| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عامر صالح

 

 

 

الأربعاء 8/9/ 2010

 

في التداعيات النفسية والسياسية لسلطة حكومات الحزب الواحد :
الجذور والممارسات مع إشارات لانعكاساتها على التداول السلمي للسلطة في الحالة العراقية
 

 د.عامر صالح

"
أتعس حكم هو الحكم الذي يفرض عليك أن تذكره صباح مساء " ارنست همنغواي

يقصد بمفهوم الحزب الواحد أن الجماعة السياسية لا تعرف سوى تنظيم سياسي واحد, ويطلق على النظم السياسية التي تجري على هذه القاعدة بنظم الحزب الواحد أو النظم الحزبية غير التنافسية, وهي النظم التي تسعى بكل قدراتها السياسية مستغلة كل إمكانياتها الدينية والدنيوية والعملية لإلغاء الآخر المنافس وبشتى الوسائل عبر امتلاكها لأجهزة الدولة الأمنية والمخابراتية, ومن خلال تسويقها لخطاب ديماغوجي مفرط في عصبيته الفردية والدينية والطائفية والشوفينية السياسية المتشنجة, في محاولة لترك الانطباع أن ما يوجد على ارض السياسة هو فقط خطاب واحد صالح لكل الأزمان والأمكنة ولكل الدورات الانتخابية,التشريعية, والتنفيذية والرئاسية إن وجدت وبغض النظر عن نتائج التصويت !!!.

أن سلطة الحزب الواحد هي سلطة الإقصاء والتهميش والقهر والتنكيل والعبودية للشعب تجسدها في الممارسة العملية زعامة الحزب أو دكتاتور يقف على رأسه أو ملك مستبد قهار,وجميعها تقوم على خلفية سايكوـ عقلية تعبر عنها أعراض بارانويا "هذيان" العظمة والنرجسية المرضية لشخص القائد, ولعل في خطاب ملك فرنسا لويس الخامس عشر ما يعكس ذلك بوضوح,عندما وقف في الثالث من آذار عام 1716 أمام برلمان باريس قائلا : " في شخصي وحده تجتمع السلطة, ولي وحدي تعود السلطة التشريعية دون منازع أو حسيب, النظام العام بمجمله يستمد وجوده من وجودي, وأنا حاميه الأول, شعبي وأنا واحد.حقوق ومصالح الأمة, التي يجرؤن على جعلها جسما منفصلا عن الملك, هي بالضرورة متحدة بحقوقي ومصالحي أنا , ولا ترتاح إلا بين يدي ".

وعندما ينفخ الملك لويس الخامس عشر بنفسه بكل هذه الفردية الفجة والسطوة المطلقة, فأنه لا يختلف كثيرا عن أي خليفة أموي أو عباسي, أو طاغية معاصر أمثال : هتلر, وموسوليني, وفرانكو, وصدام والكثير من الذين لا يزالون أحياء ينتشرون في أرجاء العالم العربي والإسلامي والعالمي يديرون دفة الحكم بلباس ديني أو دنيوي إلى حين عقاب الشعب لهم, فالحاكم الجائر يظن نفسه انه الإله المتوج بالمنعة والسطوة, وما على بني البشر إلا طاعته, وطاعة أولاده ونسائه وجواريه وأفراد قبيلته.ومن هنا فأن السطوة المطلقة التي يمارسها الحاكم المستبد على أفراد شعبه, وقدرته السحرية الماكرة على تطويع الناس لأن يكونوا خدما أذلاء تابعين له, منقادين لأوامره انقيادا مطلقا, جعلت كثير من الناس في العصور القديمة يتصورون انه لا بد أن يكون الحاكم من طبيعة غير طبيعة البشر, فهو من طبيعة إلهية, وهو اله أو ابن إله, وهو يحكم بتفويض مباشر أو غير مباشر من الله.

أن الحاكم المطلق يفتقد إلى ابسط مقومات السواء والصحة النفسية, على الرغم مما يبديه من مقدرة ومظاهر شكلية فارغة في أدارة الحكم وتسير شؤون العباد بطريقة تعسفية, فهو يعاني من عدم القدرة على التحكم بالتقلبات الوجدانية والمزاجية, وضعف ضبطه للبيئة الخاصة والسياسية وعدم تمكنه من حل المشاكل التي تواجهه و يلجأ اغلب الأحيان إلى السلاح لحل المعضلات,ويعاني من عدم تقبل النفس والتسامح مع الأخطاء الشخصية,فهو لا يعترف بالخطأ وأن كلف ذلك انهر من الدم ومئات الآلاف من الضحايا,ضعف المقدرة على تعديل الأخطاء وجوانب القصور النفسي والاجتماعي, انعدام المقدرة على النمو والتطور في الشخصية والإخلال بمتطلبات التكامل والتوافق مع الآخرين, الإدراك المشوه للواقع وعدم الإحساس بمشاعر الآخرين ودوافعهم وحاجاتهم, القدرة غير العقلانية في التصرف المستقل واتخاذ القرارات الفردية التي تؤدي إلى الويلات والحروب وخراب البلاد,ضعف الفاعلية في أداء الدور السياسي والاجتماعي في الداخل والخارج, فأعدائه في الداخل كثيرون ويبحث منهمكا عن أعداء في الخارج لتصريف أزمته النفسية والسياسية, عدم المقدرة على ضبط الانفعالات السلبية المدمرة كالقلق والعدوان والاكتئاب والمخاوف المفرطة التي لا معنى لها والتي قد تدفعه إلى خيارات مدمرة تطال شعوبا وبلدان أخرى, ضعف القدرة على تكوين علاقات شخصية ناضجة سواء مع أسرته أو مع الشعب,فهو في الخفاء عن أسرته يمارس الجنس بطلاقة,عدا حالات الزواج التي يجهر بها أمام الملأ علنا باعتباره الوريث الشرعي للإله في الأرض ومن حقه امتلاك كل نساء الأرض, أما مع الشعب فتطال يديه إلى الجميع وكيف ما اتفق !!!!!.

أما بالنسبة لنشأة حكومات الحزب الواحد, فقد ترتب على دخول العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية عصر تصفية الاستعمار التقليدي حصول عدد كبير من الدول المستعمرة تباعا على استقلالها وانضمام هذه الدول المستقلة إلى الجماعة الدولية, وبدأت هذه الدول رحلة البحث عن النظم السياسية الملائمة لها,وقد اصطلح على تسمية هذه الدول بالعالم الثالث أو النامي. وعلى الرغم من هذه الدول لها أصول حضارية متباينة, وتعكس تمايزا في درجة التطور وخصائص البناء الاجتماعي والعلاقات الاقتصادية, إلا أن هذه الدول تشترك في عدد من السمات أو الخصائص العامة, مما يبرر تصنيفها في مجموعة واحدة تحت اسم العالم النامي.ومن أهم هذه السمات عدم وجود تقاليد للعمل السياسي, فهذه الدول ليست لها تجربة طويلة بنظام الحكم الديمقراطي, مما أدى إلى غياب تقاليد راسخة للممارسة الديمقراطية في معظم هذه البلاد, وعمق من هذه الظاهرة سيادة الأمية, الأمر الذي انعكس في عدم وجود اهتمام بالمشاركة السياسية بين الأغلبية, وعدم تطور الأبنية والمؤسسات الرئيسية اللازمة للعملية السياسية, والانفصال بين النخبة الحاكمة والمحكومين, واستناد النخبة الحاكمة في الغالب إلى أساس تقليدي للسلطة كمصدر لشرعيتها, بالإضافة إلى محدودية هذه النخبة, ومركزية القرار السياسي.

وعند الحديث عن طبيعة نظم هذه البلدان يجب تميزها في إطار مجموعتين رئيسيتين: المجموعة الأولى, وتضم الدول القليلة التي حصلت على الاستقلال السياسي مبكرا قبل الحرب العالمية الثانية, وقد غلب عليها تقليد النظم السياسية القائمة في دول المتربول" الدول المستعمرة " أي الأخذ بالديمقراطية الغربية, ومن هذه الدول ما تأثر بتجربة النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية, مثل كثير من دول أمريكا اللاتينية, ومنها ما تأثر بالتجربة البرلمانية البريطانية, مثل مصر والعراق.ويمكن القول بصفة عامة بأن هذه التجارب قد أصابها الإخفاق, إذ اقتصر الأمر على نقل هياكل ومؤسسات الديمقراطية الغربية دون القيم الثقافية والفكرية التي قامت عليها, وبغير توفر البنية الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لها, مما أدى إلى انهيار بعض من هذه النظم, وبقاء الأخر مشوها, مما فتح الطريق أمام الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية, مما أدى إلى استلام السلطة السياسية من قبل نظم الحزب الواحد أو دكتاتوريات عسكرية جثمت على صدور شعوبها لعقود خلت مسببة المزيد من الفقر والفاقة والأمية والجهل السياسي, كما هو الحال في العراق ومصر وغيره من بلدان العالم.

أما المجموعة الثانية فقد ضمت الدول التي حصلت على استقلالها السياسي في أعقاب الحرب العالمية الثانية, ويمكن التميز في داخلها مجموعتين فرعيتين, شملت الأولى الدول التي حصلت على الاستقلال بشكل سلمي هادئ, وهذه اتجهت عموما اتجاها مشابها للمجموعة الأولى من حيث اقتدائها بنموذج الديمقراطية الغربية, وعانت تجربتها من الإحباط والمتاعب قادتها إلى الفشل في معظمها.وضمت الثانية الدول التي حصلت على الاستقلال نتيجة حرب تحرير كان يقودها في العادة حزب أو جبهة من الأحزاب والزعماء السياسيين, وتؤيدها جماهير شعبية واسعة, وكان من الطبيعي أن يتولى السلطة بعد الاستقلال, الحزب أو الجبهة التي قادت إلى الاستقلال, وبعد تحقق الاستقلال كهدف آني أجمعت عليه هذه القوى وبفعل أيضا غياب الهدف الاستراتيجي لهذه القوى ما بعد الاستقلال فقد فتحت الطريق أمام الانقسامات الداخلية والتصفيات السياسية والجسدية وعمليات التطهير وإراقة الدماء بين حلفاء الأمس, وعلى خلفية ذلك انفرد حزبا واحدا في تسير دفة الحكم متخذا من أشلاء حلفائه معبرا إلى السلطة السياسية.

وعلى العموم فأن فشل نقل التجربة الديمقراطية الغربية وعدم القدرة على استنباتها في هذه البلدان أخلى السبيل أمام حكومات الحزب الواحد, وأصبح هذا النمط من الحكم هو السائد في اغلب بلدان العالم الثالث منذ بداية الخمسينات والستينات من القرن الماضي,بما فيها العالم العربي بشكل خاص, باستثناء بعض التجارب الديمقراطية المتواضعة , والتي تتعرض إلى الابتزاز والضغط والتلكؤ والانهيارات المؤقتة نتيجة لضغوطات داخلية وخارجية.

ومن الجدير بالذكر إن هذه الدول التي سلكت نموذج الحزب الواحد لم تكن على أسس عقائدية أو فلسفية واضحة, كما هو الحال في نماذج دول أوربا الشرقية سابقا, والتي كانت تسود فيها فسحة من الحوار والتحالفات مع القوى السياسية الأخرى, كالقوى السياسية التي تمثل شرائح مختلفة من الفلاحين والمثقفين وغيرهم, استنادا إلى رؤيا أو فهم لخطاب فلسفي تمليه الضرورات التاريخية لهذا التحالف بعيدا عن مصلحة الحكم,ومستندة إلى خطاب مرن ومطاوع مع الظروف المستجدة, وصل إلى حد تسليم السلطة بالكامل إلى القوى "الليبرالية" وتداول السلطة سلميا بأقل ما يمكن من إراقة الدماء بعد عقود من الحكم, وهي حالات من القناعة لم نشدها في بقاع العالم الأخر, وهو عكس ما جرى ويجري في العالم الثالث حيث حجم الضحايا والدمار البشري والاقتصادي والاجتماعي يفوق الانجازات بأضعاف مضاعفة. واليوم حيث تقف أوربا الشرقية بقدمين راسخين متطلعة للمستقبل يقودها اليسار الماركسي تارة, واليمين بمشاربه تارة أخرى, نرى العالم الثالث والعربي منه يراوح في المكان بانتظار مختلف الاحتمالات صوب مستقبل مجهول ومزيدا من الاحتلال الأمريكي والبريطاني !!!!!.

لقد استندت حكومات الحزب الواحد في بلدان العالم الثالث, والعالم العربي منها بشكل خاص إلى رؤيا غير دقيقة , بل كاذبة ومراوغة, قوامها أن بعض المهام التاريخية لا يمكن انجازها إلا تحت ظل حكومات الحزب الواحد, ومنها أن عملية التنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية لا يمكن انجازها إلا بتعبئة لكل طاقات المجتمع وموارده, وهذا يتطلب وجود حزب واحد أوحد قادر على ذلك, ينظم حركة الجماهير ويغرس فيها قيم التنمية, إلا أن نتائج التنمية وما أفرزته لعقود من تزايد للفقر والجوع وانخفاض لمستوى الدخول يدحض ذلك الادعاء!!!!. أما الادعاء الأخر فهو حماية الوحدة الوطنية في ظروف تعدد الأحزاب التي تعمق الانقسامات وبالتالي تؤدي إلى تمزيق هذه الدول, ولكن النتائج العملية تؤكد أن اغلب هذه الدول من ذات الحزب الواحد عرض الوحدة الوطنية إلى مخاطر جدية, ولعل نظام صدام حسين نموذجا صارخا لانتهاك الوحدة الوطنية وسببا في استقدام الجيوش الأجنبية لفرض حالة الاحتلال بالضد من الاستقلال المنشود, أما من الإدعاءات الأخرى كالحاجة إلى الاستقرار السياسي في داخل النظام السياسي الأوحد, أو أن مقارعة الاستعمار تستدعي وجود حزبا واحدا في السلطة لتعبئة الجهود,فتلك إدعاءات غوغاء, زكتها الحياة ببساطة, وأن اغلب نظم الحزب الواحد ارتمت لاحقا بأحضان الاستعمار وحلفائه وأسرفت في الحوار معه بالسر والعلانية وبطرائق مباشرة أو غير مباشرة, كما هو الحال في الحوار مع إسرائيل وحلفائها من الدول الكبرى !!!!.

لقد مرت على سلطة حكومات الحزب الواحد عدة عقود تجاوزت في العديد منها نصف القرن أو أكثر, وهي تتخبط في الحلول في ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية دون جدوى, ودون نتائج تذكر قياسا بعامل الزمن الذي استطاعت فيه الحكومات الديمقراطية الحق انجاز الكثير من الاستقرار السياسي وبناء ديمقراطيات راسخة ورفاه اجتماعي واحترام لحقوق مواطنيها في العيش الكريم, وعكس ذلك فقد تبلورت في سلطات حكومات الحزب الواحد ابرز الاضطرابات النفس ـ سياسية على مر عقود من الحكم, لعل أبرزها ما يلي :

1 ـ الهواجس الأمنية :
أن هذه السلطات وعلى مر عقود لاتهمها سوى قضية الاستمرار والبقاء في الحكم مهما بلغت تضحيات الشعب, فهي تنفق المال الذي وصل إلى ثلاثة أرباع ميزانيتها على قوى الأمن والمخابرات والأجهزة الخاصة وعملائها في الداخل والخارج , مستنزفة موارد الشعب المالية لزرع الرعب والتنكيل بالشعب استنادا إلى علاقتها المريضة بالشعب, حيث تسود نظرة الاحتقار أليه باعتباره العبد المطيع الذي لا يستحق إلا التأديب والعقاب الجسدي بشتى صنوف التعذيب, وصولا إلى سبي الأعراض وانتهاك شرف المواطنين, في محاولة لإذلاله ومنع أي محاولة للتصدي للحكم الجائر ومنع الهبات الجماهيرية التي تطيح به!!!!.

2 ـ غسيل الدماغ :
أن الإحساس الدائم لدى حكومات الحزب الواحد بعدم الشرعية, ورفض الشعب لمنظومة السلطة وتوجهاتها, يدفع السلطة إلى الاستعانة الاستثنائية بأجهزة الدعاية والإعلام للتقليل من حدة وطأة الأجهزة الأمنية وبطشها, فتقوم هذه الأجهزة بالمبالغة في" انجازات السلطة " إن وجدت وتبرير أفعالها وتحويل هزائمها التاريخية إلى انتصارات تاريخية, كما تقوم بإضفاء صفات البطولة والحكمة والتضحية على رموز السلطة وأفعالها لتزيف الوعي, وخاصة في مجتمعات متدنية الثقافة والتعليم, وتلعب هنا خطابات القائد التاريخية وتكرارها والإلحاح بها صباح مساء مقرونة بالأهازيج والأغاني والهوسات التي ترقص الشعب مؤقتا وتلهيه, دورا كبيرا في إيحاء الناس واستهوائهم وتنويمهم وتغيبهم وإطالة أمد سبات الشعب, لحين معرفة الحقيقة تمهيدا لانفجار الشعب طالبا بالثائر من حكوماته الكاذبة !!!.

3 ـ أورام الذات :
تعاني سلطات الحزب الواحد من البارانويا بمختلف مظاهرها, داء العظمة, والاضطهاد والغيرة, وتظهر لدى القادة والأفراد الذين لديهم شعور بالنقص ومن تربوا في بيئات تربوية متدنية,وهم مفرطين في العناية بالمظهر بشكل ملفت للنظر, ولديهم القدرة على تلبس أكثر من شخصية, وهم شديدو الحساسية ـ يثور ويغضب ويكون خطيرا ويتهم الآخرين, وقد تندلع بفضله مشاكل وحروب داخلية وخارجية نتيجة لسوء فهم دوافع الآخرين, ونتيجة لذلك فهو لا يثق بشعبه, ولديه الإحساس العميق باحتقار الشعب له , وينتظر منهم سحقه وتدميره, ولذلك فهو ينظر إلى الشعب بعين الشك وسوء الظن, ويتصرف وفقا لهذا الإحساس كعين لا تنام متأهبا دوما ومستخدما كل سلطاته ومتوحدا معها, وممتلكا لكل أدوات القوة والسيطرة لعلها تحميه من ساعات لا تحمد عقباها, وتمتزج لديه الذات بالسلطة فتصبح لديه السلطة قضية حياة أو موت, ويتحول الحاكم إلى مستبد ابدي ولا يتخلى عن السلطة مهما كانت التكلفة والضحايا, ولعل في نظام صدام حسين البائد وغيره من النظم الحالية ما يجسد تلك الظاهرة النفس ـ سياسية بوضوح لا غبار عليه !!!!.

4 ـ شخصنة السلطة :
وهو الاحتكار المطلق للسلطة, بمعنى انفراد مجموعة أو نخبة بالحكم, واتجاه الحزب إلى إضفاء كل الصفات الحسنة عليها, وإلصاق كل الصفات السيئة بمعارضيها, وهي حالات من الإسقاط النفسي المرضي, حيث يجري تحميل الشعب وأحزابه المعارضة كل ما يرتكبه الحاكم من جرم, لا بل أكثر من ذلك يلجا الحاكم إلى فرض نمط من النفوذ عبر شتى مظاهر حصر السلطات التشريعية والتنفيذية والدستورية بيده كميكانيزم تعويضي معبر عن الفشل والخيبة, إضافة إلى شتى مظاهر وطقوس العبادات الشخصية للحاكم, وإطلاق صفات التبجيل والعبادة الفردية له, ونشر صوره وتماثيله في كل مكان في محاولة لتأكيد ذاته وإثارة الرعب لدى الشعب بوجوده الشكلي في كل مكان, من خلال ترك الانطباع أن حضوره قائم مهما غاب أو اختفى إلى حين !!!!.

5 ـ سيكولوجيا اغتصاب السلطة والإفساد فيها :
أن سلطة حكومات الحزب الواحد فتحت الطريق على مصراعيه إلى الاستغلال النفسي والأخلاقي والإداري والمالي في ظل غياب تقاليد راسخة للعمل السياسي, وعدم وجود رقابة شعبية حقيقية.ومن الناحية النفسية فأن الاستحواذ على السلطة يدفع بشخص القائد إلى ممارسة سلوكيات سيكوباتية من الالتفاف, والتلفيق, والخداع والكذب, وتصبح هذه السلوكيات ممارسات يومية ملازمة لاستمرار وبقاء السلطة وتشكل دالة للنظام, وتتجاوز هذه السلوكيات شخص القائد لتنتشر في أوصال المجتمع كله, في سلوكياته اليومية, وفي دوائر الدولة وفي المنظمات الحزبية للحاكم, ويأتي هنا الفساد كضرورة لبقاء نظام الحكم من خلال عملية التجانس القيمية والأخلاقية بين الحاكم ومنظومته السلطوية, وبين المجتمع وعامة الناس, وعلى خلفية ذلك ينتشر الفساد بمختلف مظاهره, من رشوة وفساد وسرقة للمال العام, ومقرونة هذه الممارسات بحديث ممل من قبل السلطة ودورها في الشفافية والنزاهة والطهارة والحفاظ على المال العام, إلى جانب المبالغة في القيم والطقوس والمظاهر الدينية الخالية من الممارسات القلبية لجوهر الدين وروحانياته.

6 ـ الاغتراب في حياة الحاكم وعزلته وتدهور الحكم :
تعاني سلطة الحزب الواحد وقيادتها من حالة الفصل الحقيقي بينها وبين الشعب, فالحاكم ورغم ما يمتلكه من سطوة ومال وأجهزة حماية, إلا انه محروم من لحمة التواصل الحقيقي الصادق والمفعم بالعواطف الإنسانية مع أسرته أولا ومع الشعب بأسره, فالحاكم الوحدوي لا يتمتع بوجود طبيعي في مجتمعه, فهو يرى الحياة من خلال التقارير الحزبية والمخابراتية التي تكتب إليه, وان كل تعامله مع الشعب غير صادق ومن خلف الكواليس, ولا يعرف عن حقيقة الشعب ومعاناته إلا ما تبقى لديه من الذاكرة.ويعرف الحاكم تماما إن ما بينه وبين الشعب هو أشبه بلعبة القط والفأر, فالشعب هنا يلعب دورين, دور المتحاب والموالي, ودور المعارض العنيد, وهو نوع من التوازن النفسي يهدف إلى تحقيق غرضين : خداع سلطة الاستبداد للحفاظ على الذات المستلبة, وتهيئة الذات للانتقام من سلطة الاستبداد في الوقت المناسب, ومع تقادم الزمن وعدم مقدرة السلطة على مجاراة التقدم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والتكنولوجي, تتحول السلطة إلى كيان خامل بليد وبطيء يردد شعارات قديمة لا جدوى لها, وقد أتقن الشعب عدم جدواها تماما, وقد ينتهي الحكم البالي إلى توريث الأبناء كامتداد لذات الحاكم, أو الانهيار الكامل بآليات داخلية أو خارجية عند اختمار حالات التغير.

إن الشعب حين يشعر بالظلم أو الطغيان أو إهدار للكرامة قد يسكت لبعض الوقت ولكنه في النقطة الحرجة قد ينفجر انفجارا مفاجئا نتيجة لتراكمات الظلم, وعلى حد قول الشاعر أبو القاسم ألشابي : " أذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلابد أن يستجيب القدر ", فتتحول هبات الجماهير إلى طغيان مدمر" وخاصة عند غياب القيادات السياسية التعبوية المعارضة " فيكون الغضب الشعبي أشبه بالطوفان يدمر السلطة بالكامل, بل يمتد إلى كل آثار النظام من أبنية ومؤسسات ودوائر حكومية وبنية تحتية وبطريقة عشوائية, كما حصل لبغداد الحبيبة بعد الاحتلال عام2003 حيث انعدم الحس الشعبي العام في ماذا يجب تدميره وماذا يجب احترامه باعتباره خط احمر, وقد عبر ذلك عن حالات الانفجار العشوائي تحت تأثير ضغط وقهر فاق كل الاحتمالات فانفجرت براكين الغضب دون ترتيب سابق ودون قيادة ميدانية فعلية, فكانت نتائجه إلى اليوم مؤلمة لكل الحريصين على الوطن العزيز.

واليوم في العراق "الديمقراطي" بعد انهيار سلطة حكومة الحزب الواحد, وحيث لا يزال البلد في مخاض البحث والحلول عن الديمقراطية السياسية, نحذر بشدة الحريصين على الوطن أن لا يتحول العراق إلى حكومات الحزب الواحد في إطار الحدود الجغرافية ـ الدينية والاثنية في المحافظات التي يهيمن عليها رجال الدين وزعماء القبائل والذين يقررون جرعات الحياة والموت للمواطن استنادا إلى ولائه لهم, فتلك أسوء من نظام صدام حسين, وهي نذيره بمزيد من التشرذم والانقسام وفرقة الصف وانعدام الحس الوطني, بل انهيار للدولة العراقية الحديثة التي تحفظ ماء وجه الجميع !!!!!!.






 

free web counter