| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلفي

 

 

 

الخميس 12/6/ 2008



الاتفاقية العراقية الأمريكية.... تعجيل أم تأجيل ؟

جاسم الحلفي

تتصاعد يوم بعد آخر وتيرة النقاش حول الاتفاقية العراقية - الأمريكية منذ ان وقع السيد نوري المالكي رئيس وزراء جمهورية العراق والرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، "إعلان المبادئ" في كانون الأول الماضي، وتنوعت وتعددت وجهات النظر حولها، حتى بات من المتعذر توقيعها يوم 31 من تموز القادم، لذا فهي بهذا المعنى، سوف لا تدخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني من العام القادم، كما خطط لها.

فاتفاقية إستراتيجية كهذه تشمل مجالات مهمة وعديدة كالسياسة والاقتصاد والثقافة والأمن، لا يمكن بل يستحيل تمريرها عبر جدول زمني يحدد بهذا الشكل.
فالعراق بلد لم يخرج لحد الآن من تداعيات الحروب والحصار والاحتلال، ويحتاج إلى فترات أخرى كي يستعيد عافيته، كيف له ان يكون اليوم ندا في اتفاقية كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة اليد الطولى في تحريك قوات عسكرية يتجاوز عدد أفرادها على الأرض (130) ألف عسكري، غير إمكانيتها الأخرى ونفوذها وهيبتها ؟.

ومن جهة أخرى يحتاج المفاوض العراقي إلى عدد من المستلزمات، كي يتمكن من التفاوض بطريقة تمكنه من الحفاظ على حقوق الشعب العراقي، والدفاع عنها وعدم التفريط فيها، وهذه المستلزمات هي ليست فنية، تتعلق بالإمكانيات الشخصية لأفراد الفريق المفاوض، وإتقانهم للقوانين والقواعد الدولية والقدرة على الاتصال والتفنن في عملية إدارة التفاوض، مع أهمية ان يتمتع الفريق العراقي بقدرات شخصية جيدة وان توضع تحت تصرفه إمكانيات فنية وتقنية وخبرات كبيرة، غير ان ما يحتاجه فريق التفاوض العراقي هو توفر مستلزمات سياسية تعد في غاية الأهمية، وبدونها يصعب سير التفاوض بطريقة ترضي الشعب العراقي وتحفظ حقوقه.

وأول هذه المستلزمات هي الوحدة الوطنية الحقيقية التي بدونها لا يمكن التفكير بالمحافظة على حقوق العراق. وهذا ما يدعو القوى والأحزاب والشخصيات السياسية العراقية إلى إيلاء هذه القضية الاهتمام الكافي. كما ينبغي ان تعلن الاتفاقية وجميع بنودها إلى الشعب، كي يطلع عليها، ويساهم في مناقشتها، ويبدي وجهة نظره في مختلف بنودها. وإضافة لذلك يتعين تجنب استبعاد أي طرف سياسي من المساهمة في ابدءا وجهة نظرة بالاتفاقية، وان لا تنفرد إطراف معينة بذلك وتنوب عن الشعب.

ومن جانب آخر يجب ان لا تتضمن الاتفاقية أي بنود سرية، وان لا تحتوي على أي بند أو أي شرط لبناء قواعد عسكرية دائمة أو تواجد دائم للقوات.

والآمر الآخر، هو انه بما اننا ندعو دوما دول الجوار والقوى الإقليمية إلى عدم التدخل بالشؤون الداخلية العراقية، ونؤكد في الوقت نفسه على بناء علاقات حسن جوار وتبادل للمصالح المشتركة، لذا ينبغي طمأنة هذه الدول بان الاتفاقية لن تتم على حساب مصالح تلك الدول.

وهذه المستلزمات تتطلب وجهة سياسية وطنية تحضى بإجماع وطني، ووفاق شعبي عام، وجهد وطني مخلص، مقدر للأوضاع الاستثنائية التي يمر بها بلدنا، حريص على إخراج العراق من كل المواثيق التي تقيده بما فيها البند السابع. وكي لا نفرط بالتفاؤل، ونبتعد عن الواقع الذي نعيشه ونتلمسه، علينا الإقرار بعدم إمكانية تحقيق ذلك في الأمد المنظور، مما يتطلب وقتا كافيا لتحقيق هذه المستلزمات التي بدونها يستحيل ان يعقد العراق اتفاقية تحفظ حقوقه، وتصون كرامته وتحقق طموحاته.

اما من ناحية الجوانب الفنية، فان الاتفاقية لابد أن تمر بعدة مراحل، منها التفاوض والتفويض، والاتفاق على لغة أو لغات المعاهدة، وتحريرها، وصياغتها، وتوقيعها، والمصادقة عليها، دع عنك تسجيلها وإيداعها. والمتابع المطلع على سير عملية صياغة القوانين في العراق اليوم، يرى بوضوح ان ابسط قانون يأخذ وقتا و يتأخر طويلا، فكيف يمكن الالتزام بجدول زمني وضع مسبقا لتوقيع اتفاقية بهذا الحجم؟

ويمكن الاستفادة من تجربة العراق بصدد اتفاقية عام 1930، وان كانت وقفة الشعب العراقي الباسلة آنذاك غير مقنعه، في هذا الوقت للبعض، بحجة تغير الظروف والأحوال وتطور العلاقات الدولية ومواثيقها، فيمكن إيراد الحجج ذاتها، أمام من يدفع نحو الاستعجال في توقيع المعاهدة، استنادا الى تجربة الاتفاقيات التي عقدتها أمريكا سواء مع اليابان أو ألمانيا!

أما حول حق العراق وحاجته للخروج من البند السابع، كي يعدو بالتالي دولة مستقلة ذات سيادة كاملة وغير منقوصة، فهذا ممكن عبر استخدام العراق للعلاقات الدولية، والمصالح المشتركة مع الجيران والأشقاء والأصدقاء في العالم، واستثمار تعاطف شعوب العالم وتفهمها للصعوبات التي يعيشها الشعب العراقي. وهذه نقطة قوة أضافية بيد المفاوض العراقي، وستصعب موقف المفاوض الأمريكي، وتحرج الإدارة الأمريكية، ان استخدمت حقها بالفيتو ضد مشروع قرار إخراج العراق من البند السابع، وتسقط حجتها " في بناء الديمقراطية في العراق".
العراق بهذا المعنى ليس في عنق الزجاجة كما يحلو للبعض ان يصفه، بل هناك آفاق للتقدم، هذا إذا عملت الحكومة على تحقيق الوحدة الوطنية، واستثمرت قدرات الشعب العراقي، وأصدقائه في الخارج، وهم ليسوا قلة على أية حال.

 


 

free web counter