|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  13  /2 / 2015                                 فرات المحسن                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

في النجف هناك من يبغض الحب

فرات المحسن

استنفر مجلس محافظة النجف شرطة الآداب ومطاوعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة للبعض من قادته، لغرض منع شباب المدينة من خرق قدسيتها التي سنت وفق أعراف الحزن والبكاء وشق الجيوب ولطم الصدور والخدود. واستنفر كل هؤلاء بسلاحهم الفتاك وعصيهم لأجل حجب الفرح عن سكانها ومنعهم الدعوة للوفاق وإشاعة ثقافة المحبة والسلام، فتلك الثقافة باطلة فاسدة يمارسها الكفار والزنادقة وتريد لمعالم المدينة وأعرافها أن تتلوث بفساد وكفر وقبح وفجور باسم يوم يدعى عيد الحب. 

لعيد الحب من يبغضه

لسعة برد جعلته يرفع ياقة سترته ليغطي بها رقبته، ثمة مرور كثيف للبشر، وحمرة الغروب ترتمي فوق سطوح البنايات. فضل الوقوف في الزاوية اليسرى من شارع السعدون عند بقايا مكتبة المثنى التي ما عادت تعني لصاحبها قاسم الرجب غير وجع في القلب. وقف مسمرًا جوار الحائط الذي لوثته بقايا ملصقات الانتخابات الماضية، حمل بيده اليسرى باقة ورود حمراء، وراح يطالع المارة بشغف وطيبة، وثمة ابتسامة ترتسم عند غمازتين تطرزان خديه.

مساء البارحة في سريره، الذي يصر عند أدنى حركة ، فكر بالغد الذي هو يوم الحب، نعم عيد الحب،كلمة تطرق قلبه بوجع لذيذ. وحيد كان في  تيهه ويقينه، شعر بثقل ذلك التفكير وهو يحاور نفسه عن يوم غد، لا حبيبة تنتظر تودده وقبلاته وهداياه. تبسم وهو يلوك كلمة هداياه،تذكر مقدار ما يملكه لشراء هدية، ولمن سوف يهديها في هذا اليباس الذي يلف عالمه. ليس هناك سوى أم عجوز تدثرت في فراشها قرب باب الغرفة، تحملت سنواته الأربعين بأوجاعها وفرحها ومتاهاتها، وحبته كل شيء استطاعته، وسفحت عليه سني عمرها حبا دون كلل، ومن زاوية في غطاء السرير ترقبه الآن بابتسامتها الرقراقة التي أعتاد أن تمنحه إياها لتطمئنه وتطمئن نفسها بوجوده.

فكر، الحب لجميع الناس، ربما يعوض القلب عن فقدان فرح، كيف يستطيع أن يُفْرح البشر في عيد المحبة، أن يبث في أجسادهم وأرواحهم فرحًا غامرًا ومحبة دون أن ينتظر منهم ثمنا. ليس بحاجة لثمن، فهو يود فقط أن يجعلهم يعافون الأحقاد ولو لساعات. أن يذكرهم بيوم الحب، يسعدهم ويجعلهم يشاطرونه احتفال هذا اليوم.

* * *

مد يده ولوح بوردة، تلقفها عجوز رثّ الثياب وأبتسم وهو يشمّها بنفس ذابل.

قفز صبي عابث وبلمح البصر خطف الوردة من يده الممدودة، ضحك ملء شدقيه وهو يراقب الصبي يختفي وسط الزحام و يلوح له بالوردة.

مد يده بوردة وقدمها لفتاة اقتربت، أشاحت الفتاة وجهها عنه وأسرعت في خطاها.

أقترب منه شيخ معمم، زم شفتيه الغليظتين موجهًا له سيل كلمات بصوت مرتفع، إلا تستحي يا ولدي من وقفتك هذه، تحتفل بيوم الفسق والفجور، هذه العادة القبيحة التي ابتدعها اليهود والنصارى ليفسدوا النفوس ويدعون بها إلى ممارسة الزنا والمحرمات،أتعرف ان عملك هذا يتعارض وقدسية مدننا المباركة. عتبي عليك أيّها الشاب العراقي كيف تقلد أهل الكفر بأعيادهم، هل نسيت أعيادنا وأفراحنا لتذهب وتقتبس دينك من خارج ديارنا ، قبحك الله على فعلتك هذه. كان الشاب يحدق بوجه الشيخ ساهما مرتبكا. لم يكمل الشيخ جملته الأخيرة حين تقدمت مجموعة من الرجال ليثبوا على الشاب، وبلمح البصر خطفوا الورود ورموها وسط الشارع ثم طرحوه أرضا وأشبعوه ضربا. كانت السيارات مسرعة تدهس وروده لتحيلها إلى فتات غائم الملامح، ومن بين أيادي الشباب الهابطة والمرتفعة شاهد ابتسامة صفراء ماكرة كانت تغطي وجه الشيخ الذي اعتدل بوقفته ودفع عمامته قليلا نحو الأمام.

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter