| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فرات المحسن
F_almohsen@hotmail.com

 

 

 

الخميس 1/4/ 2010



طريقان لا ثالث لهما

فرات المحسن

شيء حسن أن يكون العراقي قادر على أن يحمل جراحه وخوفه ليسير نحو صناديق الانتخابات ويسجل ظاهرة تبعده شوطا كبيرا عن باقي شعوب بلدان الشرق وبالذات العربية منها، حتى وأن كان ذهابه لأجل التسلية وملء الفراغ اليومي وتزجية الوقت. فنتيجة 62 %توضع في خانة المراكز المتقدمة لانتخابات في بلد يعاني كل تلك الاضطرابات والمصائب. لا بل المشهد يحمل الكثير من التفوق العددي في حساب المشاركين في انتخابات دول متقدمة من مثل أمريكا أو السويد. ومثل هذه الظاهرة تجعل المرء يفترض بأن استمرار مثل ذلك الاستعراض العددي كاذبا كان أم صادقا وبمتوالياته الانتخابية مع استقرار الأوضاع، فأن الدورات الانتخابية القادمة سوف تحمل لنا الكثير من المفاجأت تكون ذات طبيعة ونتائج مختلفة كليا عن سابقاتها. ومن الممكن لها أن تدفع العملية السياسية الى نموذج عقلاني لو أحسن الناخب المحاسبة ثم الاختيار، وأبعدت عن العملية الانتخابية تدخلات دول الإقليم وخرج المحتل كليا. ربما أن مثل هذا الظن يدخل في خانة التمنيات ويحتاج الى حسم الكثير من القضايا والإشكالات في مقدمتها وأهمها معني بسلوك الناخب وكذلك نواظم العمل الحزبي والانتخابي.

اختلفت وجهات النظر في مجريات العملية الانتخابية ووقائعها وبمثلها تصاعدت حدة الخلاف حول النتائج التي أسفرت عنها. وعاش غالبية أعضاء القوائم صراعا نفسيا، واحتدم النزاع بينهم لأجل استجلاء نتيجة التصويت واثبات فوزهم الحاسم سلفا. ومع ارتفاع وتيرة التصريحات وشد الأعصاب بين الكتل، جاراهم الشارع بتخوفه من النتائج وما سوف يرافقها أو يعقبها من حوادث فبدت بعض المدن يوم الانتخابات خالية من سكانها.

أكثر من فاجأتهم النتائج هو الشارع العراقي غير المسيس الذي اندفع لآجل أن يضع بصمته على الورق ليغير ما يستطيع تغيره بعد سبع عجاف. سبع لم يكن يحلم أن تطاله فيها كل تلك العذابات والأوجاع التي كان يبتلعها كل يوميا ولا يحمل في جعبته اتجاهها غير التأفف والتشكي والتوجع. ولم تكن كل تلك الجموع المعذبة لتتوقع وجود كل ذلك الفيض من الحيتان والثعابين التي زحفت لتلتهم كل ما فوق أو تحت الأرض وتنافس الناس حتى على الفتات.

انحسرت النتائج عند عتبة أربع قوائم كبيرة، وكأنما هي الأضلاع التي عليها أن تحيط العراق وتغلق بطوقها على حواشيه وبطونه كي لا يتسرب منه ما يقلق المحتل، وفي الوقت ذاته تجاور تلك القوائم مشايعيها وعرابيها في دول الجوار. قسمة لا تحتمل غير أربع كتل تطمئن مشهد التنوع الطائفي، الأثني والقومي ولا تخرج عن رؤية وخطط الإدارة الأمريكية لمراحل بناء العملية السياسية في العراق الجديد.

الإدارة الأمريكية أعطت لكل كتلة حجمها المناسب في هيكل السلطة التشريعية مستندة على دراسات لمعاهد ومؤسسات ترى أن العراق لا يمكن أن يكون بهوية واحدة، وعلى قواه السياسية أو بالاحرى طوائفه وقومياته أن تتكتل لترسم ملامح عراق متنوع يبحث له عن جامع ونظم لتقاسم السلطة دون منغصات كبيرة ومقلقة.

رؤية الإدارة الأمريكية تعتمد كبح جماح البعض ورفع شأن أخر. أيضا أخراج القوى والأحزاب الصغيرة بعيدا عن المشهد، دفعا لأي لبس أو تأثير واختلال في حالة وجودها داخل قبة البرلمان. هذه السياسة وضعت في حساباتها طريقين لا ثالث لهما وعلى الكتل الفائزة المتصارعة تحت قبة البرلمان أن تسلكهما بشكل أو أخر. وفي جميع الاحتمالات فأن الطريقين حسب قوى الاحتلال يفضيان الى الحل المناسب الذي تيقنت الدراسات ومن ثم الإدارة الأمريكية أنهما السلوك الموجب اتخاذه لاستقرار العملية السياسية وجعل المحتل الأمريكي يضمن النجاح لمشروعه في العراق، ويفضي في النهاية لعودة أغلب جنوده الى بلدهم.

نتائج الانتخابات واجهت اعتراضات كبيرة من جميع القوى التي شاركت في العملية السياسية وأبدت تلك القوى امتعاضها واحتجاجها المصحوب بكيل الاتهامات للمفوضية ( المستقلة؟؟) للانتخابات التي بدورها واجهت تلك الطعون بإرادة صلبة وعناد غير معهود، وصمدت بمواجهة تحديات وجهت لها من ذات القوى والأحزاب التي ينتمي جميع أعضاء مفوضية الانتخابات لعضويتها. وكان ذلك التحدي ظاهرة غريبة لم يعتادها الشارع العراقي ولم تستسيغها ذات الأحزاب من قبل بعض أعضائها مهما بلغت درجة عضويتهم. وبدا المنظر وكأنه خروج عن الطاعة، أثار الكثير من التساؤلات عن أسباب ومبررات هذا الجحود والعناد أو لنسمه الانقلاب على الراعي من قبل الرعية في عرف السياسة العراقية. ولكن ما دار في الكواليس وتسرب الى الشارع يشير الى ضغوط ووعود أو مناصرة تلقتها مفوضية الانتخابات من قبل ممثل الأمم المتحدة وقبله إدارة قوى الاحتلال وبرضا بعض الشخصيات والأحزاب المشاركة في الانتخابات وموافقتها على اتخاذ مثل هذا الموقف سيرا مع رغبة المحتل في تشكيل وهيكلة البرلمان العراقي الجديد.

خيار الإدارة الأمريكية الأول يتمثل في تشكل كتلة برلمانية كبيرة توازيها أو تنازعها كتلة معارضة برلمانية ليست بالهينة تستطيع المناورة وتهذيب الخطط وفي أبسط الحالات الموازنة داخل السلطة التشريعية والحد من غلواء بعض أجنحتها. وفي استجلاء المشهد الذي أفرزته نتائج الانتخابات فأن حظوظ القائمة العراقية تؤكد أنها ومهما غالت وجاهدت فلن تستطيع أن تمتلك غير موقع المعارضة في مثل هذه المعادلة وأن الغلبة في نهاية المطاف سوف تكون لتكتل القائمتين الشيعيتين وحلفاؤهم من التحالف الكردستاني. وفي مثل هذا الوضع فأن المعارضة سوف تكون غير قادرة على كبح إرادة هذا التحالف، ولن تبتعد الصورة عن ما شاهدناه في البرلمان السابق. ومن الجائز أن مثل هذا الحل سوف يصعد من طبيعة التخندق والخصومة الطائفية. ولذا فخيار الإدارة الأمريكية وخارطة الطريق الثاني الذي تقدمه، وهو المفضل لديها ويمثل المسعى المطمئن لمشاريعها وطموحها، يصب في موافقة جميع الكتل أو اقتناعها الناجز بأن ليس هناك من مسلك يؤدي لحل الخصومات وبناء الدولة غير تشكيل سلطة توافق بمسمى وطني؟ أساسها وهيكلها المحاصصة بين جميع الكتل الفائزة وتوابعها. وهذه الحالة التي هي خيار مطاط تروج له بعض القوى وتقبله على مضض قوى أخرى، فأن إرادة الاحتلال تجد فيه الكثير من منافذ الخلاص لورطتها وهي ساعية لفرضه أن عزفت الكتل عن خيار الطريق الأول. ولكن هذا الخيار سوف يدفعنا للتفكير في جدوى وقائع الانتخابات وما أسفرت عنه وما سوف تجلبه مثل تلك المحاصصة من منافع للعراقيين الذين جربوها وجلبت لهم الفواجع والنكبات.



 

free web counter