|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  18  / 1 / 2015                                د. علي الخالدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 خراب ثقافة الزمن الجميل
(2)

د. علي الخالدي

إتخذت اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية صيغة الردع والنصائح اﻷخلاقية والمذهبية بعيدا عن المسؤولية الوطنية ، صاحبها على قدم وساق وبشكل منظم عملية ربط المثقف بعجلة تطلعات هوائية بشأن إحياء التراث القومي بما ينطوي عليه من شوفينية ،خلال سلطة البعث الفاشي وهذا بحد ذاته قد شكل أبشع عملية غسل للدماغ تعرض لها المثقف العراقي في زمن الحقبة الصدامية ، ومع خطورة التهديدات القاتلة وقف حاملي راية الثقافة العراقية بالتمسك ، بحرية التعبير واﻷبداع ، وكانت ضريبة مواقفهم تلك ،التصفية الجسدية ،وإمتلاء السجون بهم ، مما أجبر الكثير من مثقفي المنطقة والعالم ان يحنو هاماتهم لتلك البطولات ..

و اليوم تجري محاولات ﻷذابة كنوز شهداء الحرية والتعبير واﻹبداع والمواقف المبدئية في بودقة الطائفية ، فقد قام برابرة العصر بتصيد ما بقي من حاملي شعلة التنوير الثقافي ، فإغتالت كامل شياع وهادي المهدي وسبقهم سعدون ، ومن ثم جرى هجوم على صرح إتحاد اﻷدباء ، وجرى تقليص حركته في نشر الثقافة الوطنية الهادفة ، وبرزت بشاعة إنتزاع الوعي الوطني والتعامل بثقافة اﻷعتراف بالتواصل وأحترام ما تركه لنا الرواد اﻷوائل على حساب إنعاش ثقافة الطائفة المتناقضة اﻷهداف ضمن نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، مما أدخلت المثقف في حالة اﻹحساس بالتوحد ، والخوف من الغاية المزعومة التي يراد الوصول اليها ولو مرحليا .

وفي مجرى تطبيع الملايين من سكان وطننا على سياسة تعظيم المشاعر المذهبية والفكر الطائفي ، عبر إغراق السوق اﻷعلامي والفكري بمفردات طائفية مقترنة بتفسيرات غيبت الفرد المتعلم من مادة التملك الفكري ، وسيطرت عليه مفاهيم هذه المفردات ، ضمن حملة من الكلمات اﻷستفزازية يسودها طابع اﻹنفعالية والهستيرية وعرض المواقف غير المنضبطة وصيغ المبالغة والغموض في التعبير ، فأنتعش المداحون والمنظرون لمتبني نهج المحاصصة ، حاملين رايات ونذور ، ذات الخصوصية في تطمين مصالحهم الذاتية مستفردين بأجواء تهميش ثقافات مكونات شعبنا اﻷصيلة ، فغابت روعة أعادة نهضة الثقافة الوطنية العراقية ذات المغزى الجمعي ، وإختفت حهود مسؤولي الثقافة الرسميين في ضرورة إعادة اﻷعتبار لمقوماتها ،التي ناضلت وبأعلى صوتها ﻷجل التغيير ومتطلباته ، فدعت الى المساهمة الفعالة في عملية التصويت على الدستور واﻷدلاء باﻷصوات عند اﻹنتخابات التي أعقبت إسقاط الصنم  .

لقد تعلق الوجود الفيزيائي للمواطن العراقي بدعوة ، سجوده والصلات من أجل القبول بممارسة ثقافية فكرية إقتصادية تهدف الى محاصرته وإنتزاعه من العالم ومن المحيط به ، وإجباره على الوقوف أمام محكمة القدر اﻷزلية حيث القضاة هم النخبة الطائفية ،وإذا ما جرت عملية تمحيص موضوعية في فكر وثقافة تلك النخب ،يظهر لنا أنها تنطوي على قدر عالي من طابع اﻷستعلاء الطائفي والغيبية ، ورغبة في مواصلة غرس الخراب داخل وعي اﻷنسان ، وإنتزاع وجوده ، وطريقة تفكيره والتحكم بمصيره ، في أجواء تسلط سيف المحاصصة الذي تمسك به يد الطائفيين ، وهو سيف مسموم يغرز غدرا في جسد الثقافة العراقية ، وهذه مهمة أنيطت لوعاض السلاطين فوضعوا القيود في أقلام المثقفين ، وهم يهتفون مع سلاطينهم (لقد بعثنا الى الوجود ، عصر القنانة).م .

لمصلحة من كل هذا الخراب ؟ ، في الفكر والثقافة وتشويه اﻷنسان في وطننا ، فمتى يستشعر المثقفون الخطر الذي يتواصل في تخريب ثقافتهم المتواصلة بثقافة الزمن الجميل ، والذي فاق كل تصور .

أمامهم فرصة مواتية لتوحيد الجهود في سبل التصدي وفضح محاولات إيقاف عجلة التغيير ، بكل أركانها الثقافية واﻷقتصادية واﻷمنية ، وأولها هي توحيد جهودهم بنشر ثقافة مساندة جيشنا الباسل ، وتحريك مساهمة الجماهير في اﻷسهام بتحرير المناطق التي دنستها داعش ، ومساعدة المهجرين لتخفيف محنتهم في البرد القارص . ودعم جهود رواد التغيير في القضاء على الترف والفساد الذي سيقف وراء خلق جيل دعدع ، يأكل ما يشبع ، تحجي وياه، ما يسمع ، تنذره ما يرجع ، قائده بكرسي واحد ما يقنع ، كما يقول اﻷوائل  .

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter