|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس 6/12/ 2012                                 جاسم الحلفي                               كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حساسية النساء للفواجع

جاسم الحلفي

لعل النساء العراقيات أكثر منا، نحن الرجال، تحسسا لفواجع وكوارث الحروب وتداعياتها.وذلك نظراً لانعكاسات ويلات الحروب عليهن بأكثر الصور مأساوية، حيث الترمل، وفقدان المعيل للكثيرات منهن. لهذا تجدهن يتطلعن للسلام في بلد شهد حروباً خارجية وداخلية خلال العقود الماضية، وما زالت والجروح التي خلفتها لم تندمل بعد. وها هن النساء الكرديات في خانقين يخرجن من بيوتهن هذه المرة للمطالبة بالسلام، ورفض الخيارات العسكرية، وتجنب التصعيد في الخطاب الاستفزازي، وفي التحشيد العسكري المتقابل بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان.

لقد رفعت النساء في خانقين لافتات تطالب بالتخلي عن النهج العسكري كوسيلة لحل الأزمات. وان يكون الحوار والحلول السلمية بديلا عن التصعيد العسكري. كذلك تسعى النساء في بغداد من جانبهن الى تنظيم عدد من الفعاليات من اجل السلم الأهلي، وضد العنف الذي لم يغادر يوميات العراق. ولا شك في الأهمية الاستثنائية لهذه الفعاليات الطوعية، التي تجسد السعي لحشد القوى المدنية الرافضة للتصعيد، ولتهدئة الأوضاع، والحيلولة دون اندلاع الحرب. وهنا يكمن الشعور الإنساني العميق لنساء العراق، وشجاعتهن ورجاحة عقولهن، لاسيما وهن يستحضرن كوارث الحروب وويلاتها في هذا الظرف الخطير الذي يراد به جر العراق الى حرب داخلية خطيرة، ومن هنا ضرورة دعم هذه الفعاليات وإسنادها، وإبراز رسالتها الهادفة إلى بناء السلام.

فالحرب ليست حلا يلجأ إليه الحكماء، إنما هي تعبير عن أزمة فكر وأداء الذين لا يشعرون بمسؤولياتهم الوطنية والإنسانية، هؤلاء المغامرين الذين يسترخصون حياة غيرهم عندما يعجز عقلهم عن ابتكار الحلول للازمات التي أوقعوا العراق فيها. ومن الواضح ان التحفز ضد الحرب قبل اندلاعها، يأتي من جانب من ذاق مرارات الحروب، فهو يستشعر خطرها عند أول تهديد يطلقه مسؤول مغامر، وها إني أتذكر مقولة تنص على "ان إشهار السلام هو استخدام السلاح بحد ذاته". وهذه المقولة استحضرها كثيراً هذه الأيام، وانا أتابع أخبار التصعيد العسكري بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم على جبهة طوزخرماتو، وسعة التحشيدات العسكرية بين الطرفين وهم يدفعون بأعداد كبيرة من العسكريين الشباب، ومن معدات الحرب الى المواجهة، ويفزعني خصوصاً ما يمكن ان ينتظر هؤلاء الشباب الذين دفعت البطالة بأغلبهم للتطوع في الجيش والبيشمركة. فالحكومة لم تقم بإعادة تأهيل المعامل والمصانع، لكي يعملوا فيها وينتجوا بضائع للحياة، ولم تصلح لهم الاراضي كي يزرعوها. لذا فهم بهذا المعنى ينساقون مجبرين الى مواجهة جنونية، لا معنى لها، ورغم إرادتهم. ان العقل العاجز يدفع للمواجهة شبابا، لم يتصفح كثيرون منهم الدستور الذي حدد مهمة الجيش في العراق الجديد بالدفاع عن حدود العراق، وعدم استخدامه في الصراعات السياسية الداخلية.

ومن هذا الباب يكون من واجب المدركين للمخاطر الحرب دعم المبادرات المدنية، التي تنشط في إطارها الحركة النسوية، ومنظمات المجتمع المدني، والمثقفون من كلا الجنسين. فالسلام هو باب الاستقرار ومفتاحه.

 

 
 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter