسعا من المرونة والكفاءة لاستيعاب المتغيرات في وقتها المناسب؟ هل تطور وضعنا الداخلي بما يعزز الروح الثورية في العمل ويتيح قدرا واسعا من المبادرة وتعزيز التفكير المستقل؟

ربما هناك العديد من الاسئلة الاخرى التي ترتبط بفشل الشيوعيين في الوصول الى البرلمان. من جانب اخر تتعدد الرؤى في الاجابة على هذا الامر. ان البحث عن الاجابة السليمة والواقعية على هذا الاسئلة وغيرها والاستنتاجات المترتبة عليها، هي التي ستحدد طرق مشاركتنا في الحياة السياسية وتفتح افاق لتطويرها، هي التي ستحدد بنية وطريقة خطابنا السياسي، هي التي ستحدد شكل التنظيم، هي التي ستحدد كافة اشكال مجمل عملنا اللاحق، لكن البحث الجريء يحتاج إلى شيء اساسي كما وسبق ان كتبت في 2008، هو الى
اعادة الحياة لشعار دمقرطة الحزب.

 

 

 

free web counter