| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

إحسان جواد كاظم

 

 

 

                                                                 الأثنين  12 / 8 / 2013



من بعيد كوميديا... من قريب تراجيديا

إحسان جواد كاظم

أشبه بفلم هندي أصبح الوضع في بلادنا. فرغم مأساوية مايحدث فان هناك بعض الملامح التي تبعث على الضحك... الضحك المرّ, في حالتنا, بسبب لامعقوليته, ولا يمكن للمرأ إلا ان يقف مذهولاً امام هول الجرائم وساديتها وعدد ضحاياها ومصير عوائلهم وهم أيضاً من ضحاياها والانفلات الامني التام, وسهولة التهريب المتكرر للقتلة من ذباحي القاعدة ومجرمي الميليشيات من اكثر السجون تحصيناً وفي وضع حرج كوضع بلادنا حالياً, ثم عجزالاجهزة الامنية المطبق عن منعها او مواجهتها ناهيك عن توقع أوان حدوثها وكذلك الشلل الذي ينتاب أجهزة الدولة ومؤسساتها ومجمل الوضع العام في البلاد جراء ذلك.

لقد كان اقتحام مجرمو القاعدة وحلفائهم في السلطة وخارجها لسجن ابي غريب والسهولة البالغة في اجتياز جدرانه, الذي أمنّها المقبور صدام وحصنّها المحتل الامريكي والواقف على حمايتها المتحاصص الفاسد, في عملية مُحكمة حد الألم, أشبه بفلم إثارة سينمائي بارع الأخراج, لحفنة من شذاذ الآفاق تغلب بسهولة جيشاً مدرباً مدججاً بالسلاح, كما طقة إصبعتين, بينما كان للمسؤولين على حماية السجن ومن عينّهم في مواقعهم دوراً كوميدياً يبعث على البكاء.

ومما زاد من الموقف كوميدية ان كل التحضيرات اللوجستية للعملية الارهابية وتجميع حشود الانتحاريين والمقاتلين ونصب المفخخات, بضمنها تأمين عملية تنقلات للمراتب العاملين في السجن من غير المرغوب فيهم من قبل تنظيم القاعدة ( كما نشر في الاخبار ), وانسحاب الباعة القريبين من السجن قبل ايام من العملية, لم تجذب إنتباه الجهات المختصة, إضافة الى ماقيل من إطلاق تحذيرات خطيّة وتليفونية من اجهزة استخبارية ومدنية بوجود خطط مؤكدة لمهاجمة سجني ابي غريب والتاجي لم تجعلها تتخذ الاجراءات الاحترازية المفترض القيام بها عند ورود هكذا معلومات. فلم تكن كل هذه الوقائع والتحذيرات لتفيق الاجهزة المختصة من نومها العميق.

واكثر ما يحز في القلب, ان الجهات المعنية لم تلاحظ حتى وسائل النقل التي لابد وان أعدتها منظمة القاعدة الارهابية لنقل حتى ربع الاعداد المهربّة وتسريبها الى أماكن آمنة, ليطلقوا لاحقاً لأحقادهم أعنّتها.

وكان الأكثر هزلية تصريح خطيب جمعة النجف صدر الدين القبنجي, عندما اقترح على الدولة حلاً تراجيدياً بتسليم الملف الأمني لمنظمة بدر بأعتبارها الأكفأ بعدما فشلت القوات الأمنية مع الجيش في مسكه, لكي نصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار, فكلنا نعرف ان التحاصص الطائفي والعرقي في القوات المسلحة لم يشفع لها ولم يحد من الارهاب فكيف بجيش طائفي له تاريخ مثير للشكوك ؟ فالسيد القبنجي لم يقتنع بعد ولن يقتنع ابداً, بأن الأقصاء الطائفي هو الحاضنة الاساسية للارهاب وتوسعه, وان الحل ببناء قوات مسلحة بولاء وأنتماء وطنيين فحسب.

وكذلك الأقتراح بأرسال قوات البيشمركة الى بغداد والمناطق الأخرى لفرض الأمن, يحمل في طياته ملمحاً فكهاً, بعيداً عن المنطق رغم ظاهره الأيجابي, فكيف لقوات ترفض من يوم تأسيسها الخضوع الى مؤسسة الدولة الاتحادية والمشبعة بالولاءالفئوي, القومي منه والحزبي من حمل هكذا مسؤولية عامة, لاسيما في ظروف عدم الثقة بين اطراف الحكم, وبما معروف عنها وعن قياداتها بإنتهاز الفرص لفرض الحقائق على الارض وقضم المناطق وإثارة النعرات؟

لقد كانت عملية تهريب قتلة القاعدة من السجون جرح للكرامة الوطنية العراقية وليس فقط تهديداً أمنياً مقبلاً فقط, كما انها شكلت ثلماً لشرف القوات المسلحة من جيش وشرطة وجهات استخبارية ووصمة عار في جبين المجموعة الحاكمة.

فقد بينت هذه الحادئة, وكذلك استمرار التفجيرات والاغتيالات والاعتداءات على حقوق المواطنين مدى هشاشة البناء السياسي العام للدولة العراقية مابعد 2003 ومستوى الفساد الذي ينخر أساساته القائمة على التحاصص بين قوى لاتعدو "الوطنية" ان تكون شعاراً تلوكه افواهها على المنابر ليس إلا, وإيغالها في الاعتياش على آلام العراقيين ومآسيهم .وهذا ما أظهره رد فعلها الكوميدي على المطالبة الشعبية بألغاء رواتب وامتيازات وتقاعد البرلمانيين وذوي الدرجات الخاصة. فقد اكتشف النواب البرلمانيون وسياسيو السلطة فجأة بان تقاعدهم عالٍ بشكلٍ غير معقول, فانبروا وبشكل استعراضي بعد التدافع بالأرداف والأنكاب امام شاشات الفضائيات للتنازل الجماعي عنه, متوهمون بان ذلك يبرأهم من الأثم, وكأنهم لم يشرعنوا هذه السرقة ويقننونها ولم يتنعموا بها بعد, بينما فقراء شعبنا ينتظرون تسلم حصة العدس التموينية لشهر رمضان من العام الفائت .

لم ينطل موقفهم هذا على احد وانما اعتبره أبناء شعبنا محاولة لأمتصاص الغضب الشعبي ضد الانفلات الأمني السافر وسرقة المال العام بما فيها الرواتب الخيالية وكذلك الفشل الفاضح في الخدمات وليس لموقفهم ذاك أيّة صلة مع صحوة ضمير, فقد كشف البعض, حقيقة ان التنازل المعلن ليس له قيمة لعدم وجود قانون يسمح لهم بالغاء الغنائم. يا سلام سلّم , رتبوها على أربع وعشرين حباية !

الأكثر تصلباً منهم, يرفض فكرة إلغاء الرواتب التقاعدية ويؤكد ضرورة استمرار منافعه من حمايات وسيارات مصفحة وسكن حكومي محروس مدفوع الثمن الى أجلٍ غير مسمى, بحجة الاستهداف الارهابي له ولعائلته, رغم ان من أهم واجباته كانت كممثل للشعب تحت قبة البرلمان او في التشكيلة الحكومية, إيجاد الحلول لمسببات الارهاب ومكافحتها بقوة, وهو ما لم يفعله ولا توجد مؤشرات جديّة على اهتمامهم بذلك, بل بالعكس, أشار الكثير منهم في مناسبات عديدة الى تشجيع بعضهم للعمليات الارهابية والتصفيات الطائفية, ليكون التدهور الأمني والاستقطاب الطائفي سبباً لأستمرار تمتعهم بالامتيازات.

ومن الجدير بالذكر ان عمل البرلماني في كل بلدان العالم, عمل تطوعي لخدمة ابناء شعبه, يُعطى مكافأة شهرية رمزية مناسبة للقيام بمهامه وادارة شؤون مكاتبه التي تتابع مشاكل المواطنين المحلية في مناطق البلاد الأخرى, حيث تخضع للرقابة الأدارية الرسمية ورقابة منظمات المجتمع المدني ثم رقابة السلطة الرابعة, الصحافة ثم يرجع بعد انتهاء تمثيله البرلماني الى عمله الأصلي وليس كما هو معمول عندنا, عندما يجعل المسؤول هدفه من تسنم المركز البرلماني او الحكومي, فرصة ذهبية للأرتزاق والأثراء السريع ومن جهة كتلته مناسبة لمكافأته على ولاءه لقيادتها.

ان النخبة السياسية الحاكمة منقطعة روحياً وجسدياً تماماً عن واقع المجتمع, فهي تعيش لحظاتها الباذخة الآمنة بينما الشعب يتلظى بنار الحاجة وغياب الخدمات ويتشظى بشظايا التفجيرات الأرهابية ويُترك لتسلط ميليشيات التخلف والفاشية. انها بتعميمها تراجيديا الآلام تصنع مستقبلها التراجيدي القادم.



 

 

 

free web counter