| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلفي

 

 

 

الأحد 1/8/ 2010

 

حكومة التوافقات الإقليمية

جاسم الحلفي

لم تكن التدخلات الإقليمية في الشأن العراقي خافية على الرأي العام العراقي، فقد اتخذت أنماطا متنوعة، وبرزت تجلياتها بصور متعددة، وعظم دورها بشكل مطرد في خضم العمليات الانتخابية، منذ مساهمتها في تشكيل بعض الائتلافات الانتخابية. والغريب ان البعض لم ينف عنه تهمة الارتباط بهذا البلد الإقليمي او ذاك، وإنما عدَّ ذلك من نقاط قوته التي تضيف الى شخصيته كاريزما استثنائية، تؤهله لقيادة العراق. والحديث هنا لا يدور حول دور القادة السياسيين في بناء علاقات حسن جوار تقوم على المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية واحترام خصوصية كل نظام سياسي، كما هو مفترض في بناء العلاقات الدولية. هذه الوجهة تقع ضمن مسؤوليات وزارة الخارجية بشكل أساسي، لكن الأمر ابعد من ذلك بكثير، فقد صرح ذات يوم السيد هوشيار زيباري وزير خارجية العراق بان الانتخابات التي جرت يوم 7 آذار 2010 إنما هي انتخابات إقليمية. وكان هذا التصريح بمثابة رسالة رسمية تعبر عن امتعاض خفيف من حجم التدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية العراقية. فالدعم المادي والإعلامي الكبير الذي حظيت به بعض القوائم من الدول الإقليمية كانت بالحجم الذي لا تستطيع تلك القوى إخفاءه وإنكار وجوده، فسخاء الدعم بالشكل الذي حدث ظهر وكأنه انتخاب ممثلي تلك الدولة وليس ممثلي الشعب العراقي، الساهرين على مصالحه.

لم يكن هدف كل أشكال الدعم السياسي والمالي والإعلامي الذي قدمته الدول الإقليمية، لعمل الخير والإحسان انما هو استثمار سياسي، لفرض إرادة هذه الدول وتأمين مصالحها، يقابله التفريط بمصالح الشعب العراقي والكرامة الوطنية. فالدعم الذي استلطفه البعض وقبله ما هو الا قيود إذلال، لا يستطع أي زعيم ارتضى لنفسه ذلك ان يلقي عن كاهله ثقل الاستحقاقات التي يجب ان يوفرها لجهة الدعم. وبهذا المعنى لم يكن في وارد تلك الدول، مصالح الشعب العراقي، ولا مكان لأولوياته في جدولها. اما ادعاء السياسيين الذين ارتضوا لأنفسهم ان يكونوا أدوات طيعة في لعبة الصراع الإقليمي على حساب الشعب العراقي، بانهم إنما يقيمون هذه العلاقات انطلاقا من مصلحة الشعب العراقي، فهو محض كلام ليس له رصيد على ارض الواقع. لذا فقد شكل التدخل الإقليمي، احد عوامل استعصاء تشكيل الحكومة، ومن هنا فان حركة الوفود العراقية، ذهابا وإيابا، الى الدول الإقليمية، وكذلك الاجتماعات التي تعقد في تلك الدول هي صورة واضحة تكشف، مرة أخرى، اللعبة الإقليمية. وأصبحت هذه التدخلات من الحجم بحيث عدَّها البعض العامل الحاسم في تشكيل الحكومة، فيما شكلت فكرة التوافقات الإقليمية لتسمية المرشح لتشكيل الحكومة، خرقا فاضحا لمصالح العراق، وتدخلا سافرا في الشؤون الداخلية.

وبهذا، وكما ساهمت مفاعيل تدخلات الخارج وامتدادات الداخل، في تحطيم لبنان وتمزيقه، ستعمل على تشويه النسيج الوطني العراقي، الذي يبدو وكأنه أصبح عند البعض حديث عن قيم ولى زمانها.
وهكذا تراجعت فكرة التوافق الوطني لتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية بعيدا عن التدخلات الدولية والإقليمية، حكومة خارج لعبة المحاصصة الطائفية، تعتمد المشروع الوطني، واتضح بشكل جلي عجز العقلية السياسية المتنفذة عن إدراك مخاطر المضي في هذا النفق حتى نهايته.

ان التحليل الذي يؤكد على ان المواطن يتحمل مسؤوليات خياراته، وما نشهده اليوم ما هو الا نتيجة لما تمخض عن الانتخابات ونتائجها، هو حديث يطرح نصف الحقيقة، واما نصفها الآخر، فان النتائج أيضا كشفت عن عمق الأزمة وتجلياتها من خلال تبيان عيوب مقدمات الانتخابات وقانونها والتدخلات غير المنصفة في صفحاتها، فضلا عن الانتهاكات والتزوير، وهو كذلك فضح للمسببين fجر البلاد الى هذا المأزق.

ان تجارب العالم المعاصر بينت انه لا يمكن استخدام الانتخابات، طريقا للالتفاف على الأزمات، بل الآمر يتطلب مسبقا حلولا وطنية مقنعة، ومقبولة وممكنة، ثم تأتي موضوعة الانتخابات وإجرائها، بعد توفير مستلزماتها القانونية والفنية المطلوبة، كطريقة للتمثيل السياسي. هكذا كانت تجربة جنوب أفريقيا، فيما لم تحل الانتخابات التي شابتها العيوب والنواقص والانتهاكات أي مشكلة، فهي لم تحل أزمة الحكم في السودان، ولا هي كذلك تمكنت من وضع أفغانستان على طريق الأمان. لذا فالرجوع الى الشعب العراقي، هو القرار الصحيح، كي يقول كلمته بهذه الأزمة، شرط توفير الآليات الكفيلة بممارسة هذا الدور، ومن بينها فتح النقاش على فكرة إعادة إجراء الانتخابات، كمخرج دستوري يكون للشعب فيه الدور في إخراج العراق من هذه الأزمة بدلا ان تأخذ التدخلات الدولية والإقليمية دور المقرر الأكبر.

 

 

 

free web counter