| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عامر صالح

 

 

 

الخميس 30/4/ 2009

 

المثلية الجنسية
ملاحظات أستباقية في أصل ألانواع
(1)

 د.عامر صالح

"ما التأنيث لأسم الشمس عيبا ´      ولا التذكير فخر للهلال"
                                                           المتنبي

أثار لدي الفضول المعرفي عند كتابة مقالي السابق والموسوم"سيكولوجيا المثلية الجنسية/ العراق ضحية ومتهم", والذي كان مكرسا عن المثلية الجنسية الذكورية,والمنشور على صفحات الأنترنيت,أن أكمل الوجه ألاخر للمثلية,الا وهو المثلية الجنسية الأنثوية,أو ما يطلق عليه في اللغة العربية الكلاسيكية بالسحاق,لكي نقترب من وضوح الرؤى لكلا الظاهرتين من حيث جذورها والمظاهر المختلفة للتعبير عنها وكذلك أسبابها المختلفة, وبالتالي نحاول أستيعابها بمزيدا من العقلانية,أستنادا الى المعارف العلمية في هذا المجال,بعيدا عن التهور والانفعالات المرضية.

وقد أرتأيت قبل الدخول في الموضوع مباشرة,أن أشير الى بعض الملاحظات السريعة حول جذور ظاهرة المثلية الجنسية لدى الكائنات الحية التي تقع تحتنا في سلم التطور البايولوجي.وقد ساقني لذلك تأكيدا للفروض العلمية التي اثبتت صحتها, والتي مفادها أن هناك الكثير من مظاهر الأستمرارية والتشابه في السلوك بين الكائنات الحية في مختلف درجات تطورها,وهذا ينطبق بصياغة أخرى بين الأنسان وما سبقته في النشأة التطورية/ التأريخية من الكائنات الحية,وبالتالي فأنه لاتوجد قطيعة مطلقة بين جميع الكائنات الحية التي تتدرج في سلم التطور البايولوجي, وأن ما ينشأ جديدا في هذا السلم يحمل في طياته الكثير من القديم, وتلك هي سنة التطور.وأن ما يوجد بين الكائنات الحية من مشتركات كثيرة على مستوى العمليات البيولوجية الأساسية والبنى التشريحية العامة, وما يرتبط بها من غرائز كثيرة كالجوع والعطش والجنس والتنفس والهظم....الخ,يقود بالضرورة الى البحث عن مظاهر مشتركة لسلوك الكائنات العضوية, كالأنسان والحيوان,بعيدا عن المعارف والخطابات الديماغوجية.

لقد اثبتت الدراسات العلمية, أن ظاهرة المثلية الجنسية منتشرة بين الحيوانات, وخاصة الطيور والحيوانات الثدية,مثل الزرافات والقردة, وخاصة القرد الشمبانزي, وهو الأقرب الى الأنسان في سلم التطور.وحتى عند بعض أنواع الضفادع.فقد تم التأكد في عام 2004 في بحث علمي أن المثلية الجنسية منتشرة بين الأغنام, وهي تشبه الى حد ما المثلية الجنسية لدى الأنسان, ويعتقد أنها متعلقة لديهم بمنطقة ما في الدماغ. وقد اثبت علميا أن 1500 نوعا من الحيوانات تنتشر فيها ظاهرة المثلية الجنسية ,وأن 500 نوعا منها موثقا بأشكال مختلفة ضمن بحوث علمية ودراسات دكتوراه.

وفي عام 2004 أيضا تم التأكد من خلال الملاحظة العلمية من قبل المتخصصين, في الحديقة المركزية للحيوانات في الولايات المتحدة الأمريكية, أن حيوان البطريق يمارس المثلية الجنسية بأشكال مختلفة تنسجم مع طبيعة جنسه وطريقة الأتصال بينهما, وهي ذات طابع مداعباتي, أو عيش مشترك, حيث يقوم الذكريين ببناء عش مشترك والعيش سوية, وبدلا من تجميع البيض ووضعه في العش ,يقومون الذكران بتجميع الحصى. وتم التأكد من نفس الملاحظات في الحدائق الالمانية,واليابانية والنيوزلندية.

ومن ضمن الطيور التي تنتشر فيها المثلية الجنسية,على سبيل المثال لا الحصر, هو طائر البجع الأسود الأسترالي ذو المنقار الأحمر,حيث يقوم هذا الحيوان ببناء علاقات مثلية ويسرق العش من الأناث ,أو علاقات مزدوجة مع الأناث لسرقة البيض منها.وكذلك لوحظت المثلية في وسط طائر الاوك والنورس وغيرها.وتنتشر هذه الظاهرة على العموم في الحيوانات التي تشكل تجمعات بأعداد مختلفة.

وتبدو ظاهرة المثلية الجنسية بشكل اكثر وضوحا في تجمعات القردة,كقرد الماكاك,وهو قرد اسيوي ذو انف ضيق,يتواجد في الشمال الشرقي من الهند.وكذلك في أوساط قرود البابيان او الرباح, وهي نوع من القرود تعيش في المناطق الواسعة والمفتوحة من الغابات ومناطق الاعشاب الأفريقية الى الجنوب من الصحراء وبعض المناطق المرتفعة منها.والمثلية الجنسية في اوساط تلك القرود تأخذ أشكالا مختلفة, أبتداء من المداعبات الى العمل الجنسي الكامل.

وتنتشر المثلية الجنسية كسلوك فعلي بنسبة 75% في وسط القردة من نوع البونوبو,وهو احد أنواع القردة الشمبانزي,الذي تم أكتشافه في عام 1928 من قبل عالم التشريح الأمريكي هارولد كوليج في افريقيا الوسطى .وقد أكد العالم فرانس دي وال في كتابه"القرد المنسي",أن الجنس يلعب دورا مهما في مجتمع البونوبو,حيث يستخدم كوسيلة لأداء التحية بحرارة, أو كوسيلة لفض النزاعات بين المتخاصمين من القردة,ويستخدم لاحقا كخطوة لتثبيت حالة الهدنة التي تعقب فض النزاعات,وهو على نسق ما يجري في السياسة في المجتمعات الأنسانية اثناء حل الصرعات السياسية والعسكرية,حيث تبدأ الهدنة أولا ثم البحث عن عوامل تثبيتها, وأن أختلفت الوسائل في ذلك, كل حسب درجة تطوره.وكذلك يستخدم الجنس في وسط هذا النوع من القرود كوسيلة للمقايضة ,على سبيل المثال مقابل وجبة طعام لقرد جائع, تتم ممارسة الجنس معه.وقد تكمن هنا جذور الدعارة الاولى( الجنس مقابل شيئ ما), وعلى نسق ما يجري الآن في المجتمعات الأنسانيةـ الجنس مقابل المال. ويصنف هذا الحيوان كحيوان بيسكسويل بأمتياز( أي ممارسة الجنس مع جنسه والجنس الاخر).ونسوق هنا لأغراض المقارنة فقط في السياق , وأن كان أكتشاف القردة لأهمية الدور الجنسي يسجل سبقا لهم !!!,أن الجنس في الحياة المعاصرة للأنسان يلعب دورا مهما في الأستقرار والنمو الشخصيين,وكذلك على مستوى الأستقرار و التخطيط الأسري وبعث الهدوء النفسي والأجتماعي للأسرة.كما يستخدم الجنس ألآن كأحد وسائل العلاج لبعض الأضطرابات النفسية,مثل الأكتئاب والهستيريا والقلق وغيرها,او ما يسمى بعلم النفس " الكف بالنقيض" ,أي أحلال استجابة ايجابية سارة مكان استجابة سلبية غير سارة,وهو احد علاجات المدرسة النفسية السلوكية.

ومن الجدير بالذكر هنا, أن المثلية الجنسية في الحيوانات هي في الأعم الأغلب ذكورية ( بين ذكر وأخر). أما المثلية الأنثوية فهي أقل بكثير وتنخفض نسبتها الى النصف قياسا بالمثلية الذكرية, وهي تقترب من نسبتها في المجتمعات الأنسانية. ويفسر البعض هذا بسبب قوة" الصفة الذكورية" لدى الذكور, يقابلها حالات" الهدوء الجنسي" لدى الأناث , وخاصة بعد الأنجاب ورعاية الأطفال وما يترتب على ذلك من غرائز الأمومة,وما يصاحبها من تحويل للغريزة الجنسية صوب الأطفال ورعايتهم والأرتباط النفسي بهم.

أما المثلية الجنسية الأنثوية,أو ما يسمى باللغة العربية بالسحاق, وهي كلمة ذات ابعاد سلبية تستعمل في اللغة العربية للحديث عن مثليات الجنس فقد حل مكانها مصطلح المثلية الجنسية الأنثوية كمصطلح تحرري محايد. ومثلية الجنس هي المرأة التي تميل الى النساء جنسيا أو عاطفيا, وأستعملت في الماضي كلمة سحاق وسحاقيات للحديث عن مثليات الجنس لأنهن "يسحقن" أي يضغطن اثداء واعضاء بعضهن اثناء الفعل الجنسي,وهو يقابل الكلمة الأنكليزية " لسبيس" ذات الأصل الأغريقي , نسبة الى جزيرة لسبوس اليونانية ومسقط رأس الشاعرة اليونانية "صافو " التي كانت تمارس المثلية مع النساء اليونانيات في القرن السابع قبل الميلاد, وكانت تحي امسيات في الشعر والخطابات والرقص معهن.وكلا مصطلحي السحاق بالنسبة للمرأة , واللواط بالنسبة للرجل لا يستخدمان في ثقافة اللغة الرسمية أو في اللغة الراقية, وقد حل مكانهما مصطلح المثلية الجنسية الذكورية بالنسبة للواط, ومصطلح المثلية الجنسية الأنثوية بالنسبة للسحاق. وظل مصطلحي السحاق واللواط قابعان في الخطابات الكلاسيكية واللغات القديمة.

أما بالنسبة لأبعاد ظاهرة المثلية الجنسية الأنثوية بين النساء من حيث حدودها ومسبباتها وأبعادها ومظاهر التعبير عنها,فسيكون ذلك موضوع الجزء الثاني القادم.

 يتبع لاحقا
 

 

free web counter