| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

الثلاثاء 4/12/ 2007



الإنفراج الأمني ..ضوء فجر كاذب ...!

هادي فريد التكريتي  *

تحدثت كثيرا أجهزة الإعلام العراقية ، والناطقين باسم حكومة المالكي ، عن نجاحات حققتها الحكومة ، ومن بينها الأكثر أهمية، عودة الأمن والاستقرار ، لبعض مناطق العاصمة العراقية بغداد ، و بعض مدن أخرى كانت مغلقة لقوى الإرهاب والتكفير السلفية ، ولفصائل " المقاومة الشريفة " وضربت مثلا عن هذا التحسن تنقل السيد " عمار الحكيم " ، عبر بغداد إلى مدينة الرمادي والبقاء فيها لمدة ثلاثة أيام بضيافة مشايخ " الصحوة " وقيادة قوات الاحتلال التي أسستها ..
التنقل بين الأحياء والمدن مبعث اطمئنان وأمان للمواطن ، والزيارات المتبادلة بين المواطنيين بحد ذاتها ، تعطي الدلالة على سيادة الأمن والاستقرار في البلد ، إلا أن وسائل الإعلام الحكومية ، تناست أن تخبرنا، بصدق ونزاهة ، كيف يتنقل المواطن العادي في بغداد ، ومن حي إلى حي أو في ضواحيها ، ناهيك عن التنقل بين المدن العراقية ، وهي أيضا ـ وسائل الإعلام ـ لم تخبرنا كم هو عدد المسلحين الذين كانوا في حماية هذا المواطن " السيد " ، وكيف كان تنقله بين " ميليشيات الصحوة " وقوات الاحتلال ، وما سبب زيارة " السيد " المفاجئة لهذه المنطقة ، أهي للمجاملة وللتهنئة بالنجاحات التي حققتها الصحوة ..؟ أم جاءت هذه الزيارة الغريبة عربونا للمصالحة عن فتنة ، أججتها نيران " مرجعيات طائفية " متناحرة من " سنة " و" شيعة " ؟ وربما هي لتقديم الشكر والامتنان لقيادة الاحتلال في الرمادي ، على مبادرتها لتشكيل ميليشيات " الصحوة "، وتقديم التهاني للمشايخ والقادة الجدد لهذه "الميليشيات"، باعتبارهم القادة المنتظرون لإقليم "عراقي" جديد ، ترتيبه الثاني أو الثالث ، أو...( إن تمسك قادة هذه الأقاليم باسم العراق ) حيث ستربطهم بإقليم السيد " الحكيم " المنتظر ، علاقات أمن وسلام ( للكشر) ، إن تحقق مشروعهم ، مشروع مجلس الشيوخ الأمريكي ، بتقسيم العراق إلى أقاليم ثلاثة .

كل الدلائل تشير إلى أن السيد "عمار الحكيم" (خليفة ومبعوث أبيه ، في قيادة المجلس الإسلامي الأعلى ) جاء ليطمئن أولا : إن كان المشروع الأمريكي مقبول من قبل " مشايخ الصحوة وقادة المليشيات " ، بكل فصائلها الممثلة والمشاركة في مجلس النواب والحكومة ، وثانيا ليتأكد: من أن الإعداد لهذا المشروع يجري وفق مواصفات " إعلان مبادئ الصداقة والتعاون الطويل المدى بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية " التي تمت مناقشتها مع ممثلهم ، المالكي ، رئيس وزراء العراق ، ورئيس الإدارة الأمريكية " بوش" ، في الدائرة التلفزيونية المغلقة بينهما ، دون معرفة بنود هذه المبادئ من قبل الشعب العراقي وممثليه ، في مجلس النواب . ثالثا : جاء" السيد عمار " ليعرض تجربة قيادة الائتلاف وميليشياته المتعددة ، وأساليب سيطرتها على المنطقة الوسطى والجنوبية ، وما يعانيه سكان هذه المناطق من إرهاب وقتل وتهجير ، وللتأكد من أن الأشقاء المتحدثين ( زورا ) باسم الطائفة " السنية"، هم أكفاء له ، قادرين ومقتدرين مثله ، لأن يكونوا أهلا للحكم في مناطقهم ، ويوافقونه على تقسيم العراق ، إلى كيانات وفق عدد الرؤساء الجدد !..

قيادة قوات الاحتلال الأمريكية في العراق ، أعلنت عن تأسيس خمسة عشرة قاعدة كبيرة ودائمة، تم الاتفاق عليها مع حكومة المالكي ، وتم اختيارها من مختلف المناطق العراقية، وبنفس الوقت أعلنت عن نيتها لسحب قواتها من داخل المدن العراقية في العام 2008 ، لتنفيذ مهام وواجبات أخرى تتعلق بمصلحة الأمن القومي الأمريكي ، وهذا يعني أنها ستكون بحاجة لقوات بديلة وموالية بالمطلق لها ، تقوم مقامها بحفظ الأمن والسيطرة على المدن العراقية ، عوضا عن قواتها المنسحبة إلى قواعدها الداخلية في العراق ، أو تلك العائدة إلى وطنها ، لذا أقدمت هذه القيادة ،على تأسيس ميليشيات الصحوة من عشائر محافظة الأنبار، وأناطت بها مسؤولية حفظ الأمن والسيطرة على كل المنطقة الغربية ، دون إشراك أو تدخل من الحكومة العراقية ، أو أجهزتها الأمنية ، عند تنفيذ هذه المليشيات للمهام الموكلة لها ، حتى ولو من باب معرفة الغاية أو الهدف ، وهذا يعني خضوع، هذه المليشيات، وهي عراقية ، بالكامل للقرارات الأمريكية ولتنفيذها ، مع استبعاد كلي للدولة وهي صاحبة "السيادة " على الوطن !! وبالتالي سيكون أمن العراق ومصير مواطنيه رهين هذه المليشيات .

ما تحدثت عنه وسائل الإعلام، من استتباب الأمن في بغداد وبعض ضواحيها ، الذي أدى إلى تضاؤل ، وقتي ، في حوادث التفجير والقتل والاختطاف ، ارتبط بظهور تشكيل جديد من الميليشيات في المناطق " السنية " باسم " فرسان الرافدين " بقيادة المدعو " أبو العبد " تتولى قواته مهام حفظ الأمن في أحياء بغداد الشعبية ، قُدر عدد هذه المليشيات ب 80 ألف مسلح ،َكَونت هذه المليشيات ، وأشرفت على تسليحها وتدريبها وتجهيزها وصرف معاشاتها، قيادة القوات الأمريكية ، وهي ترتدي زيا موحدا ومميزا، عن القوات الحكومية أو الأمريكية ، يقوم " أبو العبد " قائد هذه المليشيات ، بتنفيذ المهام الموكولة إليها من قبل قيادة القوات الأمريكية ، هوية هذا القائد الجديد! والذي تحتل صورته موقعا متميزا إلى جانب صورة الجنرال الأمريكي " ديفيد بتريوس " ، مجهولة و تثير الكثير من التساؤل ، حيث يصف البعض شخصيته " من أنها ليست نقية تماما ، و يشبهه البعض بزعماء المافيا .." إلا أنه يحظى باهتمام وتقدير القيادة العسكرية الأمريكية في العراق ، نتيجة لنشاطه وأدائه المميزين ، وصدق مشاعره المخلصة نحوهم ، وهذا هو المهم ..

الإدارة الأمريكية والقيادة العسكرية في العراق ، جادة في تنفيذ مشروع " المصالحة " وفق رؤيتها وسياستها التي تحقق لها أهدافها في العراق والمنطقة ، وهي ترى : أن حكومة المالكي ، غير قادرة على تنفيذ بيانها الوزاري الذي كان من بنوده الرئيسة ، نزع سلاح كل المليشيات ، وبسط الأمن وحفظه ،وإقرار المصالحة وغيرها ...وبما أن هذه وغيرها من بنود لم يجر تنفيذها ، لعدم الانسجام بين مؤسسات الدولة المختلفة ،من جهة ، وفقدان الثقة المتبادلة بين أعضاء الحكومة ، من جهة أخرى ، ولأن المالكي غير قادر بمفرده على التعامل مع بيان الحكومة وتنفيذه ، دون دعم من شركائه وبما أن أمريكا تستعجل تحقيق أهدافها وحماية مصالحها، في العراق والمنطقة ، والوقت عامل حاسم في تحقيق الهدف ، لذا لجأت إلى تشكيل " ميليشيات " فاعلة ، خاضعة لقيادتها بالكامل ، وموازية ليس لمليشيات القوى والأحزاب المؤتلفة بالسلطة ، وإنما لتضاهي قوة الجيش والشرطة معا ، لأن " ميليشيات صحوة الأنبار " و ميليشيات " فرسان الرافدين " لا مرجعية لها غير القيادة الأمريكية ، في المرحلة الأولى من التأسيس ، على الأقل ، وليس أمام حكومة المالكي ، أو أية حكومة قادمة إلا التعامل مع قيادة هذه " المليشيات الأمريكية "، المخلة بالسيادة العراقية ، وبعكسه يتطلب الأمر حلا عاجلا لا يقبل التأجيل ، إما حل كافة المليشيات ،ونزع أسلحتها ، بما فيها تلك التي تسيطر عليها قوى الحكم ، وإما الخضوع للمخطط الأمريكي بكل بنوده دون اعتراض ، وإلا فالقادم من الأيام سيكون أدهى وأمر على العراق والعراقيين، من كل ما مضى..فما نراه من انفراج أمني ، ما هو إلا ضوء فجر كاذب ، مرهون بتطور الوضع السياسي ، وعلاقة الحكومة اللاحقة مع قوات الاحتلال ، وقراءة الواقع تشير إلى أن حسن الظن بنوايا حكم المحاصصة الطائفي لن يعجل بقدوم ضوء لفجر صادق ، ينعم به العراقيون ..


4 تشرين ثاني ‏2007

* عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

 

Counters