| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

http://www.youtube.com/watch?v=HdjgYpC0OOA

بلقيس حميد حسن

balkis8@gmail.com

 

 

 

                                                                                    الجمعة 9/9/ 2011


 
الدراما العراقية تتحدى الظروف وتنهض

بلقيس حميد حسن

بسبب الغربة المفروضة علي تحت طائلة الموت الذي بثه البعث في العراق لأربعة عقود, لم يكن عهدي بالدراما العراقية إلا ذكريات طفولة. فلم يبق من ذكريات الدراما العراقية في ذهني الا القليل مثل "تحت موس الحلاق" الذي احببناه ونحن صغار, وكانت شخصية الراحل سليم البصري المحبوبة تسلب اعجابنا بقدرته الفائقة على تقمص شخصية الحلاق البسيط,, كما كان الكوميديان الناجح الفنان حمودي الحارثي الشهير بعبوسي يدخل يومنا فنردد كلماته المضحكة والتي علقت في اذهاننا والسنتنا حتى الان. وهذا دليل نجاح المسلسل بل خلوده فينا, سيما وانه ضم كوكبة من المبدعين الرواد منهم خليل الرفاعي وسهام سبتي وغيرهم.
اما مسلسل جرف الملح للكاتب صباح عطوان فقد تابعت بعضه في طفولتي ولم اكمل مشاهدة حلقاته جميعها مع الاسف, لكنني سمعت انه كان ناجحا وبقي في أذهان متابعيه الى الان, لا أتذكر احداثه اليوم, إنما أتذكره بسبب كون أحد أبطاله عبد المطلب السنيد وهو ابن عمي الذي عاند تقاليد العائلة واختار طريق الفن حين كان ينظر الناس لمرتاديه بالريبة وعدم الارتياح بعد, فكان الفنان عبد المطلب في طفولتي مثالا على التحدي والبطولة, خاصة وانا استمع للأحاديث التي تدور في العائلة على موقفه القوي الرافض للقيود والموروثات العائلية البالية, وتحمله تبعات ذلك .
بعد ذلك لم تتح لي الغربة التي ابتدأت عام 1979 ان اطلع على الدراما العراقية, خاصة انه لم يكن سابقا فضائيات عربية, ولا صحون لا قطة منتشرة في كل العالم كما الان, لذا لا أدعي معرفتي بالدراما العراقية الا مايكتب عنها هنا وهناك الذي لا استطيع تلمس مابه بعمق بسبب عدم حضوري للأعمال المكتوب عنها اصلا.
بعد سقوط النظام الصدامي, بدأت اتابع بعض الأعمال الخارجة من بين الانفجارات والقتل اليومي, بعضها لم استطع اكمال حلقة واحدة منه لكثرة الصراخ والصخب والعنف والركاكة في الأداء, وبعضها كان ناجحا, وللأمانة اقول ان الفنانين العراقيين يناضلون على كل الاصعدة ليعطوا فنا في زمن صعب للغاية, كان بعضها ناقدا للحياة العراقية سياسيا واجتماعيا, كأعمال الفنان قاسم الملاك بعد السقوط, رغم الاخطاء التربوية في مسلسلاته- ان صح التعبير- حيث جعل من الاقزام موضعا للتندر والفكاهة وهذا لا ينطبق على مانريده للعراق من احترام للانسان وحقوقه مهما كان, وعدم اشاعة السخرية من هؤلاء المساكين – الضحايا- خاصة وان العراق يعج بالاعاقات الجسدية والعقلية لما مر به من مصائب لم يرها شعب في التاريخ البشري, فاضحاك الناس لا يكون على حساب بعضهم.
لكنني في العامين الاخيرين تابعت بعض المسلسلات العراقية, فشعرت بنقطة مضيئة اشتعلت في رؤيتي لمستقبل الدراما العراقية, فرحت بها كأول أمل يخص الانسان العراقي بعد الخراب والانفجار الكبير الذي مر به واقصد هنا معاناة نصف قرن من القهر والصراعات والحروب والمشاكل السياسية التي تنعكس حتما على وضع المجتمع ككل ولا توفر جانبا واحدا من جوانب الحياة الا وتصيبه بالتقهقر والدمار. فكان اول ماتابعت هو مسلسل "اعلان حالة حب" للكاتب احمد هاتف, واخراج حسن حسني, ,وثلة من النجوم وفيها اكتشفت النجم الشاب "علي حميد " كشخصية اساسية, وقد احببناه لنجاحه في الاداء ولشخصيته الدافئة, عرض هذا المسلسل قضية عراقية ساخنة تضرب المجتمع العراقي في الصميم وتمزق مكوناته الوطنية, خاصة وانه عالجها عن طريق أجمل قيمة انسانية وهي الحب. المسلسل ضم نخبة من كبار النجوم وكوكبة من المبدعين الشباب, ولا اريد تعداد الأسماء لانني اتحدث عن عمل فني متكامل وناجح, بالتالي نجاحه يتوزع على جميع المساهمين فيه من كاتب العمل والمخرج حتى اصغر ممثل. والعمل الاخر الذي شدني ايضا هو "هذا هو الحب" وهو من اعمال الكاتب صباح عطوان ايضا, اخراج وبطولة الفنان جلال كامل, الفنان الشامل, الملحن, المغني, وقد عرفته عن قرب كمثقف, وصاحب شخصية حميمية مؤثرة, وجاء المسلسل ليشرّح المجتمع العراقي بمبضع جراح خبير, يضع العلل على الطاولة لنراها بأعيننا, فقد سلط الضوء على الاخلاق التي تتردى, وعلى وضع المرأة المنتهكة الحقوق, والتعيسة في عيشها ان كانت زوجة او أما أو اختا, وقد اعتمد طريقة اخراج غير معتادة بعضها فلاش باك في محفل كشف الحقيقة, فاستطاع شدنا وتشويقنا لمرآة المجتمع العاكسة لمشاكله الاجتماعية والاقتصادية والتي هي نتاج السياسات الخاطئة.
اما هذا العام فقد تابعت أجمل الاعمال العراقية على الاطلاق, وهذا دليل صحي في الدراما العراقية. فمسلسلات ,الدهانة, أيوب, أبو طبر, فاتنة بغداد, طيور فوق أشرعة الجحيم. لا يمكن أن أمر عليها دونما توقف عند بعضها بمقالات خاصة, فهي هامة في حياة الدراما العراقية حقا.
أخيرا, أعود لقضيتي المركزية التي انطلق منها في كل ما اكتب وهي حقوق الانسان, فأتذكر بأنني لست ممن يتفائل اكثر من حدود حياة الشعب, وان الازدهار بالفن لا يعني معرفة مايدور في بيوت الفقراء من جحيم, فقد ينجح الفن بتصوير فلم لخراب روما, أو زلزال اليابان, أو حريق القاهرة, أوانقراض الهنود الحمر, بل ينجح حتى بتصوير دقيق لمجزرة ومقبرة جماعية من مقابر وطننا الحزين. ولكن هذا ليس كل شيء نطمح اليه, انما نطمح لأثر الدراما القادر على خلق الحراك الشعبي, نحو تغيير الواقع المأساوي للانسان العراقي.
 

7-9-2011
 


 

free web counter