|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  16 / 10 / 2016                                            جاسم العايف                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

يوسف العاني:.. توهج المسرح العراقي

جاسم العايف *
(موقع الناس)

أعمال الفنان "يوسف العاني" المسرحية، تؤكد فكره المتوقد، وتعبر بجدارة عن توجهاته الفنية - التجريبية، الغنية ، فليس له عمل مسرحي مكرر (الثيمة) لنتاج سبق وكتبه أو قدمه. النشاط الثقافي - الفني، المتعدد للفنان (يوسف العاني)، المسرحي تخصيصاً، يكشف ، في مراحل عدة ، القدرات الفنية - التجديدية في المسرح العراقي، من خلال أعمال ورؤى بعض الكتاب والممثلين والفنانين و العاملين في الشأن المسرحي ،مهما كانت مساهماتهم، وفي المقدمة منهم (العاني) وجيله المسرحي. فإذا ابتدأنا في عقد الخمسينات، ويعد بمثابة النواة الفعلية ، فنياً، للنشاط الثقافي - المسرحي في العراق، تستدعينا، مسرحية (آنه أمك يا شاكر)، لعبت دور الأم الفنانة الراحلة" زينب"، بثيمتها التي عملت على إبراز دور المرأة العراقية الايجابي، وتجسد ذلك في موقف (الأم)، إذ نجد التوجه الواضح للصوت النضالي - الشعبي، هو الصوت الأعلى في الساحة المسرحية في تلك المرحلة .

يترافق ذلك مع اهتمام خاص بالوضع الحياتي للمواطن البسيط واحباطاته في تعامل السلطات القاهرة معه، وحقوقه المغيبة طوال الأزمان العراقية المتعاقبة ، عبر الجهاز الوظيفي المتسم ،دائماً، بالتعامل " البيروقراطي"مع المواطنين ، كما في مسرحية "المراجع المهتوك"، وعمدنا في سنوات سابقة لتقديمها بإمكانات محدودة وفي أماكن متعددة، ، يفرضها الوضع الذي كنا نخضع له ، على ما يمكن أن نطلق عليه "مسرح السجون" أو "المواقـف" التي مر بها وخضع لقسوتها، عدد لا يحصى من المناضلين، و المواطنين ، بداية من 1960 - 1968 ، وارى من الضروري دراستها من قبل الباحثين ، لأهميتها في التاريخ المسرحي العراقي، خاصة من خلال اعتماد التوجه المسرحي ، والحرص عليه وإدامة زخمه بين السجناء والموقوفين، الشيوعيين بالذات ، والذين جهدوا، في "السجون والمواقف"، لإرساء القيم الثقافية - الفنية ،أسبوعياً ، وفي المناسبات الوطنية ، أو تلك التي لها علاقة بتاريخ الحزب ومؤسسيه، وشهدائه.

برحيل "العاني" تنطفئ مرحلة متوهجة من تاريخ المسرح في العراق، فلقد اجتمعت به الموهبة الفنية والفكر الإنساني المتنور ، المنحاز لقيم التقدم والعدالة الاجتماعية- الإنسانية ، والانتصار إلى المهمشين في النسيج الاجتماعي.الفنان (يوسف العاني) من أوائل المسرحيين الذين تولهوا بحياة وحكايات وآمال بسطاء الناس ، وعمل في المسرح على طرح همومهم الحياتية وأحلامهم الإنسانية التي تنحصر في حياة لائقة - عادلة. لقد غاص بشغفٍ في الحياة العراقية ، (الشعبية) ، بخبرة عميقة، كمنت في وعيه الحاد المنفتح على التناقض الصارخ في الحياة الاجتماعية - العراقية، واستخدمها مادة لإعماله المسرحية، المتسمة بالرؤى الفنية ،المنفتحة على احدث التطورات الفنية المسرحية العالمية، وعمد فيها لتأرخة مراحل ملتهبة من تاريخ العراق، وبحث في عواملها و فواعلها ، معتمداً بوعيه الثاقب ، ومجسداً فنياً الرؤى، التي تركت تأثيراتها في تلك المراحل ، على تاريخ العراق السياسي، و حياة الشعب العراقي.

(فنان الشعب) انه استحقاق لا يدانيه أي استحقاق آخر، وهو مكافأة عمره المسرحي - الفني ، ومن الفخر، انه قد تمتع به في حياته من قبل الأوساط الشعبية - الثقافية. قام العاني بتأسيس "فرقة الفن المسرحي الحديث" مع الفنان الراحل إبراهيم جلال وعدد من الفنانين عام 1952، و تم مواجهة هذه المبادرة، من قبل النظام الملكي بحذر شديد ، ثم منعها من العمل ، وعاودت نشاطها ،بعد 14 تموز 1958 ، وأغلقت ثانية. بعد 1968 سمح لها بالعمل، ثم توقفت بعد الهجمة الشرسة، على القوى التقدمية منتصف 1978 ،تلك التوقفات ، و الانبعاثات ، للفرقة التي أسسها "العاني وإبراهيم جلال، برفقة بعض الفنانات والفنانين" يؤكد بأنها الشاهد تاريخياً، على إن الحركة المسرحية ونشاطها الجاد في العراق، ترتبط بنسائم الحرية والتوجه الديمقراطي مهما كان حجمه المتاح. ساهم و قدم (العاني) ، في السبعينات، مسرحيات رسخت في الوجدان العراقي، و منها "النخلة والجيران ، الشريعة ، الخان ، الجسر، الخرابة، البيك والسايق، نفوس..الخ" ، وكشفت للعالم العربي القدرات الفنية التي ينطوي عليها المسرح العراقي.

من المناسب أن نذكر في رحيل الفنان "يوسف العاني"، الدراسة المطولة ، للناقد المسرحي "بنيان صالح" التي وثق فيها التجربة المسرحية للفنان العاني، و نشرها أوائل السبعينات في مجلة (الآداب) اللبنانية ، لما وصفه بـ"مسرح العاني" وخصائصه التي أطلق عليها "العودة إلى النبع" متتبعاً الإخلاص النادر الذي يميزه.

جهد الفنان "يوسف العاني" إلى الارتباط بالشرائح التي تقبع في القاع الاجتماعي ، منطوية على طموحاتها، في حياة إنسانية - عادلة ، إلا أنها مغيبة عنها بفعل عوامل الصراع الاجتماعي .

نتيجة لعطاءاته الفنية المتعددة ، ورحلته المسرحية التي تتجاوز الـ(75) عاماً كرم الفنان "يوسف العاني"، من جهات مسرحية عالمية - عربية - عراقية، و أقيمت فعاليات خاصة به، وخص بقراءة شهادات عن منجزه المسرحي، شارك فيها عدد من أهم المسرحيين في مصر وسوريا والكويت والمغرب والبحرين والإمارات والاردن والعراق.

الموت لن يغيب ساحات الإبداع الفنية المتعددة، التي عمل عليها بجد ومسئولية ومثابرة وألقٍ متواصلٍ "فنان الشعب - يوسف العاني" طوال مسيرته الإبداعية ، وستبقى تجربته الفنية - المسرحية ضمن أهم العلامات المضيئة ، في سمو الثقافة الوطنية العراقية ، متعددة الأطياف والرؤى .
 

* كاتب عراقي
 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter