|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء 5/6/ 2012                                                          د. عامر صالح                                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عندما يختلط الحق بالباطل في إزاحة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي !!!!

د.عامر صالح

" وإن كنت لا تدري فتلك مصيبة   وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم " - الإمام أبن القيم

كل ما يجري في العراق من ممارسات سياسية يثير الاستغراب والألم والحيرة بل والسخرية بنفس الوقت, انطلاقا من أن ما يجري ليست خلافا طبيعيا يحدث تحت مظلة البيت الديمقراطي العراقي وتقاليده الوليدة الناشئة والتي تقتضي البحث في الخلافات والنقد البناء للعثور على بدائل ممكنة لإدارة البلاد والخروج بها من مأزق المراوحة في المكان الذي طال أمده لسنوات وليست لأشهر أو أيام, فعلى الأقل هناك دستور مصوت عليه " رغم مثالبه العديدة " للاحتكام إليه في حل المشكلات المفصلية التي تعتري العملية السياسية, والتي ولدت ولادة قيصرية على خلفية الاحتلال الأمريكي وما سببه من نتائج وإفرازات ذات تأثيرات بعيدة المدى, نحصد الآن جزء من إفرازاتها السلبية !!!!.

كل العراقيين بدون استثناء يعرفون حق المعرفة أن العملية السياسية في العراق ومكوناتها الحزبية وقواها المحركة في الأعم الأغلب غير قادرة الآن على إخراج البلاد بسهولة من الأزمة, فالأحزاب الطائفية ـ السياسية سبب في الأزمة, والقوى الاثنية والقومية هي الأخرى سبب في استعصاء الأزمة, والأحزاب ذات الأصول العبثية ـ البعثية هي الأخرى تنحر الوطن على خلفية خطابها المعسول باسم الديمقراطية والذي يحمل في طياته مزيدا من خلط الأوراق على أمل العودة بالأمور إلى نقطة الصفر, أي إلى العام 2003, بل والى ما قبل ذلك التأريخ لأحياء ارث الدكتاتورية المندثر بكل أوجاعه ومعاناته التي لا يمكن أن تنسى تحت تأثير الذاكرة القصيرة التي تكرسها صعوبات العيش الحاضر !!!.

لعلي لن أجافي الحقيقة عندما أقول أن هناك مزاجا عاما لدى اغلب الكتل السياسية ذات الصبغة الطائفية والقومية وذات الأصول الهجينة من البعث وغيره لحصر البلاد في ذات المستنقع الآسن الذي يمتد برائحته العفنة إلى مرحلة النظام السابق, ولحصر العراق دوما في ذات الدائرة المغلقة أو في ذات النفق المظلم الذي لم يرى النور أبدا, انطلاقا من الأهداف المصلحية الضيقة والأنانية البخسة ذات النفع الآني , والتي يرتئيها كل طرف من هذه الأطراف, والتي لا تعنيها مصلحة الوطن موحدا بنسيجه الاجتماعي وتركيبته السوسيو أثنية, فالجميع معبئ بطموحات غير مشروعة في التأسيس لحالة ذهنية انكفائية وانفصالية بعيدا عن مصلحة العراق وطموحات شعبه في عراق فدرالي حق يؤمن كل مستلزمات النهوض الاجتماعي لمختلف الشرائح الاجتماعية والاثنية والقومية !!!.

ومن دواعي السرور دوما أن العراقيين يعرفون تماما أسباب المحنة وجذورها وتفصيلاتها, ولكن وبسبب من عوامل الإحباط المزمن وما يرافق ذلك من انفعالات سريعة تجعلهم بعيدين عن التماس الحلول الممكنة في الحالات الملموسة والمستعصية, وخاصة عندما يتم التركيز على الحلول الآنية السريعة للخلاص من الحالة الراهنة وبأي ثمن دون معرفة للعواقب المترتبة على ذلك أو دون استيعاب للإمكانيات الحقيقية المتاحة للتغير !!!.

عندما يسمع المرء من قوى عراقية مختلفة ومن شخصيات مهتمة بالشأن السياسي العراقي الدعاوى التصعيدية لإقالة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وبأي ثمن كان لإزاحته عن المشهد السياسي والحكومي, فهل تعي هذه القوى حقيقة البدائل القادمة " على الأقل في الوقت القريب القادم ", أم هي دعاوى بحسن نية النظام الديمقراطي واليته الممكنة لذلك, دون حسبان لما تسببه هذه الخيارات على المستوى القريب من ديمومة للفوضى وعدم الاستقرار, وفسح مزيدا من المناطق الرخوة للإرهاب والعنف وإعادة انتعاش دوراته القديمة, وخاصة في ظل هكذا توليفة سياسية لا يراهن المواطن العراقي على كفاءة صلاحيتها السياسية والاجتماعية في بناء عراق ديمقراطي آمن, بما فيها التوليفة الحاكمة !!!!.

عندما اسمع مؤخرا من خطاب السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية كلمات تحريضية مثل: " أما العراق أو المالكي " نتساءل هل تكمن في ذلك ثقافة الديمقراطية في التخلص من مسئول حكومي, أم هي آلية لخلط الأوراق وبأي ثمن, حتى لو كان العراق كله ثمنا لذلك. أنا من الناس الذين يتمنى أن يكون السيد الهاشمي بريئا عن تهمة الإرهاب, لكي يعطي ببراءته مزيدا من الدروس للتأسيس لقضاء عادل ونزيه بعيدا كل البعد عن نفس الطائفية والعدائية البغضاء, وخاصة عندما يتعلق الأمر ليست بشخص عادي, بل بنائب رئيس الجمهورية, وهل صحيح أن العراق كله لا يستطيع تأمين قضاء عادل يقف أمامه نائب الرئيس, وهل سيناريو هروبه بهذا الشكل كان دليل على تهمته أم براءته... الأسئلة كثيرة ولكن الحكمة القضائية تقول أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته !!!!.

أقرأ أيضا من خطابات قوى وطنية أخرى وهي تحمل في جعبتها مقترحات شتى للخروج من الأزمة, وان كان البعض منها صعب المنال الآن إن لم تكن مستحيلة, ولكنها مشروعة, ومن ضمن ما يستهويني حقا هو التأكيد على ضرورة تقديم كافة ملفات المتهمين بالإرهاب دون إغفال لأحد مهما كان انتمائه السياسي والطائفي وبدون استثناءات , ولكن هذه الدعاوى والمقترحات عندما تقترن بزمن معين وبأحداث خطيرة تتحول ضمنا إلى دعوى لخلط الأوراق والتهم وترتيبها حسب سلم الأولويات, وأي الملفات يستحق الألوية على غيره الآن, رغم ضرورة وإلحاحية العمل بذلك !!!!.

أنا من الناس الذين يدعون إلى حل كافة الأحزاب القائمة على أسس طائفية سياسية, وتأسيس أحزاب وطنية قائمة على أساس برامج اقتصادية واجتماعية ذات صلة بمستقبل الوطن والمواطن, وبعيدة عن خلط أوراق الدين بالسياسة, لكي يؤسس البلد مخرجا له من المحنة, ولكي توفر للمواطن الفرص الحقيقية لاختيار ما هو مفيد لعلميات التطور الاقتصادي والاجتماعي, ويبقى الانتماء الديني وما يتبعه من انتماءات طائفية ومذهبية له مكانته المحفوظة في ذاكرة الناس بأجمل صورها. وقد أكدت التجارب السابقة أن أفضل المحاولات للتخلص من الطائفية السياسية لم يكتب لها النجاح كما هو الحال ما حصل لتحالفات دولة القانون وغيرها من التحالفات الأخرى !!!!.

وفي ظل هذه الأوضاع الشاذة والصعبة والحرجة التي تمر بها البلاد فهل الدعاوي والحملات المكرسة لإقالة المالكي تستحق كل هذه التعبئة أم إنها كلمة حق أريد بها باطل, أم إنها دعاوى من حيث لا يدرك أو يدرك أصحابها لعودة الفوضى والاستئثار بالسلطة مجددا ولكي يحصل كل حزب أو أي جهة سياسية أو أثنية وقومية ما تريد من مصالح محدودة مؤقتة وعلى خلفية ضعف العراق المتواصل... وبكل الأحوال فأن للديمقراطية أنياب لا ترحم كل من المالكي وأنصاره ولا  دعاة أقالته عندما يخرجون عن المصلحة الوطنية العليا !!!!.

 

   

         

 

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter