| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فرات المحسن
F_almohsen@hotmail.com

 

 

 

                                                                الأحد  8 / 12 / 2013



اتحاد أدباء العراق مقدمة رسالتكم كانت غير حكيمة

فرات المحسن 

في خبر صحفي عابر نشر في بعض الصحف والمواقع العراقية تطرق للقاء عقد بين وفد من اتحاد أدباء العراق برئاسة السيد فاضل ثامر ووفد من وزارة الثقافة العراقية ترأسه الوكيل الأقدم السيد طاهر الحمود، وتم في الاجتماع الذي عقد في مبنى الوزارة ، بحث الأسباب التي أدت إلى تردي العلاقة بين الطرفين ، وقد بسط كل طرف وجهات نظره للأخر.

الخبر لا يحمل بين طياته ما هو مثير أو جديد بعد أكثر من ثلاث سنوات من عمر وزارة الثقافة على عهد السيد سعدون الدليمي.

فمن البديهي أن تتم مثل تلك اللقاءات بين وزارة للثقافة واتحادات أو فعاليات مهام عملها يتعلق بالشؤون المعرفية الثقافية أدب كانت أم فن. والخبر الصحفي الذي أعلنه اتحاد الكتاب عبر الصحف والمواقع العراقية أشار لمسألة كانت ضمن جدول المباحثات وهي أسباب تردي العلاقة بين الطرفين، ولم نجد توضيحا لطبيعة الجفوة ، ولكن الاتحاد يستدرك ذلك ليعلن عن طبيعة تردي العلاقة من خلال ما يقرأه المرء في الرسالة التي وجهها الاتحاد إلى السيد وزير الثقافة سعدون الدليمي وحوت الرسالة 16 نقطة تطرق فيها اتحاد الأدباء العراقي لجملة من المشاكل التي تكتنف ليس فقط علاقة الاتحاد مع وزارة الثقافة وإنما للكثير من المفاصل المهمة في منهجية وآليات عمل وزارة الثقافة وعلاقتها بالمثقف والنشاطات الثقافية العراقية وما يشوب ذلك من معوقات وإخفاقات ومشاكل بأوجه لا يمكن حصرها بسهولة، وقد أستهل اتحاد أدباء العراق رسالته إلى السيد الوزير بمقدمتين جاء في الثانية منها ما يلي :
(( نؤكد اننا طيلة هذه الفترة كنا نحرص دائما على أن نعمل في ضوء مبدأ الشراكة مع وزارتكم الموقرة للنهوض بالواقع الثقافي العراقي وضمان استكمال مقومات البنية التحتية للثقافة، الشرط الأساس للانطلاق نحو آفاق أوسع تتبوأ فيها الثقافة مركزاً اكبر في عمليات البناء والتأهيل لمجتمعنا العراقي الذي عانى كثيرا من تداعيات سياسات الدكتاتورية المتعاقية وظروف الاحتلال والطرح الطائفي والمخطط الإرهابي التكفيري الذي يستهدف وجودنا وحضاراتنا وثقافتنا.

ونود أن نبسط لمعاليكم تصور الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، تصورنا عن الأسس المتينة التي يمكن أن تقوم عليها العلاقات بيننا ووزارتكم الموقرة )) وهذه العبارات في مجملها يعرف العديد من المثقفين وحتى من وضعها أنها ترتبط معنا وسلوك ومغزى باتحاد الأدباء وليس للوزارة أي علاقة بمبدأ شراكة تحدثت عنه وأشارت له .. بعدها يطرح اتحاد الأدباء نقاطه الـ 16 التي يشخص فيها متطلبات المرحلة للنهوض بالثقافة العراقية وطبيعة العلاقة التي من الموجب أن تكون بين الوزارة ومنظمات المجتمع المدني العراقية وبالذات منها المهتمة بالشأن الثقافي، كذلك طرح في الرسالة مجموعة مطالبات يرغب اتحاد الأدباء من الوزارة القيام بها والمطالب الستة عشر حرصت على استعراض الكثير من ما يشوب الوضع الثقافي العراقي من عسر وضيق وإخفاق وعثرات ملموسة ليس لدى المثقف العراقي حصرا وإنما باتت مكشوفة وواضحة جدا أمام أبن الشارع البسيط الذي دائما ما يتأمل أيجاد ما ينعش النفس ويطري الروح بعيدا عن لغة الإرهاب اليومي بمختلف تنوعاته أن كان خارجيا أو داخليا .

ولكن ما يمكن للمرء التوقف أمامه باستغراب وتعجب ما جاء في المقدمة الأولى من الرسالة والتي نصت على ما يلي :
((معالي السيد وزير الثقافة الدكتور سعدون الدليمي المحترم
تحية طيبة
يسعدنا أن نحييكم وان نعبر لكم عن تقدير أدباء العراق وكتابه وشعرائه للدور الذي نهضت به وزارة الثقافة تحت رعايتكم الكريمة في الارتقاء بالفعل الثقافي في عراق ما بعد الدكتاتورية، وبشكل أخص ضمن إطار فعاليات تتويج بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013.))

هذه الديباجة تبدو لي مستعارة من خطاب قديم درجت على تدبيجه أقلام تهوى المسكنة، دائما ما كانت ترتجف أمام مسمى سلطة، ولذا تدفع بمقدمة ترجو فيها تطييب الخواطر واستهلال الطلب بقصيدة مديح تدفع المتلقي نحو وضع الرضا والاسترخاء لتقبل عرائض الاسترحام بروح بعيدة عن التطيير و العداء المسبق. ومثل هذه المقدمة ربما أدرك اتحاد أدباء العراق أهميتها للوزير الدليمي وهو من منحدر بدوي وصاحب جنسية سعودية يهتم بتلك البيانات والاستهلال والتنميق والتزويق الكلامي حاله حال رؤوس العشائر وقادة العساكر وأمراء الغفلة.

ما كان لاتحاد الأدباء العراقي الوقوع في مثل هذا المطب وتدوين هذه المقولة لو جلس بهيئته الإدارية وناقش بإخلاص ودراية وتمحيص وبعين ثقافية معرفية ثاقبة ومخلصة لمشروعها التنويري، ما قدمه السيد وزير الثقافة الدليمي من منجز نهضوي يعتد به للثقافة العراقية، لحين ساعة أعداد الرسالة،عندها سيحار البعض من النابهين في الاتحاد في الأمر ولن يتورطوا في ذكر عبارات المديح تلك. أيضا لو تسنى للبعض في الاتحاد الخوض في الحقائق والوقائع على الأرض وما حدث في محاور وأحداث بغداد عاصمة الثقافة العربية وكذلك وضع توصيف دقيق لنوع العلاقة الإدارية والمهنية التي تربط الوزير بالوزارة وكذلك بوكلائه ومديري الأقسام فيها وكيف يتحرك سيادته في فضاء الثقافة والمعرفة العراقية، لما تم تدوين تلك الجنجلوتية ولتغيرت لغتها المدائحية الجمعوية الممجدة بنهضة وزارة الثقافة العراقية تحت رعاية الوزير الدليمي الكريمة ولأشير إلى ارتقاء الفعل الثقافي على عهده إلى مختصر يقتصر دائما على القول دون فعل وفي النهاية يستكين عند الترحيب والتحية الشخصية دون غيرها وفي أحسن الأحوال الوعد بتشكيل مجلس تحقيقي في المشمش.

رب جردة حسابية بسيطة لوضع الفنون والآداب وكيف تتعامل أقسام وزارة الثقافة مع من يشتغل في فضاء تلك المسميات، تعطي صورة مغايرة وتفند كل حرف جاء في مقدمة رسالة اتحاد الأدباء العراقي لا بل تدين استسهال الاتحاد أطلاق الجمل التملقية على حساب الواقع المزري للثقافة في العراق كما ونوعا،لا بل مثل تلك الجمل الغير منطقية نجدها مدانة ومرفوضة من خلال ما تطرقت له النقاط الستة عشر ذاتها والتي قدمها الاتحاد كمقترحات وإستراتيجية عمل مستقبلية للوزارة شخصت فيها الكثير من العطوب والعيوب والتلكؤ في عمل وعلاقة وزارة الثقافة ووزيرها ووكلائه وموظفيها بمسمى ثقافة. ومثلما هو معروف للشارع العراقي فأن اهتمام الوزير ينصب حصرا ويضع جل جهده ووقته في الشأن السياسي والعسكري وجاء هذا وفق سياق ما تمخضت عنه طبيعة التشكيلة الوزارية التقاسمية، أيضا حسب ما ترتب على الوزير من تبعات واشتراطات بنيت وفق رغبة السيد رئيس الوزراء أبو إسراء بشخص الوزير الدليمي وطبيعة الخلاف الطائفي البغيض وقدرته على استفزاز الأخر من داخل عقر داره. فالوزير بعيد بأشواط طويلة جدا عن وزارة الثقافة ولذا لا نجد في الوزير ما يجعله عامل نهضة وارتقاء في مجال عمل الوزارة. ومن المنطقي والحكمة القول بأن من يدير الوزارة هم وكلاء الوزير ورؤساء الأقسام فيها، وحسب ما هو معلوم وملموس فأن توجيهات الوزير لا تجد لها منفذا أن لم تمرر عبر فلتر هؤلاء ورغباتهم وعلاقاتهم الشخصية فكيف تنهض وزارة ثقافة برعايته الكريمة، وهو في جميع الاحتمالات عبارة عن قلم أخضر لا يملك من حاله غير التوقيع وترك الأمور على علاتها يديرها غيره، وفي هذا الأمر توجد شواهد كثيرة ليس أقلها سرقات مباحة للمال العام وعلاقات شخصية ووساطات ومنافع ورشى وعقود مشبوه بعيدة كل البعد عن محاولة النهوض بالثقافة العراقية.

منذ بداية الإطاحة بالدكتاتورية عدت وزارة الثقافة وزارة غير سيادية يرميها المكون السياسي الشيعي على المكون السياسي السني استنكافا وكرها لمسمى ثقافة، ويقبلها المكون السياسي السني بطرا وتكسبا ليسلمها لشيخ جامع قاتل موتور وضابط شرطة مرتش ثم تعطى أخيرا لوزير سني جل انشغالاته سياسية وعسكرية ووو .

ليس في مثل هذا عجب فالحديث عن عجائب العراق وغرائبه ما عادت تلم بها مدونات ومجلدات منذ تأسيس الدولة عام 21 ولحد هذه اللحظة المنحوسة، ولكن العجائب والمدهشات تجاوزت المعقول على العهد الثاني من سلطة السيد المالكي وباقي شركاؤه من جميع القوى العاملة في دولة المحاصصة دون استثناء،وأن كانت الموبقات تتقدم عجائب عهد الولاية الثانية للسيد المالكي ووزراءه فأن عجائب موقف المثقف العراقي تتوائم وتتناسب والوضع السياسي والتردي الثقافي الذي يجعل المثقف النخبوي ينحوا لطمأنة النفس بنخبويته وتفرده بعيدا عن أبناء جلدته من بسطاء البشر ويكتفي بالشكوى والتذمر من الإقصاء والتهميش الذي يتعرض له من قبل السلطات وبالذات من داخل وزارة الثقافة وما ينطوي عليه ذلك الموقف العدائي المتولد عن قناعة مقننة لاهوتية تنظر للعلوم والثقافة بتسطيح وتهيب ورفض وصولا حد التكفير. وفي هذا نجد موقف المثقف دائما ما كان سلبيا اتكاليا يتوسل المجهول حاله حال بسطاء الناس ليأتي وينقذه من الفجيعة التي تلبدت بها سماء العراق.

وليس بعيدا عن مشهد المتاريس والخنادق الذي تحيط بها وزارة الثقافة نفسها تحصنا من عدوى، فمن المناسب التذكير بأن الموقف من اتحاد الأدباء داخل طاقم الوزارة وتلك لعمري شائنة لها أسبابها السياسية المعروفة التي يجمع القاصي والداني على وجود ما يعشش من عداء سياسي متأصل للاتحاد في عقول الكثير من مقرري شؤون الوزارة. ومع كل تلك الاستحكامات والمعوقات والمواقف يطرح التساؤل الصعب عن موقف المثقف العراقي ذاته من كل ما تنطوي عليه إستراتيجية الوزارة وطبيعة علاقتها بتلك النخب والفعاليات، وهل المثقف يمتلك القدرة على الفعل و التغيير وامتلاك زمام أمره والوقوف بوجه تهميشه وتغليب ثقافة التجهيل والتسطيح.

لو كان المثقف العراقي عضويا لوقف بحزم وبموقف جامع احتجاجي يومي شجاع وطالب أولا بجعل وزارة الثقافة وزارة سيادية تنال احترامها وتبجيلها من خلال احترام أرث العراق الثقافي والحضاري المبدع والمدهش وليس أرث التكايا والفواجع، وأن تحترم الوزارة بتكريمها بطاقم له صلة بالمعرفة والثقافة بعيدا عن تضخيمها وترهلها بخيارات تقاسم القوة والثروة، وأن يكون في مقدمة ذلك المطالبة بتغيير الوزير وطاقم الوزارة المشكوك في ارتباطه وعلاقته بمسمى ثقافة.

ما كان للمثقف أن يقف مثل هذه الوقفة المرتبكة الخجولة بوجه ممثلي أحزاب ومكونات طائفية سمح الاحتلال البغيض لها تقاسم وزارة تعد في أعراف العالم المتحضر هي ووزارة التعليم من الوزارات السيادية التي يتعرف العالم من خلالهما على طبيعة البلد وانشغالات أبناءه وإبداعاتهم ونهضتهم.
 



 

free web counter