|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  22 / 4 / 2015                                د. هاشم عبود الموسوي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

الحشد الشعبي العراقي
والقانون الدولي الإنساني

د. هاشم عبود الموسوي

في ظل الاحتلال الذي قام به التنظيم الارهابي (داعش) لمساحات واسعة من بلادنا، وما ألحق بمجتمعنا من دمار وأهوال اقتصادية واجتماعية وسياسية، فإننا لا نستطيع إلا أن نُسمي ذلك تسلطاً استعمارياً واحتلالاً أجنبياً، وكل حركة شعبية تقاوم الإحتلال ليست سوى شكل من أشكال حركات التحرر الوطني، وعند الرجوع إلى البروتوكولات الدولية التي صدرت عن المنظمات الدولية، نجدها كُلها تُجيز قيام حركات للتحرر الوطني كحق من حقوق الشعوب في تقرير المصير ومقاومة هذا الاحتلال، وكان أولها في نص البروتوكول الأول لعام (1977م) الملحق باتفاقيات جنيف لعام (1949م)(1). ورغم إنَّ هذه الإشارة قد جاءت بشكل ضمني بخصوص ما يتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية ضمن الوضع القانوني لحركات التحرر الوطني.

فقد نصت المادة الأولى فقرة (4) في البروتوكول الأول لعام (1977م) على ما يلي :
(تتضمن الأوضاع المُشار إليها في الفقرة السابقة، المنازعات المسلحة التي تُناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والإحتلال الأجنبي، وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارساتها لحق الشعوب في تقرير المصير، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول عام (1970م)، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على النص السابق لتوصلنا إلى الإستنتاجات التالية :

أولاً: بالرغم من أنه لم يرد ذكر حركات التحرر في النص المذكور بشكلٍ صريح، ولكن المعنى المقصود، يُفهم ضمنياً بشكلٍ واضح بأن النص المذكور يُقصد بهِ من بين ما يُقصد فيهِ هذه الحركات الوطنية التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي. ومن أجل تقرير المصير. وهذا ما ينطبق على حالة الإحتلال الذي أوجده تنظيم داعش الإرهابي في كلٍ من سوريا والعراق.

ثانياً: إن هذا النص يؤكد على أهمية الحركات التي تناضل من خلالها الشعوب ضد التسلط الاستعماري، والاحتلال الأجنبي، والأنظمة العنصرية. ومعنى ذلك، أن هذه الحركات لها مركز قانوني دولي بالغ الأهمية، ولأول مرة في مجال القانون الدولي الإنساني، بحيث تستحق الحماية والرعاية، لكي تستطيع التخلص من السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال وتُمارس حقها في المطالبة بحماية الضحايا في مثل هذه النزاعات.

وقد جاء التأكيد على المركز القانوني لحركات التحرير في القانون الدولي، ولكن المعنى هذه المرة كان صريحاً وواضحاً في المادة (96) الفقرة (3) في البروتوكول الأول، حيث جاء النص بالاعتراف الكامل بحركات التحرر كما ويجسد الإرادة الدولية في أن حركات التحرر تدخل في مستوى الأطراف الدولية الأخرى في الاتفاقيات والعلاقات الدولية. حيث جاء فيه: (يجوز للسلطة الممثلة لشعب تشتبك مع طرف سام متعاقد، في نزاع مسلح، من الطابع المشار إليه في الفقرة الرابعة من المادة الأولى، أن تتعهد بتطبيق الاتفاقيات، وهذا الملحق (البروتوكول) فيما يتعلق بذلك النزاع وذلك عن طريق توجيه إعلان انفرادي إلى أمانة إيداع الاتفاقيات، ويكون لمثل هذا الإعلان إثر تسلم أمانة الإيداع له، الآثار التالية فيما يتعلق بذلك النزاع).

ولقد ساوت المادة (43) من البروتوكول الأول بين القوات المسلحة لحركات التحرير الوطني والقوات المسلحة للدول، ووضعت لها تعريفاً شاملاً. والجدير بالذكر أن النصوص التشريعية من البروتوكول الأول لعام (1977م) تؤكد الاعتراف بحركات التحرير الوطني في القانون الدولي على أنها الوسيلة الشرعية أمام تلك الشعوب للحصول على الحرية والإستقلال بالنضال للتخلص من السيطرة الاستعمارية، سواء من خلال الكفاح المسلح، أو المفاوضات، التي تساعدها لتقرير المصير.

واذا كان هناك تساؤل حول ماهية حركات التحور أو الوصف القانوني لها، فإن البروتوكول الأول لعام (1977م) قد وضع بعض المعايير المحددة لإثبات حقيقة تلك الحركات الوطنية وهي كما يلي :

أولاً: إن هذه الحركات يجب أن تكون منشغلة بالكفاح في مقاومة التسلط الاستعماري، والاحتلال الأجنبي، والأنظمة العنصرية.

ثانياً : يجب أن تكون هذه الحركات موجه في نطاق ممارسة حق تقرير المصير كما هو معترف به في القانون الدولي، وخاصة ميثاق الأمم المتحدة.

ثالثاً : ينبغي وجود العنصر الأجنبي في النضال القائم في حركات التحرير الوطني، ألا وهو الكفاح ضد الاعتداء الخارجي المتمثل بالسيطرة الاستعمارية والتدخل الخارجي في سلب حق الشعوب في تقرير المصير.

وإلى جانب البروتوكول المذكور، فقد صدرت قرارات هامة للمنظمات الدولية التي تمنح الشعوب التي تخوض النضال في حركات التحرر الوطني ضد التسلط الاستعماري صفة الكيان الوطني للشعوب. كما نص بشأن الأمم المتحدة على أن لمثل هذه الحركات الحق في الوجود كما جاء في الفقرة (2) من المادة الأولى في الميثاق: مقاصد ألامم المتحدة هي (إنما العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكلٍ منها حق تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الملائمة لتعزيز السلم العام).

كذلك فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم (3237) في عام (1974(الدورة (29) أكد على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً لشعب فلسطين. ومنحها العضوية بصفة مراقب في الجمعية العامة ومنظمات وأجهزة الأمم المتحدة.

وأكد المؤتمر الدبلوماسي الخاص بتطوير القانون الدولي الذي ينبغي تطبيقه في النزاعات المسلحة، والذي إنعقد بين (20 فبراير/شباط/1974م) و (10 يونيو/حزيران/1977م) أكد على الوضع القانوني لحركات التحرير، فقد دعى هذا المؤتمر حركات التحرير الوطني المعترف بها من قبل المنظمات الحكومية الإقليمية المعنية للإشراك بصورة كاملة في مناقشات المؤتمر ولجانه الرئيسية. وقد صوت إلى جانب ذلك (70) صوتاً، ومعارفة صوت واحد هو صوت إسرائيل.

وقد نص قرار المؤتمر الدبلوماسي المذكور على الشخصية الدولية للكيانات التي تناضل من خلالها الشعوب ضد التسلط الاستعماري. ويقصد بهذه الشخصية الاعتراف لمثل هذا الكيان بالقدرة على ممارسة بعض الحقوق وأداء بعض الواجبات من تلقاء نفسه، ضمن نظام قانوني خاص.

وكل هذا يدل على أن بعض الكيانات السياسية مثل حركات التحرير الوطني ومن غير الدول، قد اصبحت الآن طرفاً في مجال تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني. وأن ضحايا الحركات المسلحة تلك يجب أن تنال الحماية والرعاية مثل الضحايا من المرض والجرحى والأسرى، بنفس المستوى كما في حالات النزاع المسلح بين الدول.

وهنا لابد من ذكر بأن خطر إحتلال (داعش) لأجزاء من سوريا والعراق، وما ترتكبه قواته من جرائم، لا يُشكل أزمة إقليمية فقط. بل بات أزمة دولية متشعبة الأسباب والأطراف والتداعيات. وأن المتضرر الأكبر هو دول منطقتنا لاسيما سوريا والعراق.. وبالتالي فأن مشروعية قيام حركات التحرر الوطني في هاتين الدولتين تُساندها بكل تأكيد الوضع القانوني الذي احتوته كُل بروتوكولات القانون الدولي.

(1)
 د. عمر سعد الله، دراسات في القانون الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994م، ص 51-52


المصادر:
1- المجذوب، محمد، القانون الدولي العام، منشورات حلب الحقوقية، بيروت، 2007م.
2- الموسوعة التشريعية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2010م.
3- حمدي، صلاح الدين أحمد، دراسات في القانون الدولي، منشورات زين الحقوقية، لبنان، 2012م.
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter