| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

الخميس 8/11/ 2007



الأزمة العراقية - التركية: شيء من التاريخ

عبدالرزاق الصافي
 
من المفروض ان يكون رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قد التقى بالرئيس بوش يوم امس، للبحث في الازمة العراقية - التركية، الناجمة عن التهديدات التركية باجتياح اقليم كردستان العراق، بذريعة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) الذين يتخذون من الجبال الوعرة في المثلث العراقي الايراني التركي قواعد لهم لشن غارات على مواقع الجيش التركي في المناطق التركية المحاذية للعراق.
واللقاء الذي تم أمس يستهدف، من الجانب الامريكي، على الاقل، حل الاشكال الناجم عن طريق الدبلوماسية بعيداً عن تجييش الجيوش واجتياح الحدود العراقية، كما تريد المؤسسة العسكرية في تركيا. هذا الاجتياح الذي يشكـّل انتهاكاً سافراً للقانون الدولي، واعتداءً فظاً على سيادة العراق ووحدة اراضيه، اللتين طالما ورد ذكرهما في البيانات، التي كان يصدرها وزراء خارجية تركيا وايران وسوريا في اجتماعاتهم الدورية، على مدى سنوات عديدة، منذ خروج اقليم كردستان عن سيطرة الحكومة في بغداد في العام 1991 بموجب القرار الدولي الذي اعتبر اقليم كردستان العراق منطقة ملاذ آمن. هذه الاجتماعات التي تواصلت حتى سقوط نظام صدام حسين في العام 2003. ومن المعروف ان الحكومة التركية التي كانت تخضع لما يريده الجيش، توصلت الى عقد اتفاقية مع نظام صدام في العام 1978 تبيح لها التوغل في العراق الى مسافة عشرات الكيلومترات لملاحقة المتمردين الاكراد (الاتراك)، تحسباً من الجانب التركي لما يمكن ان تتطور اليه الامور من جانب المناضلين الاكراد المطالبين بحقوقهم القومية المشروعة، ولجوئهم الى الكفاح المسلح لنيل هذه الحقوق. وهو ما حصل فعلاً في العام 1984، عندما بدأ حزب العمال الكردستاني الكفاح المسلح.
وها قد مر ما يقارب الربع قرن على بدء الكفاح المسلح من دون ان يستطيع الجيش التركي القضاء على حزب العمال الكردستاني، رغم تمكنه من اعتقال رئيس الحزب عبدالله اوجلان والحكم عليه بالسجن مدى الحياة. الامر الذي يعني ان اللجوء الى القوة والحملات العسكرية لا يمكن ان يكون الطريق لحل المسألة القومية الكردية في تركيا. ويكشف من الناحية الاخرى ان التحجج بوجود بضعة مئات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في منطقة المثلث العراقي الايراني التركي الوعرة جداً (وهي منطقة اعرفها بشكل جيد، إذ عشت فيها عدة سنوات مع المقاتلين العراقيين عرباً وكرداً وكلدو آشوريين، أيام الكفاح المسلح ضد نظام صدام، حيث كانت مواقعنا في مرمى مدفعية نظام صدام، دون ان تستطيع قواته التقدم لاحتلال تلك المواقع).
ومن هنا استطيع الجزم بأن طلب الجيش التركي من الحكومة العراقية باعتقال مقاتلي حزب العمال الكردستاني وتسليم قيادييهم الى الحكومة التركية، انما هو طلب تعجيزي، لا اكثر ولا أقل. وليكون تعذر القيام به من جانب الحكومة العراقية او حكومة اقليم كردستان ذريعة يبرر بها الجيش التركي إصراره على اجتياح الحدود العراقية بهدف، ليس القضاء على حزب العمال الكردستاني، بالاساس، بل زعزعة حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية والوضع في العراق ككل.
فليس سراً ان المؤسسة العسكرية التركية لا تخفي ضيقها بما حققته الحركة القومية الكردية في العراق من نجاحات تجسدت في إقرار النظام الفيديرالي في العراق دستورياً، والاعتراف بإقليم كردستان العراق ومجلسه الوطني وحكومته. وما يتركه هذا من تأثير على الحركة القومية الكردية في تركيا، التي تطالب بحقوق قومية مشابهة.
لقد ابدت الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان العراق تفهماً كبيراً لقلق الحكومة التركية من نشاط مقاتلي (ب ك ك) المسلح، واستعدادهما للقيام بما تستطيعان القيام به للتضييق على هذا النشاط، وتقديم النصح من جانب القادة الكرد العراقيين لحزب (ب ك ك) بترك العمل المسلح، والاستفادة من الامكانيات المتاحة في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، لتطوير نضالهم السلمي للحصول على مزيد من الحقوق القومية المشروعة، وتجنباً لما يصيبهم من عزلة عن غالبية ابناء الشعب الكردي في تركيا وفي عموم كردستان.
كما ان الرأي العام الدولي ومواقف الحكومة الامريكية والاتحاد الاوربي المعلنة هي ضد الاجتياح. كما ان بإمكان المراقب السياسي ان يلحظ الفارق بين مواقف الحكومة التركية برئاسة رجب طيب اردوغان غير المتحمسة للحل العسكري، ومواقف المؤسسة العسكرية المتشددة، التي تريد توظيف هذه المواقف لاستعادة تحكمها الذي كانت تمارسه سابقاً على الحكومات التركية المدنية.
فهل ستفلح الجهود في الحد من تطرف (ب ك ك) ولجم جموح المؤسسة العسكرية التركية، وإصرارها على الحل العسكري الذي يلحق اكبر الاضرار ليس فقط بأبناء اقليم كردستان العراق وحكومة الاقليم والوضع في العراق ككل، بل وبالدولة التركية التي تستميت للدخول في الاتحاد الاوربي؟

 

Counters