| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

بلقيس حميد حسن

Balkis.h@wanadoo.nl

 

 

 

 

الأثنين 14 / 11 / 2005

 

 

 

جهات الإرهاب الأربع

 

بلقيس حميد حسن

هاهو الإرهاب كبر وتوالد وانتشر كما حذر الليبراليون منه , وها كل بقعة من العالم وبالأخص بلداننا الإسلامية المحروسة باسم الدين والديكتاتوريين التي لا تجرأ اليوم على القول أنها محصنة من مرض الإرهاب الذي عشش بين أضلاعها واستفحل وتمكن.
هاهو الرعب يدخل ألينا من كل الجهات , بثياب الإسلام وعباءته المتلونة بألف لون أحيانا , وأحيانا بثياب الديمقراطية وبالانتخاب وحسب الأصول ..
ها هي الفجيعة التي احتفل بها يوما أبناء السلط حينما كانت في العراق , آسفين وحزينين نراها اليوم تنتقل كفجائع مرعبة الى الأردن, حاملة الموت لأعراس الأبرياء وأفراحهم في عمان الغافية على صلاة الفقراء وقناعاتهم غير المقنعة بلقمة الزيت والزعتر, محطمة أهم عصب للاقتصاد في الأردن ألا وهو السياحة , وكما حطت يوما ما في السعودية ومصر وسواها , فسوف لن يكون الأردن آخر محطاتها ولا آخر ضحاياها .
المرعب بالأمر, والذي يقض مضجع كل ذي عقل هو أننا كعرب بشعوبنا وحكوماتنا, لازلنا نفرح حينما يقتل الرعب المتوحش من نختلف معهم في الدين أو المصالح السياسية , فنحن لا نملك مبدأ ثابتا نؤمن ونتخلق به لنرفض من خلاله الإرهاب والقتل العشوائي للأبرياء أينما كان وإن في مناطق من نعادي ونختلف . فكما فرحت شعوبنا العربية بما حصل في الحادي عشر من أيلول المشؤوم عام 2001 , وكما فرحت وتفرح حينما يقتل أطفال وأبرياء إسرائيليين في مطعم أو باص , حيث أن عدد القتلى عند العدو هو الذي يهم الشعوب العربية لا من هم القتلى وكيف ماتوا , وكأنما البشر كلهم في ساحة معركة والرغبة بالقتل والاستنزاف باتت هي الهم الأول مهما كانت الوسائل حقيرة وغادرة, فأي عسكرة للحياة اكبر من هذا الذي نحن به وأي ضياع للقيم يجتاح حيواتـنا؟
المخيف بالأمر أن الحكومات العربية جميعها لم تشخص حتى ألان أسباب الإرهاب بشكل صريح وواضح ,أو هي تتغابى عن تشخيصه لأنها تصم الآذان عن بحوث ودعوات ومقالات وصراخ ونفثات مصدورين فضحوا وشخصوا الأسباب , وهي تفعل ذلك لأمر واضح لنا نحن ضحاياها وراصدي أفعالها ضدنا ..
والمخيف اكثر هو أن الحكومات والفعاليات الشعبية العربية لم تتفق على وصف للإرهاب يجنبها الخلط بينه وبين الدين, وصف تحدده وتضع برنامجا واجندة لعلاجه والقضاء عليه, برنامجا يقضي عليه بشكل علمي , عقلاني واجتماعي دقيق لا بطريقة عسكرية وبوليسية تقليدية اعتادها ديكتاتوريو بلداننا على مدى قرون, حتى بات أسلو بهم الوحيد الذي استعملوه ويستعملوه ضد معارضيهم من شعوبنا المقهورة الذليلة المنتظرة ساعة الموت بمتفجرة في مكان عام أو تحت كرسي سيارة أو حتى على أسرة المستشفيات وغرف النوم..
ماذا فعلت المؤسسات الحكومية العربية من اجل مكافحة الإرهاب ؟
أين خططها لمحاربة جذوره التي لا تخرج عن أطر معروفة وبديهية منها الجهل والفقر والبطالة وتخلف العقول المشغولة بإيجاد لقمة العيش , إضافة إلى دور رجال دين لا دين لهم من اتباع بن لادن والزرقاوي تروج لهم فضائيات ومواقع إلكترونية وتنظيمات متخفية بمسميات عديدة ؟ ونضيف لها فلول البعث عندما نتحدث عن العراق , وقد نضيف أخوانا- لهم سوابق- لقائمة البعث مستقبلا في مصر مثلا ..وبعض ممن يشملهم نصح لأبي تمام في قوله:
إذا جاريت في خلق دنيئا فأنت ومن تجاريه سواء
أين حملات التوعية وهي لازالت تعطي الأولوية في الإعلام لشيوخ الجوامع وزعيقهم ضد الحضارة وضد الحرية وضد كل ما يعطي للمرء إحساسا بالإنسانية ورغبة بالحياة ؟ هؤلاء الشيوخ الذين ينشرون المحرمات ويغلون بالدين جاعلين الحياة قيدا مؤلما, ورحلة كئيبة ينتظر الشاب نهايتها , وقد يضعها بنفسه ويلتحق بالانتحاريين بعد ما غسل دماغه وافرغ من كل جميل بالحياة وملأت الأوهام بحور العين فكره المشوش ؟
أين المؤسسات الدينية الحقيقية لتتحمل مسؤولياتها بتوعية الناس بينما نراها تضع اكثر ثقلها لنشر الحجاب والسكوت على النقاب واحكام السيطرة على المرأة وتضييق الخناق عليها وجعل المجتمع اكثر ذكوريا ليصبح الحرمان بطل الإرهاب , يهزم ويشوه اجمل معاني وكلمات كم هفت وتهفو لسماعها قلوب شعوب الأرض جميعا ألا وهي الحرية والحب والمساواة والعدالة .
فالحرية التي هي أولى قيم الحضارة , الحرية التي لا تتجزأ , جزئناها, وقزمناها واختصرناها على التحرر من الاستعمار أو من الديكتاتورية,أي التحرر السياسي فقط , بينما هي اكبر وأوسع واعظم من هذا .
الحرية اُضطهدت بعالمنا العربي وتحولت إلى بندقية أو متفجرة بيد جاهل , أو قانون متخلف لا أنساني يفسد البعض ويحيله إلى وحش متغطرس لا يمت للزمن الحالي بصلة, إننا نقتل الحضارة يوميا بتعريفنا الخاطئ للقيم البانية للحضارة , وها تراكم حرماناتنا وتشددنا بالدين وإصرارنا على مجتمعات البداوة يوصلنا إلى الموت الذي يحاصرنا ويخرج من بيوتنا ومن خزاناتنا وملاعب أطفالنا ..
لست متشائمة , فهذا هو واقعنا بكل همومه وعلله ومن يغطي عليه هم وعاظ السلاطين وبطاناتهم, ولابد من الصراحة وتذكر سؤال "اعرف نفسك" الذي هو أهم سؤال قاله أبو المعرفة سقراط؟ فمن نحن في عالم اليوم؟..
للأسف أننا لازلنا نعيش بقرون سالفة رغم أننا نسكن بمدن حضرية بالشكل وأبنية الأسمنت فقط , فنحن غير حضريين بكل مفاهيمنا وقيمنا العدوانية التي وسعناها على حساب قيم المحبة والتسامح وحب الحياة وقدسيتها , حتى أصبحنا نسير إلى الهاوية سريعا بفوضى وحيرة لا نعلم أين ستنتهي بنا.
لازلنا قبليين بنظرتنا للحياة وللجماعة, ولازال الشرف عندنا تحدده ملابس المرأة التي لازالت هي عورة ويجب أن تـُخبئ عن العيون , ولازالت الرجولة هي القسوة, ويشوه الفن عندنا ويحرّم الحب وهو اجمل قيمة للحياة بل هو خالقها وصانعها الأول.....
فهل نترك الرعب يحيطنا من كل الجوانب ونقول نحن خير أمة أخرجت للناس؟