| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

بلقيس حميد حسن

balkis8@gmail.com

 

 

 

الخميس 9/4/ 2009



غوبلز يعيش بين ظهرانينا

بلقيس حميد حسن

قال غوبلز وزير اعلام هتلر:
عندما اسمع كلمة مثقف اتحسس مسدسي..

ربما لم يكن يعتقد ذلك النازي, ان هتلر الذي كاد ان يحتل نصف العالم, سينهزم يوما ليصبح من أسوأ الأمثلة على الوحشية وداء العظمة في التأريخ البشري, وان كلمة غوبلز تلك ستصبح شهادة على افضلية الثقافة على السياسة, لا كما التبس على الاغلبية واصبح المشكلة الرئيسية التي نعاني منها كما تعاني منها اغلب الشعوب المحكومة بديكتاتوريات تركت الجهل يأكل في ابنائها, لتجعلهم راكضين كالعبيد وراء الساسة, حتى ادمنت تلك الشعوب عبوديتها, لتفتدي قادتها بالأرواح والأولاد, ولتضع صورهم في كل مكان دلالة على قدسيتهم وأفضليتهم على جميع ابناء الامة ..

لقد اعتمد اغلب الديكتاتوريين على تكريس الجهل والفقر والجوع عند الأكثرية اللاهثة وراء لقمة العيش, المغمس بالذل والإنحناء للمسؤولين واصحاب الجاه القريبين من قصور سياداتهم وسعاداتهم, مما جعل للسياسة اهمية عند هؤلاء, فالجائع لا تشبعه الثقافة, بقدر مايعنيه الخبز الذي يسد جوعه وجوع ابنائه , وهنا نجد الإجابة على سؤال يطرحه غالبيتنا , لماذا نتخلف سنة بعد اخرى؟
انها الغالبية الجاهلة , التي لم تحظ بالعلم والثقافة.
الغالبية الجائعة وما ارخصها إذ تعتبر الساسة سادة نعمتها.
الغالبية التي اجبرت على الانتهازية والنفاق, فما اصعبها في فهم الحقائق, وما اصعب قيادتها نحو الحضارة والرقي ..
انها الغالبية من شعوبنا العربية, ضحايا مئات السنين من الصراعات الدموية في قرون الاحتراب الطائفي السياسي, ضحايا الكرباج التركي والاحتلالات المتكررة والديكتاتوريات المرعبة, هم نتاج الأمية وتمزق النسيج العائلي والشرذمة الاجتماعية, انهم - شئنا ام ابينا - واضعوا بصماتهم على كل شيء, اذواقهم تشهر النشاز الذي يدغدغ مستوى وعيهم, كلماتهم هي التي تنتشر لتغير اللغة الأصيلة, ينشرونها في وسائل الاعلام الذي يدخلونه بالانحناء واستعمال كافة الوسائل المشبوهة, لا بالجدارة والإمكانية , فهم الاكثرية المطبلة للقادة, وهم الانتهازيون في كل الظروف , تقاليدهم وسلوكياتهم تطبع المجتمع وتعود به القهقرى, يشجعون الطرب الهابط , واللباس المتخلف, والافكار الغارقة بالوهم الذي يناسب عقولهم ويأسهم من التغيير, ويتماشى مع رغبتهم بالهروب الى يوتوبيا يجعلونها حلهم الوحيد, ونصرهم السريع الذي لايستطيعونه بسبب من عدم ملكيتهم لوسائل التغيير امام جبروت القادة, هؤلاء الأكثرية غير القادرة على التغيير الفوري, تمضي بالمجتمعات نحوالخلف بهدوء وبحكم الطبيعة كونها الغالبية , تؤثر ببطيء على سير حركة المجتمع الداخلية التي يديرها الخوف واليأس و تقاليد الحياة التي تـُصبغ بصبغتهم..

ان التغيير الحاصل في المجتمع, هو اشبه مايكون رد فعل الطبيعة على الظلم الموجه لهم, فالطبيعة تبحث عن التوازن دائما, وتعمل على اساس قوانينها "فلكل فعل رد فعل معاكس له في الاتجاه ومساو ٍ له في القوة", وعندما تدمر القوة المسيطرة والمتمثلة في الديكتاتورية, قوة رد الفعل المضاد الصادر عن الاغلبية المسحوقة, وكلما ازداد ايذاء هؤلاء الغالبية كلما انكفأوا الى انفسهم , وباسم الدين تارة وباسم الطقوس, او العادات والتقاليد يهربون الى يوتوبيا, لا يجدون لهم مهربا وملاذا سواها, وكلما دامت سيطرة قوى الظلم والشر الحديدية وقمعها للشعوب, وكبحها رد الفعل الطبيعي المضاد لها, نرى رد الفعل هذا يتراكم تدريجيا لينضم الى البديهية الفلسفية القائلة :
" التراكم الكمي يؤدي الى التغيـّر النوعي "

التغير النوعي الحاصل في العراق, هو غرق الغالبية العظمى بالوهم, فبعد جميع المجازر والانكسارات والحروب واليأس والافقار الذي جاءت به سنوات البعث التي تجاوزت الاربعة عقود, نراهم اليوم منشغلين بالبحث عن المقدس والخوف من المجهول واحياء الاحزان والعزاءات والادعية والبكاء على الاضرحة والمراقد حتى وان بعد الف عام , كل هذا يشكل نوعا من اليوتوبيا والهروب , هنا نجد الإجابة على سؤال يقول لماذا استطاعت المانيا التخلص من اثار هتلر اسرع من خلاص العراق من آثار صدام حسين مثلا, فنستنتج ان الديكتاتوريات تغير المجتمعات نحو الخلف بقدر ما يطول بقاؤها اكثر وقدرتها على احباط الثورات والانتفاضات ضدها , فكلما كبح جماح رد الفعلي الطبيعي اكثر, عرقلت التطور الاجتماعي والحضاري للبلد, وتمكنت من تغيير طبيعة واخلاق الغالبية حتى يعود من الصعب اندماجها بالحضارات السائرة الى الامام بعد إلهائها بشتى الوسائل التي تمد بقاءها, كالحروب أوالعنف أوالقهر والإفقار والتجهيل والعزل عن العالم, كل هذا يؤدي بالنتيجة الى توقف التطور لعشرات السنين, ليبقى غوبلز بين ظهرانينا لفترة اطول....


4-4-2009


 

free web counter