| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الخالدي

 

 

 

                                                                                    الثلاثاء  24 / 6 / 2014



معركتنا مع اﻹرهاب تتطلب أدوات وفكر جديد

د. علي الخالدي   
 

قوانين التطور اﻹجتماعي شأنها شأن قوانين الطبيعة حاضنة لتناقضات غالبا ما تكون كامنة لا تظهر عوارضها إلا بفعل عامل يفعلها إتجاهها سلبا أو إيجابا ، وهذا العامل قد يأتى من رحم التناقضات الداخلية الدائرة في المجتمع ، ويأخذ مهمة تغيير إتجاهات بوصلة هذه التناقضات نحو الصالح أو الطالح داخليا ، حسب قربه من المصالح الوطنية ، أو بفعل عامل خارجي يقوم بتغليب مسار معين لصالح أحد اﻷطراف المتناقضة ، بما يتماهى وأجنداته ، ويتراجع دوره (العامل الخارجي) عندما تُفلتر التناقضات الداخلية بإعتماد ما يصب في مصلحة الوطن ، وبإبعاد من يقف حائلا دون تصفيتها ، فتحدد المساعي الحثيثة لطريق واضح المعالم ، يستوعب كل اﻷهداف الوطنية التي ينشدها المجتمع . عندها تصبح كل التناقضات الداخلية ثانوية وغير تناحرية ، تعالج لاحقا بالعقلانية واﻷتزان في المواقف داخل اﻷطار الوطني واﻹرادة الشعبية . أما العامل الخارجي فيبقى دوره سلبيا تناحريا ، على طول الخط ، لكونه يتفاعل عند قبول عنصر من مثيري التناقضات الداخلية ﻷجنداته ، كلاهما ( التناقضات الداخلية التناحرية والعامل الخارجي ) ، إذا سادا في المجتمع يقفا وراء عرقلة تحقيق مصالح الشعوب

يعطينا الواقع السياسي في بلادنا بعد سقوط الصنم مثال حي على ذلك ، فإبقاء التناقضات بين إرادة الجماهير وتوقها للإصلاح ، وإبقاء الهيكلية اﻷدارية ، وعدم القضاء كليا على موروثات الدكتاتورية ، وعلى فكرها السياسي واﻹداري في إدارة شؤون المواطنين دون تطهير ، مع إتباع سلوك غريب اﻷطوار في التعامل مع القوى الوطنية التي قارعت الدكتاتورية ، والتي حرصت اكثر من غيرها على ضرورة تطوير الديمقراطية العراقية والعملية السياسية ، و رفضت ما فرضه العامل الخارجي من نهج محاصصاتي طائفي إثني لمعرفتها المسبقة لما سيمخضه من نتائج قاتلة لمردودات إسقاط الصنم ، كل ذلك أدى الى ولادة تناقضات جديدة لم يعرفها الشارع العراقي سابقا ، بقيت محصورة في دهاليز نهج الحكم وأدواته ، سعت الى تضييق ممرات طرق تبني مصالح الوطن العليا ، مبرزتاً بشكل واضح للعيان الشروط الموضوعية والذاتية لتفوق مصالح حاملي التناقضات الطائفية واﻷثنية في نهج الحكم ، ومغيبتاً مسؤوليتها عن صيانة مسار العملية السياسية وديمقراطيتها الهشة ، ذلك لكون النهج ( المحصصاتي ) الذي أعتمد لم يكن نهج راسخ القوام ، لكونه لم يتفاعل مع المحيط ويتماهى مع حاملي نية اﻹصلاح ، لذا بانت عورته وسقطت مقوماته عند أول أمتحان جدي واجهه القائمين عليه ، فنشط التجييش الطائفي ، مولدا إستقطابا عميقا لنصرة الطوائف المتصارعة مذهبيا ، وغابت نية تقويم التناقضات داخل اﻷطر الوطنية ، وإقامة نظام ديمقراطي فيدرالي قوي ، على أساس ماجاء به الدستور ، وأتخذ طريق عرقل تبني ما قدم من صيغ جديدة وضعتها قوى وطنية من خارج أطراف النهج الطائفي لمعالجة التناقضات الداخلية ، وشل مفعول تناقضات العامل الخارجي

كان على عاتق القائمين على مواقع المسؤولية ، ردم الثغرات التي تسعر التناقضات الداخلية ، والتي كانت تحقن بمقويات طرفي مثيريها ، ومن دول الجوار القريبة والبعيدة ، مولدة تربة خصبة لزراعة أكثر من تناقض سياسي وإجتماعي وإقتصادي . ومع تواصل توسع رقعة الفقر بين الناس وحرمان أخرين من حقوقهم المدنية ، وقطع أرزاقهم ، وعدم اﻷستجابة لمطاليبهم العادلة ، تولد تناقضا إقتصاديا مستعصيا تداخلت فيه التناقضات السياسية للقائمين على القرار .بإتجاه تغليب التناقضات الداخلية والخارجية على المصلحة الوطنية العليا ، و توجيهها بالضد من رغبة الجماهير صاحبة المصلحة في التغيير ، ومع إستمرار تصعيد التعند واﻹصرار على إتخاذ القرارات الفردية ، وفرض التسلط اﻷحادي ، مستغلا تفرج وحيادية من لم تُفعل مسؤوليته في التصدي للإنزلاق نحو الهاوية ، بقيت فكرة صيانة الوضع واﻹصلاح تدور في إطار ومحيط نفس أدوات النهج المحاصصاتي ، مما أكد حقيقة أن أي تدارك ﻷي مخاطر وعقبات ، لن يحصل إذا لم يطعم بعناصر وطنية من خارج أطر القائمين على النهج ، تفعل مشاركتها العملية بتحمل المسؤولية ، بدون ذلك تبقى الحلول كما شوهدت ، تدور في دائرة مفرغة من إجتماعات اﻷطراف المتناقضة ( وثيقة الشرف ،وغير ذلك ) لتبقى غير قادرة على عبور عتبة الصيغه اﻷنشائية التي تخرج عنها تلك اﻷجتماعات والتفاهمات

حاليا تعيش بلادنا ظروف خطيرة ، وأجوءا مأسوية تمس كيان العراق الجغرافي واﻷجتماعي ، تحتم اﻷعتراف باﻷخطاء ، و بالرجوع الى الدستور ، وتفرض الشروط الموضوعية للإسراع في تنفيذ اﻷستحقاق الدستوري بعد المصادقة على نتائج اﻹنتخابات وتشكيل حكومة إئتلاف سياسي وطني من كافة القوى التي قارعت الدكتاتورية ، تأخذ على عاتقها جمعيا تحقيق برنامج مرحلي يضمن تطهير المدن التي غزتها داعش وأخواتها ، و التخلص نهائيا من كل ما شأنه يثير ويفعل التناقضات الداخلية ويُغلبها على المصالح الوطنية ، بعيدا عن تدخلات العامل الخارجي ، على قاعدة ما حك جلدك إلا ظفرك ، ليتحمل الجميع مسؤولية المشروع السياسي الوطني والنهوض بالعراق من المأزق الحالي . هذا ما يستحقه شعب العراق وكيانه الجغرافي
 

free web counter