|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء  24  / 3 / 2015                                 ئاشتي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

على هامش السياسة

للوطن معنى واحد *

ئاشتي

"1"
تستجيب إلى لحظة صمتك في الغروب البعيد عن رائحة البارود، وكأنك تبحث عن موجة صراخ تعيد إليك بهاء الحنين الذي بدأ يتسرب من بين أضلاعك رويدا رويدا، لا سيما وغيوم تصحر روحك بدأت تلقي بظلالها على كل خطوة من خطواتك، ربما هي سنوات العمر القاحلة أو ربما هي الغربة بكل عذاباتها وشحوبها ووحشتها، لهذا لم يعدْ لديك غير أن تشتعل بصدرك موجة صراخ، صراخ يرفض الصمت، ويرفض المهادنة، ويرفض التخاذل، صراخ ليس من أجل الصراخ، بل من أجل أن تستعيد به كل هيبة الانتماء إلى معناها الحقيقي، والهيبة يستقيم عودها بالموقف الفعلي وليس الذي يبحث عن التوازن، مادام التوازن هو الحالة القابلة للتأرجح في لحظة ما، لحظة صمتك في هذا الغروب البعيد عن رائحة شواء الأجساد والبارود ربما يمتد طويلا إذا أخلفت الموعد مع وطنك.

"2"
هل قلت وطنك؟ هل حددت معالم وجهه وخريطة مسار نهريه؟ هل رسمت لنفسك موقعا فيه؟ هل ابتسمت لصباحه؟ هل تجولت فيه دون عوائق؟ هل بكيت بحرقة على فراقه؟ هل عفرت خدك بترابه؟ هل نفضت عن عينيه غبار الأسى؟ ربما الإجابة على هذه الأسئلة ليس صعبا، ولكن السؤال الأصعب والذي يحدد عمق موجة الصراخ في صدرك، هل هناك أقدام غزاة على تراب وطنك؟

"3"
ليس للوطن أكثر من معنى مثلما ليس للماء أكثر من معنى، الوطن والماء يمتثلان لصفات مشتركة، فمثلما ليس للوطن من معنى بوجود أقدام غزاة لم يكن للماء من معنى بوجود الاشنات.

"4"
وطنك الذي لم يبرح ذاكرتك ولم يبرح خلاياك ولم يبرح جنونك في حبه، يئن تحت أقدام كل الدخلاء الذين اغتصبوا مدنه وشحذوا سيوفهم برقاب أبناءه ودنسوا شرف نساءه، والدخلاء الذين يريدون أن يبنوا إمبراطوريتهم على أرضه بدعوى تحريره مثلهم مثل الذين أدعوا خلاصه من ديكتاتورية بغضاء فدمروا كل ما هو جميل، والأنكى من كل ذلك حكامنا الذين فقدوا القدرة على صيانة هذا الوطن، وتناسوا من أن تراب هذا الوطن لا يرضخ لقدم غريبة أن تدوسه مهما كانت نواياها.

"5"
ليس للوطن أكثر من معنى لأنه لا يقبل التشظي ولا يقبل غير أن يتطابق معناه مع اسمه فهو وطن، رغم كل ما تنصب فيه من أسلاك شائكة مثلما يقول الشاعر فوزي كريم :

(تمتد فوق الحقل
أسلاكُه الشائكة
للأفق. أبدو كأني خوذة تعتلي
فزاعةً للطيور،
في حقل ألغام. ظللت الطريقْ
في البحث. لم تُهْدني
خارطةٌ، كم صنتها من حريقْ
)
 

* نشرت هذه المادة في جريدة (طريق الشعب) يوم الثلاثاء 24 آذار 2015




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter