| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم العايف

 

 

 

الجمعة 10/9/ 2010



"بداية البنفسج البعيد" البحث عن النقاء على أنقاض الواقع

جاسم العايف

من إصدارات اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في البصرة و بالتعاون مع شركة "آسيا سيل للاتصالات"صدر للشاعر "ثامر سعيد"مجموعته الشعرية الثانية المعنونة "بداية البنفسج البعيد" ، وقد افتتاحها بكلمة الشاعر محمود درويش: ".. إن الشعر يولد في العراق ، فكن عراقيا لتصبح شاعرا يا صاحبي"، كما قدم الشاعر سعيد لمجموعته بكلمة وصفها بـأنها "ليست مقدمة" ذكر في بعض منها :"سأحتفي بها الليلة بشمعة، وحيدة ونهر مشاكس يحرض الأشياء في غرفتي دائما على العصيان أو الغرق..سأحتفي بها الليلة بالهديل والزعيق والتغريد والحفيف والخرير ، سأحتفي بها بالحدو العتابى والميمر والنايل ،وسأحتفي بها أيضا بالدنابك والأعواد والطنابير والنايان والدفوف والماني ماني والسِعد وعود الهند والتّنْصاري..بالهيوة والسادة والنوبان والونيكا والوريما والحبوش والواية ..بسلالات لاتنتهي من الزهيريات والأبوذيات والدارميات والملمع ..بالرست والبيّات والصَّبا والنوى والحجاز..بكل الأسماء التي يخلعها العشاق على معشوقاتهم ..سأحتفي بها وبالجنون الذي لا يطاق". احتوت مجموعة " بداية البنفسج البعيد " على (23) قصيدة نثر تتميز بالإيقاع الداخلي لوحدات المعنى ، والتناغم الإيقاعي لحركة النص و التكثيف ، والموسيقى الداخلية لبنية النص الكاملة ووحدة التجربة الشعورية ؛حاول فيها الشاعر أن يرصد العالم الذي حوله عبر المحاكاة والتلميح والاستعارة و مستبطنا عالم -البصرة- مدينته وآفاقها التاريخية والشعبية وملامحها و خصوصياتها في "دنابكها وطنابيرها ودفوفها" وهي آلات موسيقية- كانت منتشرة ومستخدمة من قبل الزنج في البصرة ،وقد توارى أو أندرس فنهم آلآن خوفا وقهرا وقتلا ، و قسم من هذه الآلات وتري وبعضها بإيقاعات خاصة و ذات احجام مختلفة، كما يركز الشاعر على ما هو متميز ومتفرد في مدينته المشهورة بـ "النيط والماني ماني والسِعد وعود الهند والتنّصاري" وهي أنواع من البخور كانت رائجة بين سكان البصرة؛ أو ما تميزت به من فنون "الهيوة والسادة والنوبان والونيكا والوريما والحبوش والوايا " عبر عوالم المدينة المندثرة و تاريخها الكوسموبوليتي المندرس وسيماء بعض أشخاصها الذين:

"يلوذون بالبحر من البحر
وبالريح من العاصفة،
يقترحون عليك الأفق
وبعض النزيف
كلما تكدس الضجيج على فرائصهم
عراة في مهب الريح
إلا من توجسهم
"

الشاعر "ثامر سعيد" وعبر مجموعته "بداية البنفسج البعيد" يتفرس في بقايا الأمكنة المحلية :

"عن أماكني المألوفة جداً
يسألني(جاستون باشلار)
فتحضرين أمامي
مغتسلا ببرقك الحزين
"

ويسعى الشاعر للقبض على ملامح مدينته المندثرة وتواريخها المغيبة والأشياء وخصائصها الهاربة والأشخاص ومصائرها المحزنة ،عبر ذاكرة ندية ، للتعويض عن حجرية الحاضر وقساوته الضارية ويجري حوارات مع ماضي المدينة وشخوصها ؛ حوارات لا تنقطع مزدحمة بالأسئلة بدالات تاريخية وتسعى بعض نصوص" بداية البنفسج البعيد" التداخل والغوص في ومع ثنايا الأشياء من خلال تفعّيل الذاكرة وظلها في محاولة للاتصال بجوهر المكان واكتشاف مكنوناته أو الاستذكار الفني الذي يتعالق عبر بعض قصائد الشاعر فثمة العديد من عناصر الشعرية كالمفارقة والترميز والصورة والتشخيص والرؤية والتكثيف كل تلك العناصر في بعض النصوص تأتي ضمن علاقات داخلية تأخذ دلالاتها من خضوعها لمنطق النص ذاته وبالترابط والتعالق مع الواقع و تجربة الشاعر في مدينته الجنوبية وحياة الناس فيها وقهرهم المتواصل وبساطتهم وشموخهم على رغم محن الحروب وقساوة الأزمنة الممهورة بالخوف و بالبطش والعزل والفقر والتردي والإهمال:

"أقرأ تاريخ الماء
وأصور جرح الطين
وعند ضفافك
سيدتي
تستوقفني غابة شعر
وقرابين
.....
.....
أرضك لحمي
وشراييني: أعراق النخل
وهواؤك
ذلك الطاعن بالقدح
يمتد
كنهر رحيق في رئتي
.....
.....
منقوش حزنك في روحي
نقش الدمع على الخدين
"

في "بداية البنفسج البعيد " ثمة فجائع للمصائر المجهولة والمغيبة وما يبعثه ذلك من أسى لتحقيق توصيفات لها عبر بؤر تتجسد في ثيمات وشخصيات تقبض عليها الذاكرة لمغالبة الحاضر و التداخل (شعريا) بين ما هو مجرد وملموس والشاعر يراقب ملامح مدينته وبعض شخصياتها الدالة عليها.. تلك الشخصيات الخارجة من فجائعها لتقترب من حواف الموت المجهول، وهي تتشبث بالحياة في محاولة للبحث عن النقاء على أنقاض الواقع فثمة :

"مغولٌ يفتحون الآن مذابحهم
في لحمك
وبرابرةٌ يحتربون
ومجوسٌ يذكون النار
على حلميك..
كل رصيف يشهر
حتفك
".

وكان غلاف " بداية النفسج البعيد" لوحة للفنان التشكيلي عبد الملك عاشور و تخطيطاتها الداخلية للفنان خالد خضير، وسبق للشاعر "ثامر سعيد" أن اصدر عام 2001 "حدثني الملك الضلـّيل" مجموعته الشعرية الأولى.

 

 

free web counter