|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  16  / 11 / 2014                                 د. بهجت عباس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

البحيرة
للشاعر الفرنسي لامارتين (1790-1869)

د. بهجت عباس *

ثلاث ترجمات : مهندس وطبيب وصيدلي
"عندما كان الشاعر الفرنسي الرومانسي لامارتين يستجمُّ في بحيرة (بورجيه) المعروفة بمياهها المعدنية خارج باريس لمعالجة مرض ألـمَّ به عام 1816، تعرف على فتاة جميلة اسمها جولييت جاءت للغرض ذاته، فكانت علاقة بينهما.

وبعد انتهاء مدة الاستجمام، ذهب كُـلُّ منهما إلى سبيـله بعد أن تواعدا على اللقاء بعد سنة عند البحيرة ذاتها.

وانقضى عام على الفراق، عاد لامارتين مرة ثانية إلى البحيرة، ولكنَّ جولييت لم تكن هناك ، إذ اشتد بها المرض فماتت بعد بضعة أشهر نتيجة فشل جهاز التنفس ، فكانت هذه القصيدة التي اشتهر بها لامارتين."

ترجمة : علي محمود طه (مهندس)

ليت شعري أهكذا نحن نمضي في عباب الى شواطئ غُمض
ونخوض الزمان في جُنح ليل أبديّ يُضني النفوس وينضي
وضفاف الحياة ترمقها العين فبعض يمر في إثر بعض
دون أن نملك الرجوع الى ما فات منه ولا الرسوّ بأرض

حدّثي القلب يا بحيرة مالي لا أرى (أولفير) فوق ضفافك
أوشك العام أن يمرّ وهذا موعد للقاء في مصطافك
صخرة العهد ويك ها أنا عُدت فماذا لديك عن أضيافك
عدت وحدي أرعى الضفاف بعين سفكت دمعها الليالي السوافك

كنت بالأمس تهدرين كما أنت هديراً يهزّ قلب السكون
وضفاف أمواجها يتداعيْن على هذه الصخور الجون
والنسيم العليل يدفع وهنا زبدَ الموج للربى والحزون
ملقياً رغوها على قدميها ليّن اللمس مستحب الأنين

أُترى تذكرين ليلة كُنّا منك فوق الأمواج فوق الضفاف
وسرى زورق بنا يتهادى تحت جنح الدجى وستر العفاف
في سكون فليس نسمع فوق الموج إلاّ أغاني المجداف
تتلاقى على الربى والحوافي بأناشيد موجك العزّاف

وعلى حين غرّة رنّ صوت لم يُعَوّد سماعه أنسيّ
هبط الشاطئ الطروب فما يُسمع فيه للهاتفات دويّ
وإذا الليل ساهم سكن النوء إليه وأنصت اللجيّ
يتلقى عن نبأة الصوت نجوى كلمات ألقى بهن نجيّ

يا زماناً يمرّ كالطير مهلاً طائر أنت؟ ويْك! قف طيرانك
أهناء الساعات تجري وتعـ دونا عطاشاً فقف جريانك
ويك دعنا نمرح بأجمل أيام ونلقى من بعد خوف أمانك
وإذا نحن لذة العيش ذُقناها ومرّت بنا فدر دورانك

------

ترجمة : ابراهيم ناجي (طبيب)

من شاطئ لشواطئ جُدد يرمي بنا ليلٌ من الأبدِ
ما مرّ منه مضى فلم يعد هيهات مرسى يومه لغدِ!

سنة مضت! وختامها حانا والدهر فرّق شملنا أبدا
ناج البحيرة وحدك الآنا واجلس بهذا الصخر منفردا!

قل للبحيرة تذكرين وقد سكن المساء ونحن باللجّ
لا صوت يُسمع في الدنى لأحد إلا صدى المجداف والموج

فإذا بصوت غير معتاد هزّ السكون هتافه العذب
أصغى العبابُ ورجع الوادي أصداءه وتناجت السُحب

يا دهرُ في رفق ولا تدر: ساعاته في هينة وقفي
حتى تتاح هناءة العمر وتطول لذتها لمُقتطف

هلا التفت لذلك الكون وعلمت كم في الناس من باكي
يدعوك خذني والأسى المضني خل المُمتع وامض بالشاكي

هذا النعيم وهاته المِحَن يتنافسان الدهر إقلاعاً
فبأي عدل أيها الزمنُ تتشابه الحالان إسراعا
ً
يا أيها الأبد السحيق أجب وتكلمي يا هوة الماضي
ما تصنعان بأشهر وحقب ونعيم عمر غير معتاض

ناج البحيرة والصخور وعُدْ فاستحلف الأغوار والغابا
قل! صُن ذكر غرامنا فلقد صين الشباب عليك أحقابا

وليبق يا هذي البحيرة في حاليك ثائرة وهادئة
في باسق للماء منعطف في رائعات الصخر نائتة

في عابر النسمات مرتجفاً في النجم فضّض صفحة الماء
في الريح أن أنينه وهفا في الغصن نفس حر أحشاء

في الجو معتبقاَ برياك خطرت ملاعبة رفيق صبا
في كل هذا هاتف باكي سيقول يا أسفاً لقد ذهبا!

------

ترجمة بهجت عباس (صيدلي)

وهكذا في عباب البحر قد مَخرتْ
بنا السفينة نأيـاً عـنْ مراسيهـا
في ظلمـةٍ طوّقتـنا غيرِ زائـلـةٍ
فلا صباحٌ يُـرَجّـى من حـواشيها
يجري بها البحر قُدْمـاً لا رجوعَ لها
ولا استراحةَ يوم راح يُسديهـا
تمرّ حيرى بشُطآنٍ بلا عدد
لكنهّا لا ترى مرفـا فيُـؤويهـا

أيا بحيـرةُ هلاّ تنظرين إلى
عـَوْدي وحيـداً وذكرى منْ لياليها
من بعد عام مضى قد عُدتُ ثانية
أعلـّل النفسَ لا شيءٌ يُسلّيـهـا
كانت على الصَّخرة الصّماء جالسةً
والموج يرقص مختـالاً حوالِـيها
ويقذف الرّغوةَ النّعسى على قَدمَـيْ
جوليـا حُـنُـوّاً فتشدو في أغانيها
والآنَ أجلس وحدي فوق صخرتها
والنفسُ في شَجنٍ مَنْ ذا يواسيهـا ؟

تذكـّري ليلة والأنسُ يغمـرُنا
ولا نرى غيرَ دنيا الحبِّ نَرويهـا
جرى بنا القاربُ السّهمان في مرح
تحت السّماء وفوق الماء ساريـها
وكلّ ما حولَـنا صمتُ ولا صَخَبٌ
إلاّ المجـاديفَ تشدو في مساعيـها
لكنّ صـوتاً له سحـرٌ وهيمـنـة
أصغتْ له النفسُ فانزاحتْ غـواشيـها:

يا أرضُ رفقاً بنـا لا تُسرِعي أبداً
وطَـوِّلـي ليلـةً رقَّتْ معـانـيها
وأنتِ، أيتها الساعات، لا تَـثِـبـي
دعي الصّبابةَ ترعى مـَنْ يُـداريـهـا
وخلـيانا نعُـبُّ الحبَّ في رغَـدٍ
وأسرعا معْ كئيب النفس داميـهـا
وقصِّـرا ليلـةً طالت على نَـكِـدٍ
مُسهَّـدٍ راح بالأشجان يقضيـهـا

لم يسمعِ الدهرُ صوتَ الحبِّ عن عَـمَدٍ
إذ يكره الحبَّ والأزهـار يُـذويـها
فالصّبح قد هَـتَـكَ الليلَ البهـيَّ بلا
عطفٍ ففـارقتْ الأفـراحُ راعيـها
بحرُ الزمان ضنينٌ كلـّه ضِغَنٌ
يمزّق العمـرَ والأيـّام يَطـويـها

إنَّ الزمان ليجري في تدفّـقِـهِ
وإنَّ أمـواجَـه لا رحمةٌ فيـها
فلنغتنمْ فرصةً عَـنّتْ على عجـلٍ
من لم يُبادرْ إليـها ليس يَجنيـها
و لـنُـتْـرعِ الكأسَ أفراحاً مُشَعشِعةً
فإنَّ جذوتَـنا الأقدارُ تُـطفيـهـا
فليس للمرء مرفا يستجيرُ بهِ
وليس للنـفس شُطآنٌ فتَحميـهـا
تجري بنا لُججُ الأهـوال مُسرعـةً
نحو النهـاية لا شيءٌ سيَـثنـيها

فيا بحيرةُ يا مـا ليلـةٌ شهدتْ
حبّاً تقضّى سريعـاً في دياجيـها
ويا صخوراً على الشاطي تداعبها الـ
أمواجُ في جذلٍ والماءُ يُـرويهـا
وأنتِ يا غابةً سوداءَ مظلمـةً
تُجدّد العمرَ دوماً في مـراعيـها
لكم خلودٌ فلا دهـرٌ يُحطِّمُـكمْ
ولا الرياحُ أو النَّسْماتُ يُـفـنيـهـا
تذكَّروا اثنين عاشا في ربوعِكمُ
تساقيا الحب صَفـواً في أعـاليـهـا

 

* عضو متمرس في جمعية الكيمياء الحياتية البريطانية




 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter