|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

   
 

الأربعاء  16  / 6 / 2021                                 حازم كوي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الحديث عن الاشتراكية

اعداد : حازم كويي
(موقع الناس)

يُعتبر أداء الاقتصاد الالماني جيداً على عكس العديد من الدول الاوربية المجاورة،عائدات الضرائب تتدفق بوفرة، مع أجور ومعاشات مناسبة، والبطالة في مستوٍ متدنٍ مقارنة عن تسعينيات القرن الماضي.

وكما يرى المحللون فإن الحالة المزاجية في البلاد ساخنة،تميل بشكل يهدد نحو الاتجاه اليميني،كحال غالبية الدول الاوربية،وصار مواطنو ألمانيا غير آمنين،خائفون من المستقبل، للفجوة المُتسعة بين الاغنياء والفقراء،الايجارات في إرتفاع،البنية التحتية آخذه في التدهور،محاولات إنفصال أوربا عن بعضها البعض،التلوث والانهيار البيئي،ليصبح السلام غامضاً يوماً بعد يوم.

فكيف يرى المراقبون السياسيون هذا التطور؟
المزيد من الناس سئِمت الاستمرار على هذا الوضع، وأنعكس ذلك في الاحتجاجات على مستوى الشارع، وأظهرت نتائج الانتخابات الالمانية على مستوى المحافظات،أن عدداً كبيراً من الناس فقدت الامل بحل المشاكل الاجتماعية ورغم الضغط اليساري،الذي كان عليه أن يحصد الاصوات في مراكز البرلمان والبلديات المحلية،الا أنها ذهبت الى خانة الشعبويون اليمينيون.

وبإعتقاد المحللين،لا يكفي أن ينتقد اليساريون الوضع،ويجري الدفاع عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحقوق المدنية فقط،هذا ما كان يفعلونه لفترة طويلة وبأستمرار،وهو صحيح ،مع ذلك فإن الازمة الاجتماعية التي تتصاعد الى أزمة منهجية تتطلب من اليسار بعرض يوفر مخرجاً من الركود والاستسلام،هدف يُلهم الشباب بشكل خاص.

ولا تكمن اسباب التصعيد السياسي في فشل هذا أو ذاك السياسي، بل في نهاية المطاف،في علاقات الملكية والسلطة،وبلغة واضحة فإن البديل هي الاشتراكية.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية في أوربا الشرقية،أصبح التردد في الحديث عن الاشتراكية،وفي غضون ذلك وبعد مرور 30 عاماً،تم التفكير في الاخطاء والعجز الحاصل وحان الوقت للتفكير في الفكرة العظيمة للاشتراكية.

هناك نص في برنامج هامبورغ للحزب الديمقراطي الاجتماعي لعام 2007 (بالنسبة لنا تظل الاشتراكية الديمقراطية رؤية لمجتمع حر وعادل ومتضامن،تحقيقهُ مهمة مستمرة بالنسبة لنا)

وأعلن حزب اليسار الالماني في برنامجه الحزبي عام 2011 (نريد أشتراكية واحدة،تنصف التحديات الاجتماعية والعالمية).

وعلى الرغم من خسائر الحزب الاجتماعي الديمقراطي والبحث اليائس للتجديد،فإن فكرة الاشتراكية الديمقراطية لا تلعب لديهم دوراً اليوم.

وأظهرت الاستطلاعات أن 45% من الالمان لهم رأي إيجابي عن الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين،وأن 26% لديهم رأي سلبي عن الاشتراكية،مُعظمهم من العلماء المتحدثين عن بديل للرأسمالية،لكنهم يخجلون جداً من (مناداة الطفل بإسمه) بحديث عن مجتمع ما بعد الرأسمالية،عن مجتمع عدالة أجتماعية،وعن مستقبل ما بعد الرأسمالية.

يبدأ البيان الشيوعي بجملة (هناك شبح يجول في الافق، في أوربا ـ شبح الشيوعية) ويخلص الى إستنتاج مفادهُ، أن.. حان لأن يضع الشيوعيين وجهة نظرهم،أغراضهم وميولهم،وشرح ذلك أمام الكل علانية ومواجهة حكايات شبح الشيوعية الخرافية.

في القرن الحادي والعشرون لا نتحدث عن الشيوعية، بل عن الاشتراكية،وهنا ستكون بالنسبة للكثيرين غامضة كالشبح،وربما تُشكل تهديداً،هذا الخوف الذي يُغذيه اليمين والمحافظون لا ينتزع عن إبدال الراسمالية بالمجتمع الاشتراكي،والشئ الوحيد الذي يساعد هنا هو النقاش العام حول ما يمكن أن تكون عليه الاشتراكية الديمقراطية في هذا القرن.

كُتب الكثير حول هذا الموضوع، من كُتب،مقالات،أنترنيت،ورغم أن الكلمات نادراً ما يتم الحديث عنها في الاماكن العامة،مع ذلك أتاحت ذكرى الاحتفال بالذكرى المائتين لميلاد كارل ماركس فرصة للتحدث مع الآخرين.
وكان منها أيضاً المؤتمرات حول ماركس والنسوية،والامبريالية اليوم.

في مؤتمر حزب اليسار في مدينة لايبزغ عام 2018،تصدرَ شعار مُنعش مفادهُ،أن حزب اليسار لا يقاتل من أجل قطعة أكبر من الكعكة فحسب،بل يطالب بالمخبز بأكملهِ.

هذه الجُملة تثير بالفعل الكثير من الاسئلة،منها على سبيل المثال،أي القوائم ستكون في مخبزنا،ومن الذي يصنعها،ومن يبيعها ولمن وبأي سعر؟.

الافكار حول مجتمع المستقبل وطريقة وجودها موضع إختلاف كبير بين اليسار،وهي ليست كما حصل في ثورة الروس عام 1917،ربما لن تحدث ثورة في المانيا اليوم او غداً،ولكن أذا كان بالامكان تحقيق الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين،فقط من خلال عملية تحويلية كبيرة لإعادة التنظيم الاجتماعي، بالعديد من خطوات الاصلاح الصغيرة والكبيرة،ويجب الاتفاق على الشكل الذي يبدو عليه المخبز، قواها الدافعة الخاصة بها والقوانين،وكيف يمكن إيجاد خطوات الاصلاح الصحيحة نحو الاشتراكية،ورغم الحلم اليساري،عليهم تقديم بدائل ذات مصداقية،بإلهام الاكثرية وإلهام التغيير.

السؤال الذي يجب الاجابة عليه هو ما الذي تعنيه الاشتراكية في عصر الديجيتال،الطبيعة المُهددة وجوداً،الترابط الدولي وتبعياتها،أشتراكية تتعلم من أخطاء القرن العشرين،ولكن أيضاً أخذ التجارب للمحاولة العظيمة،فالاغراء رائع لجمع كل الرغبات والاحلام وتحويلها الى مدينة فاضلة للقرن الحادي والعشرين،وإذا لم يجري الحديث صراحة من أنَ الامكانيات المادية للمجتمع الاشتراكي محدودة،وان ما يتم أنتاجه فقط يمكن توزيعه،وأن البيئة مهددة بالانقراض،عند ذاك سيصاب الناس بخيبة أمل من المجتمع الجديد،وأن الحقوق العديدة تشمل الواجبات أيضاً،وأن المجتمع الاشتراكي لا يخلو من التناقضات،وأن على الاغلبية أن تدافع عن نفسها أمام مُعارضيها،وكما قال بريشت (يجب ان نعترف، بأن الاشتراكية لن تكون فردوساً على الارض، بل الشئ البسيط الذي يصعب تحقيقه).

إن حلم اليساريين يتوجب أن يُفعل بالخبرة من أجل أشتراكية مُستدامة في هذا القرن،من الضروري التفكير بماركس والاقتصاد السياسي ومراجعتها،التفكير أكثر،وأذا كان الاقتصاد هو أساس كل مجتمع،فهناك أهم مفتاح لمفهوم جديد ومعاصر للمجتمع،وهذا يشمل التعليم الاقتصادي الذي أهمله اليسار عقوداً.

ويتضمن صورة واقعية للانسان،إن إيمان اليسار شبه الديني بالصالحين هو إيمان مُضلل بالرغم من القضاء على الاستغلال،وكما في جمهورية ألمانيا الديمقراطية،أُولئك الذين عملوا بجدٍ ونزاهة لم تخلو من سرقات وجرائم،ومن الخطأ الاعتقاد، أن كل ماعليك فعله هو تغيير العلاقات وسيكون الجميع بخير .

لا توجد وصفات بسيطة لمجتمع أشتراكي، فالظروف تختلف في القرن الحادي والعشرين عما كانت عليه قبل 50 عاماً أو100 عام،وهي مختلفة في أوربا،عنها في الصين أو أمريكا اللاتينية.





 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter