|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء  3  / 3 / 2015                                 ئاشتي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

على هامش السياسة

طفولتنا ومشاعل النور *

ئاشتي

"1"
ترمي أشرعة حزنك بوجه الريح العاصف، وتناحرُ جنون الموج بكل هيجناه، ليس لأنك تملك قدرة التمكن ودراية التحكم بمسيرة مركبك نحو هدفه الذي رسمت، بل لأن هناك بذرة تم زرعها في روحك منذ يومك الأول لتعلم الحرف الأول، تلك البذرة كانت هي الوهج الأول لخطوتك الأولى، تتصور حالتك مصابا بالرمد الصديدي وليس أمامك غير أن تحاول مرات ومرات كي تفتح جفونك المتلاصقة بفعل الصديد في غرفة مظلمة وليس غير خيط شعاع صغير من الضوء يدخل عبر بابها الخشبي، ورويدا رويدا تتسع هالة النور فترى الأشياء واضحة المعالم في وهج الشمس تلك التي كنت تخشى النظر إليها، كل هذا يجري بفعل تلك البذرة التي تم أنباتها في روحك الطرية لكي تفتح لك أفاقا أخرى من النور .

"2"
أحيانا كثيرة تسأل نفسك هل كانت القسوة بدافع الحرص أم أن روح أبوية السيطرة هي التي تخلق هذه القسوة؟ كم من مرة هربت راكضا إلى بيتكم أو اختفيت في زقاق عندما تعرف أن هناك منْ سوف يمر قريبا ولا يرغب أن يراك تلعب في الشارع، لأن العقاب في اليوم الثاني هو الضريبة التي تدفعها، وليس هناك من أمكانية للإنكار حتى وأن كنت غير متخلف في أداء واجبك المدرسي.

"3"
يوم عدتَ إلى مدينتك بعد غياب دام أكثر من ثلاثين عاما كان معك الشاعر الكبير عريان سيد خلف، كان يحدوك الأمل في رؤية المعقل الذي تعلمت فيه الحرف الأول، ولكن التجول في سوق المدينة أخذ كل وقتك، كنت تبحث عن الوجوه التي علمتك الكثير حتى وصلت إلى دكان صغير ليس فيه الكثير من البضائع ويجلس على كرسي صغير فيه شيخ وإلى جانبه صبي، ملامحه تغيرت بفعل الزمن، مددت يدك له فمد يده، انحنيت على كفه كي تقبله فسحبه مستغفرا ربه، ثم ألتفت إلى ذلك الصبي وقال له (ذوله الناس اللي ربيناهم) كاد الدمع يطفر من عينيك لولا الخجل القروي، لأنك تذكرت حرصهم آنذاك على تربيتكم  .

"4"
قبل يومين مر عيد المعلم، هذا المشعل الذي لم يبق له في عراقنا غير هذا العيد، وفي كل عام نردد قصيدة أمير الشعراء، ولكن بماذا ستنفع هذه القصائد مشاعل النور؟

"5"
هل يبقى وضع مشاعل النور هكذا في بلادك أم تردد ما تعلمت في القراءة الخلدونية :
(إلى متى يبقى البعير
على التل؟
يبقى إلى المساء
)

 

* نشرت هذه المادة في جريدة (طريق الشعب) يوم الثلاثاء 3 آذار 2015




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter