|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين 11/6/ 2012                                 المهندس فتحي الحبوبي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الرواتب المقارنة بين نواب تونس ورؤساء الديمقراطيات الغربيّة

المهندس فتحي الحبوبي

في ظل ارتفاع المديونيّة وانخفاض الموارد،  وتفاقم عجز الميزان التجاري، مع نسبة بطالة فاقت اليوم  18% من القوى النشيطة حسب آخر الإحصائيات الرسميّة، سجّل المعهد الوطني للإحصاء نسبة تضخّم فاقت  5.5 %، بالنسبة للأشهر الأربعة الأولى لسنة2012، كما سجّل التونسي وكل الدوائر الإقتصاديّة ارتفاعا مشطّا في الأسعار بلغ نسبا لم يتعوّد عليها المواطن وتسبّبت له في تدهور مقدرته الشرائيّة بشكل لافت لا يحسد عليه، لايؤدّي بالضرورة إلّا للعن السياسة والسياسيين والاحزاب أجمعين. وهو محقّ في ذلك، لأنّ شعاراتهم الرنّانة، لا تباع ولا تشترى ولا يقع صرفها في الأسواق الملتهبة أسعارها.

هذه الظروف الاقتصادية الإستثنائيّة التي  تمرّ بها تونس والتي تبعث بشكل جدّي على التخوّف من شبح الإفلاس بما يشبه الحالة اليونانيّة التي استعصى حلّها على دول الإتحاد الأوروبي بكل ثقله وأجهزته المالية والنقديّة المختلفة،لم تكن كافية لتحفّز نواب المجلس التأسيسي للتبرّع ببعض من رواتبهم من أجل الزيادة في القدرة التشغيليّة للحكومة التونسيّة المؤقّتة التي أعطت المثال في هذا المضمار، وخفّضت من رواتب وزرائها.وهو إجراء معمول به في الأردن وبعض الحكومات التي تراعي المصلحة العليا لبلدانها وتقتسم مع شعوبها بعضا من الضنك الإقتصادي. ولعلّ آخر الامثلة في هذا المجال، ما قام به الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من تخفيض لراتبه ولرواتب وزرائه بنسبة 30في المائة، في اجراء رمزي يرمي الى إحداث قطيعة فعليّة مع نهج سلفه اليميني، بعد أقلّ من 48 ساعة من تولّيه الرئاسة. وذلك رغم أنّ بلاده تصنّف باعتبارها القوّة الإقتصاديّة والسياسيّة الخامسة عالميّا.

 وفي حين  أنّ  الأجر الأدنى الصناعي المضمون للعامل التونسي لا يتجاوز اليوم (246,306)د،بالنسبة لنظام 40ساعة عمل أسبوعيّا، فإنّ نواب المجلس الوطني التأسيسي التونسي يتقاضون راهنا راتبا شهريّا يتراوح مبلغه ما بين (2270 دينارا) و (3600 دينارا) أي ما بين حوالي 9,5إلى 15 مرّة الأجر الأدنى المضمون.علما وانّ رئيس فرنسا ، وهو رئيس ذو ثقل دولي، لا يتجاوز راتبه 15مرّة الأجر الأدنى المضمون لبلاده. كما أنّ رئيس الحكومة البريطانيّة لا يزيد دخله عن 16 مرّة  الأجر الأدنى المضمون للعامل البريطاني.

ورغم ذلك فقد سمح  نواب المجلس التأسيسي لأنفسهم، في جلسة سريّة مريبة، باقتراح زيادة بحوالي3630  دينارا في مرتّباتهم لتبلغ في المحصّلة 5900 دينارا، وهو ما يعادل 24 مرّة الأجر الأدنى الصناعي المضمون . وهنا لا بدّ من التساؤل عمّا إذا كان النائب في المجلس التأسيسي التونسي يعتبر نفسه أكثر أهميّة من رئيس فرنسا أو رئيس حكومة بريطانيا، حتّى يسمح لنفسه براتب يفوق 9 مرّات، ما يتقاضاه فرنسوا هولاند بالقياس إلى الأجر الأدنى المضمون لبلاده؟!!.إنّه العجب العجاب الذي لا يمكن تصنيفه إلّا في خانة العبث السياسي المرفوض، والمراهقة السياسيّة للدكتاتوريات العربيّة المتخلّفة التي عادة ما تكون هي في واد والجماهير الشعبيّة، ولا سيما منها الطبقات الكادحة، في واد آخر.وهو ما يجعل تحقيق طموحاتها في غد أفضل أقرب ما يكون إلى السراب لمن كان في صحراء شاسعة.

ومن سخريّة القدر، أن يدافع السيد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي عن هذه الزيادة، ويبرّر مسوّغاتها، بما لايتماشى مع صفته كرئيس حزب ذي توجّه إشتراكي. 

تحدث هذه الزيادة، التي لم يوافق عليها رئيس الحكومة، في وقت لم يعد فيه خافيا، إستياء الشعب التونسي بكل فئاته ومشاربه السياسيّة عن أداء النواب فيما يتعلّق بكتابة الدستور، الذي هو أهمّ مبرّر لوجودهم بالمجلس.أمّا ما تحدّث عنه السيد رئيس المجلس من متابعة يوميّة لما يحدث بالجهات، فلا أظنّ أنّ نشاطاتهم ذات العلاقة، لها مردود ملموس على أرض الواقع وعلى حياة النّاس بالجهات التي إنتخبتهم.لانّهم ببساطة وصراححة شديدتين ليسوا برلمانيين، بل هم تأسيسيون، ومهمّتهم الأساسيّة هي كتابة الدستور في أسرع وقت ممكن، وليس العمل الميداني بالجهات لحلّ مشاكل النّاس. فإذا عجزت الحكومة بمختلف أجهزتها الإداريّة الكثيرة عن إيجاد حلول لقضايا مزمنة ومستعصية، فمن المستبعد، بل لعلّه من المستحيل، أن يأتي الحلّ عن طريق نائب، يفتقر لأبسط أدوات الفعل الإيجابي، وليس له سوى الكلام كبضاعة للبيع، في سوق لم يعد الكلام فيها يجدي أو يسمن من جوع. لذلك فإنّي أدعو نوّاب الشعب أن لا يساهموا في مزيد  تفقيره بإثقال كاهله بالزيادات في رواتبهم، في وقت يدّعون فيه تمثيله، وهو الفقير المفقّر من نوابه ومن حذا حذوهم على درب استغلال اللحظة الراهنة والنفوذ خدمة للمصالح الشخصيّة ليس أكثر. ثمّ يدّعون قبل وبعد ذلك الثوريّة وخدمة الشعب والصالح العام. 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter