|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  7  / 5 / 2016                               جاسم الحلفي                               كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الحركة الاجتماعية في العراق: أساليب متنوعة باتجاه الهدف (*)

جاسم الحلفي
(موقع الناس)

المقدمة:
تندرج موضوعة المظاهرات الواسعة التي انطلقت في 25 شباط 2011 وتواصلت صعودا وهبوطاً واتخذت زخماً جماهيرياً واسعاً في 31/تموز/ 2015، وشملت مراكز المحافظات والأقضية والنواحي، واستقطبت قطاعات شبابية من مختلف طبقات المجتمع وفئاته الاجتماعية، ضمن مفهوم الحركات الاجتماعية الجديدة، التي تجلت بداية في الحركة الطلابية في فرنسا أواسط عام 1968، عند نزول الطلاب إلى الشوارع وانضمام العمال إليهم، واستجابة أوساط واسعة من الشعب الفرنسي سريعا وبصورة منسقة، أدهشت العالم وأذهلته.

مفهوم الحركات الاجتماعية

انصب الكثير من الاهتمام على الحركة الاجتماعية الجديدة، التي انتشرت واتسعت نشاطاتها على مستوى بلدان متنوعة وعلى مستوى العالم، وتوقف المفكرون عند خصائصها وسماتها، التي ترتكز على أفقية التنظيم، ووحدة الهدف، وسعة النشاط، وشعبية المساهمين به، وغيرها.

لم يكن من بين مساعي الحركات الاجتماعية الاستحواذ على السلطة السياسية كما هو شأن الأحزاب السياسية، مع أنها تعمل على توظيف آليات العمل السياسي المباشر لممارسة أنشطتها وتحقيق أهدافها. فهي ترفع مطالبها إلى صناع القرار وتسعى للتأثير في صنع القرار، لا أكثر. فهي لا تسعى إلى الاستحواذ على مؤسسات السلطة، ولا تزاحم الأحزاب السياسية في مجال نشاطها، إنما فقط تأمل في ترسيخ نمط معين من المشاركة السياسية، بغية التأثير على وحدات صنع القرار وتحقيق مكاسب سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية على مستويات متعددة.

وقد نجحت في استخدام وسائل الاتصال الالكتروني للتحشيد وفي فتح النقاش من خلالها لتحديد المطالب وصياغة الأهداف. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى حركة "احتلوا وول ستريت" التي بلغت ذروتها في 15 تشرين الأول 2011، كمثال ملموس للقدرة على التحشيد، كما فاجأت العالم بقدرتها على كسر القوالب الجاهزة ورفع مطالب ملموسة، استطاعت عبرها كسب تعاطف الناس، وشدتهم نحو مصالحهم المشتركة. هكذا عبرت هذه الحركات عن شكل معين للمواجهة بين المستغَلين والمستغِلين، بين المتطلعين إلى عالم أكثر عدلا وبين المتحكمين بالسلطة والمال والذين لا حد لجشعهم ونهمهم.

ينظر عددا من المفكرين ومنهم آلان تورين عالم الاجتماع الفرنسي، إلى مفهوم الحركة الاجتماعية من زاوية نضالات الشعوب؛ إذ تقوم بالأساس على تداخل ما هو سياسي وما هو اجتماعي في مكونات هذه الحركات وأنشطتها وأهدافها، مع أن هناك من يرفض العمل السياسي خشية نتائجه الوخيمة، فجعل النشاط سياسي ضمن ما هو نشاط اقتصادي واجتماعي ضمن إطار الحركة.

وعبر آلان تورين عن الحركات الاجتماعية الجديدة بالقول: (نحن نعايش بالفعل اختفاء نهج حسب تعبير شارلي تيلي
Charles Tilly- الحركات الاجتماعية للمرحلة الصناعية : مظاهرات الجماهير، الشعارات القديمة، فكرة الاستيلاء على السلطة. لقد كنت شاهداً في مايو 68 في باريس للقاء بين هذا النهج القديم وهو نهج الإضراب العام الذي استخدمته الاتحاد العام للعمال C.G.T والنهج الجديد الذي ابتكره الطلاب وتفهمه بذكاء سياسي شديد).

ان الحركات الاجتماعية الجديدة (
new social movements)، أو الحركات الاجتماعية المعاصرة هي "سلسلة من الحركات الاجتماعية التي ظهرت في المجتمعات الغربية، منذ الستينيات من القرن الماضي، رداً على المخاطر المتقلبة التي تواجه المجتمعات البشرية. وتضم هذه التيارات الحركات النسوية والبيئية، وتلك المضادة للأسلحة النووية والاحتجاجات على الأغذية المعدلة جينياً، والتظاهرات المعادية للعولمة. وتختلف عن غيرها من الحركات الاجتماعية؛ حيث إنها تشن حملاتها من اجل قضية واحدة ولتحقيق أهداف غير مادية، كما أنها تستمد الدعم والمساندة من جميع الطبقات.

ظهرت الحركات الاجتماعية الجديدة خلال القرن العشرين، واستمر حراكها إلى القرن الحادي والعشرين، وامتاز نشاطها بالتعدد والتنوع والفاعلية على مستوى كل دولة وعلى المستوى العالمي. حيث كسرت القوالب الجاهزة ورفعت قضايا ملموسة، مما كسب عطف الناس لها، وشدتهم نحو التعاون المشترك، حيث وجدت لها أطرا واسعة، كحركة الحقوق المدنية، أو الحركات المنادية بحقوق المرأة كحق المشاركة السياسية، ومنها الحق في الاقتراع، والدفاع عن البيئة والوقوف ضد الحرب ومناهضة الفقر والأمراض والأمية. ويرى (
Castells) أحد علماء الاجتماع المحدثين "أن عصر المعلومات الذي نعيشه الآن قد شهد تحولاً جذرياً في الحركات الاجتماعية الحديثة. ويدرس هذا البحث حالة ثلاث من الحركات الاجتماعية، المختلفة كل الاختلاف في أهدافها ومراميها وطبيعة نشاطها ومواقعها الجغرافية، ولكنها استأثرت باهتمام عالمي واسع، من خلال استخدامها تقنية المعلومات. ولولا استخدام هذه الحركات شبكات الإنترنيت وانتشارها الفوري عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والفضائيات، لبقيت جماعات معزولة ومغمورة في مواطنها الأصلية في المكسيك،والولايات المتحدة الأمريكية،واليابان؛ إذ توفرت لها إمكانات مهمة لرفع مطالبها وعرض قضاياها، بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات، وما استجد من وسائل الإعلام والانترنيت والبريد الالكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي التي استخدمتها هذه الحركات كوسائل للتعبئة والتحشيد، إلى جانب توظيفها لبلورة الأفكار وتنظيم الحملات، وتحديد المطالب، والدفاع عنها، ما جعل اتجاهها ينتشر على نطاق واسع في كل أوربا والأمريكيتين الشمالية واللاتينية، وتميز وجودها بقدرتها على إيجاد أشكال تنظيمية مرنة ومتعددة.

بواعث انبثاق الحركة الاحتجاجية في العراق

تشكل الحراك الاجتماعي الراهن في العراق على خلفية أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، أهم مظاهرها تعمق الفوارق الاجتماعية بفعل الاستقطاب الكبير في توزيع الدخل والثروة. والحراك الحالي هو احدث صور الاحتجاج على الأوضاع المزرية التي يقبع العراقيون تحت نيرها، وهو يعد مؤشرا واضحا على رفضهم نظام المحاصصة الطائفية والفساد، وسخطهم خصوصا على نهج اقتسام الغنائم الذي هو أساس بناء النظام السياسي والإداري بعد 2003. حيث تمترس الفساد في مؤسسات الدولة واستباح ثروات العراق وبددها، وتسبب في تدهور الوضع الأمني ووقوع ثلث مساحة العراق تحت احتلال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وفي تكوين المليشيات و انتشار السلاح خارج المؤسسات العسكرية للدولة.

إن أزمة النظام واضحة لا ريب فيها، ويتجلى احد مظاهرها في عجز النظام عن دفع رواتب عدد من المؤسسات في أوقاتها، والتلكؤ في صرف رواتب عمال شركات التمويل الذاتي، واتساع البطالة بين الشباب خاصة بين الخريجين، وعدم القدرة على توفير الخدمات للمواطنين. وكان النقص في تجهيز الكهرباء في صيف ارتفعت درجات الحرارة فيه إلى أكثر من 50 درجة مئوية، من بين أسباب اندلاع المظاهرات، التي بدأت في البصرة. وقد جوبهت باستخدام العنف المفرط في محاولة لقمعها، ما يؤكد عجز السلطات أيضا عن إقناع الجماهير الغاضبة بصدق وجدية وعودها بالاستجابة لمطالبهم العادلة، وعزمها على تحسين أوضاعهم وتوفير فرص العمل لجيوش العاطلين. لكن القبضة البوليسية التي طالما رفعتها الأنظمة المستبدة في وجه كل مطالب بالحقوق والحريات، والوسائل الأخرى القاسية التي تستخدمها لإخضاع المواطن وإذلاله، ومن ضمنها مواجهة انفجار سخطه بالنار والذخيرة الحية، لم تثن إرادة المحرومين عن انتزاع حقوقهم من غاصبيها. وكان لاستشهاد الشاب منتظر الحلفي في "المديّنة" بمحافظة البصرة، بذرة انطلاق حراك جماهيري كبير، أعاد الاعتبار لحركة الاحتجاج والدفاع عن الحقوق، واستعاد مآثر الشعب العراقي ووقفاته الباسلة ضد الظلم والاستغلال والاستبداد.

سمات الحركة الاحتجاجية

1- وضوح الهدف: لم يلتبس شيء على المتظاهرين، الذين طالبوا بوضوح وجرأة بإصلاح النظام السياسي وتخليصه من المحاصصة والفساد والترهل، واعتماد الهوية الوطنية بدلا عن الهويات الفرعية في السياسة والإدارة.

2- البعد الوطني للمظاهرات: إذ شملت محافظات العراق كافة، بأقضيتها ونواحيها وقراها، باستثناء الواقعة منها تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وللدلالة على وطنيتها رفعت العلم العراقي دون غيره من الإعلام، ولم تسمح برفع صور الرموز الدينية والحزبية.

3- الطابع الشعبي العام: وتجلى في إسهام ناشطين من جميع طبقات وفئات المجتمع العراقي، عمالا وفلاحين ورجال أعمال ومثقفين ونساء، فيما كان الحضور الغالب للشباب.

4- المحتوى الاجتماعي: فالقضايا والمطالب التي تمس الجانب الاجتماعي، حاضرة بوضوح كبير في شعارات المتظاهرين وهتافاتهم المنادية بالعدالة الاجتماعية، والضمان الاجتماعي ومكافحة البطالة، وتضييق الهوة بين مستويات الدخل، ومعالجة سلم الرواتب.

5- مشروعية المطالب: ذلك إن ما يطبعها بنحو خاص هو كونها مشروعة وممكنة، ومن ضمنها ما يمس عيش الإنسان وحقوقه واحترام آدميته وضمان كرامته. والأموال التي رصدت في الميزانيات كفيلة بتوفير حاجات المواطنين، لو لم يستحوذ عليها السياسيين الفاسدين، و لو إن إدارتها جرت بحرص وكفاءة وأمانة.

6- سلمية الأسلوب: فقد مارس المواطنون حقهم في التعبير عبر تنظيم مظاهرات سلمية، مارست الكفاح اللاعنفي.

7- الشكل التنظيمي للمظاهرات: اتبع المتظاهرون الشكل الأفقي في التنظيم، وفي التنسيق عبر عدد كبير من اللجان التنسيقية. فمنظمو المظاهرات يعقدون اجتماعات ولقاءات، تنعكس أفكارها وقراراتها في صفحات التواصل الاجتماعي، حيث يتم تحديد مكان التظاهر وزمانه والوقت الذي يستغرقه، كذلك المطالب الأساسية والأهازيج والبيانات.

مطالب الحركة الاحتجاجية

لقد خرج المتظاهرون بقوة واندفاع حاملين مطالبهم المشروعة، التي لخصوها بثلاث نقاط رئيسة هي:

إصلاح النظام السياسي وتخليصه من المحاصصة الطائفية التي هي أس الأزمة وأساس اعوجاج النظام وفشله، والعمل على إعادة بناءه على وفق المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.

الموقف الواضح ضد الفساد الذي تمترس في مفاصل الدولة ونخر في مؤسساتها، وضرورة محاسبة الفاسدين والإسراع في تقديمهم للقضاء كي يقول كلمته فيهم، وكي ينطق بكلمة حق عادلة وشجاعة، ما يتطلب إصلاح القضاء وتخليصه من التأثيرات السياسية والطائفية والاثنية، وتعزيز استقلاليته، وعبر جملة من التشريعات والإجراءات السريعة.

الخدمات التي تمس معيشية وحياة المواطنين.

ومن اجل هذه المطالب التي رفعت بوضوح تام عبر الآلاف من الشعارات، خرج المتظاهرون إلى الساحات والشوارع بقوة، ولم يبخلوا بشيء للتعبير سلميا عن حبهم لوطنهم الذي يتطلعون إلى رؤيته آمنا مستقرا ومزدهرا. وصدحت أصواتهم من اجل ذلك، وواصلوا كفاحهم اللاعنفي منذ انطلاق التظاهرات بهمة ونشاط وصبر لافت للنظر، ولم يفت في عضدهم ما رافق ذلك من حملات تشويه وضغط وإكراه وتهديد وخطف وقتل.. في أكثر من مكان.

إن الجدية في الإصلاحات تتطلب تشكيل فريق عمل مقتنع بالإصلاح الشامل، فريق مقتدر، نزيه، فعال، منفتح على الآخرين، سيما المتظاهرين، وهذا عسير من دون سند من القوى السياسية والمدنية التي لها مصلحة في الإصلاح. فلا يمكن تصور نجاح يتحقق عبر قدرات شخص واحد مهما امتلك هذا الشخص من مؤهلات وقدرات وصلاحيات.

إن عملية الإصلاح، بالقراءة الجذرية لها، تتطلب فهما عميقا للازمة وتصورا متينا للخروج منها، و تناسب قوى فعال يحسم الصراع باتجاه بناء النظام على وفق المواطنة وتخليصه من منظومة المحاصصة والفساد، كي يكون قادرا على دحر الإرهاب والفوضى، وعلى مباشرة البناء والأعمار والتنمية.

قوى الإصلاح ومناهضيه

في شأن تأثير المظاهرات على أصحاب القرار نقول إن سعتها وتحليها بالسمات الآنفة الذكر، ترك أثره في تعامل أوساط مهمة مع المتظاهرين، وفي اتساع التأييد لها. ويمكن الإشارة هنا إلى موقف المرجعية الدينية في النجف من المظاهرات، ورد فعل الحكومة، وموقف رموز المحاصصة والفساد منها :

المتظاهرون: الذين يطالبون بتطبيق حزمة الإصلاحات المعلنة، وينتظرون ترجمة ملموسة لها. ومن وجهة نظرهم يجب إن يشمل الإصلاح النظام برمته، وهم عازمون على مواصلة حضورهم في ساحات التظاهر والتحشيد لها بقوة، دعما للإصلاحات وتعبيرا عن رفض ومقاومة إي محاولة للتراجع عن الإصلاح أو الالتفاف عليه أو الانقلاب.

المرجعية الدينية : أيدت مطالب المتظاهرين تأييدا واضحا من خلال خطب الجمعة، التي تهتم بنقلها وسائل الإعلام. وشجع ذلك أوساطا واسعة على الانتظام في المظاهرات، كما أسهم في الضغط على صاحب القرار ليتخذ موقفا ويحدد الإجراءات المتصلة بالتعامل مع المظاهرات. إذ أن المرجعية الدينية كانت واضحة جدا في وقوفها مع المتظاهرين ودعمها لهم بقوة، ولم تتراجع عن ذلك في خطب الجمعة، التي ركزت من خلالها على الخاص والعام في أزمة النظام السياسي وضعف بنيانه، جراء المحاصصة الطائفية والفساد. وطالبت الحكومة بالاستماع إلى مطالب المتظاهرين، كما فتحت أبوابها مشرعة لهم ولمطالبهم المشروعة فيما أغلقتها أمام المسؤولين، وأشّرت باستمرار ملفات الفساد وأفعال المفسدين المشينة والشنيعة، وقدمت نصحا مخلصا لدعاة الإصلاح، وحذرت من الالتفاف على مطالب المتظاهرين ومحاولات تشويهها أو التباطؤ في تنفيذها أو التلكؤ في الإصلاح.

رئيس الحكومة : استجاب رئيس الوزراء لمطالب المتظاهرين، خاصة بعد تأييد المرجعية لها، وسارع إلى تقديم ورقة الإصلاح الأولى التي صادق عليها مجلس الوزراء بالإجماع، ثم صادق عليها البرلمان، وألحق الاخير بها ورقته الإصلاحية. واستقبلت أوراق الإصلاح بترحيب كبير، حيث أنها حسمت المسار في اتجاه الإصلاح. لكن كل ذلك لم يقنع المتظاهرين بان عجلة الإصلاح تحركت فعلا، نظرا إلى ضعف الثقة بالحكومة، وبسبب كثرة الوعود التي سمعها الناس من رؤساء الحكومات السابقين ووزرائهم، ولم يروا ترجمة ملموسة لها. وفي الوقت الذي يواصل المتظاهرون أنشطتهم من اجل الإصلاح، تدعمهم المرجعية بوضوح وقوة، لم يرتق أداء رئيس الوزراء للأسف إلى مستوى (المعركة) وتحدياتها، وهذا ما أعطى فرصة لرموز المحاصصة والفساد لالتقاط أنفاسهم وإعادة ترتيب أوراقهم، وتنظيم قواهم. وشكل هذا الضعف صدمة أشرت حقيقة إن الإجراءات التي أعلن عنها، لا تقع ضمن رؤية إصلاح واضحة، ولا تندرج في برنامج إصلاحي شامل، ولا يشملها منهج علمي يحتوي على وحدة قياس. وهذا ما ولد خيبة أمل في شأن قدرة رئيس الوزراء على قيادة حركة الإصلاح، في الاتجاه الصحيح والمنتج.

موقف معارضي الإصلاح : الذين يمثلون رموز الطائفية والفساد، فهؤلاء سيبذلون ما بوسعهم للتمويه والتشويه والتحريف والالتفاف، وللتعطيل والمعاندة واللعب على عامل الوقت بغية الإفلات بأقل الخسائر. فهم يدركون أن عملية الإصلاح ستضعهم، إن تمت بالصورة المطلوبة، وجها لوجه أمام القضاء ليقتص منهم بعدله، في استرجاع أموال الشعب العراقي المنهوبة منهم، إلى جانب إنهاء طموحاتهم السياسية وما يكتنفها من مشاريع فساد.

محاولة تلخيص : بعض الاستنتاجات

من خلال المتابعة الميدانية للمظاهرات، والمشاركة المباشرة فيها، رصد الباحث عدد من الاستنتاجات ويود ان يطرحها على هذا النحو :

- لا يمكن ان تحقق الفعاليات الاحتجاجية والتظاهرات الشعبية كامل اهدافها ومطالبها السياسية دفعة واحدة، فالتغيير يأتي من خلال التأثير التراكمي لأشكال العمل الجماهيري الاحتجاجي بتنوعه، والحراك الحالي، الذي لا يزال متواصلا ويمتلك احتياطيا جماهيريا يغذي زخمه، هو سيرورة مفتوحة الآفاق من المبكر الجزم بما ستكون محصلة انجازاتها المباشرة وغير المباشرة.

- إن عجلة الإصلاح بدأت بالدوران، وان من الصعب إيقافها. وفي المقابل من المهم أن تأخذ زخما واقعيا، لا تسرع فيه غير مدروس، ولا تباطؤ يخمد حركتها ويطفئ جذوتها، مع العمل على تأمين وإدامة الزخم الواقعي بما يحقق الأهداف المبتغاة.

- سعى المنظمون للحراك الاجتماعي إضفاء التنظيم على جميع مفاصل حركة التظاهر والاحتجاج، وتنسيق أنشطتها، والحفاظ على وجهتها نحو إصلاح النظام عبر تخليصه من المحاصصة والفساد.

- نجح منظمو الحركة الاجتماعية ومنسقيها بفتح حوار مباشر وهادئ مع المرجعية الدينية في النجف، وكان وجود الشباب واضحا في وفود حركة الحركة. وقد أثمر هذا الحوار تحويل التعاون من تناغم في الخطاب العام الى بحث القضايا بملموسية اكبر.

- إن النظام السياسي الحالي القائم على المحاصصة الطائفية والأثنية، عاجز عن تقديم اية انجازات جدية مقنعة، وغير قادر على إحداث نقلة ملموسة في الوضع المأساوي الذي تعيشه الجماهير، لذا لا بد من الاسراع في اعادة بناء النظام السياسي على وفق المواطنة.

- اتساع الوعي بأهمية بناء الدولة المدنية التي تعتمد مبدأ المواطنة في بنائها بديلا لموضوعة المكونات على اساس طائفي واثني.

- اثبت الحراك فشل المحاولات التي تراهن على عدم مبالاة المواطنين وعدم مطالباتهم بحقوقهم.

- بروز دور الشباب وفعاليته وقدرته على تحريك الرأي العام وحشد المواطنين، ولم يبق تحريك الشارع فقط بيد بعض القوى التي تحركه بالشعارات الطائفية.

- رفع مستوى الوعي لدى الشباب بأهمية مشاركتهم السياسية، واتساع المطالبة بالعدالة الاجتماعية اذ ارتفعت المطالبة بها بملموسيات واضحة، وبفعل استمرار الانشطة الاحتجاجية والمطلبية التي مارسوها تكونت لهم ذخيرة من الخبرة والتجربة الميدانية، جعلت من الاحتجاح والتظاهر ممارسة اعتيادية وكسرت الخوف والتردد إزاءها لدى المواطن الاعتيادي.
 

(*) نشر في مجلة الثقافة الجديدة العدد 380 ك2 2016


المصادر
1. جيرار بن سوسان وجورج لابيكا، معجم الماركسية النقدي، دار محمد علي للنشر، تونس، 2003.
2. آلان تورين، نقد الحداثة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 1997.
5. محمود ممداني، دراسات أفريقية عن الحركات الاجتماعية والديمقراطية في أفريقيا والعالم العربي - الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 2010.
6. فارس كمال نظمي، جدلية أفول الأسلمة وبزوغ الوطنياتية في العراق، جريدة "المدى"، العدد (3451) في 8 / 9/ 2015
7. جاسم الحلفي، وعي وتنظيم ونشاط مستمر، "النداء" اللبنانية 21 آب، العدد 270.
8. رشيد الخيون، تظاهرات بغداد ضد دينكم السياسي، نشر في موقع العراق نت الإلكتروني، 12/8/2015،
 http://aliraqnet.net/archives/16067
9. جاسم الحلفي، الضلع الضعيف في مثلث الاصلاح، جريدة "طريق الشعب"، العدد 41، 1/10/2015.
10. ضياء الشكرجي، إرادة الشعب تنتصر هل نشهد بداية البداية؟، نشر في موقع الحوار المتمدن الإلكتروني، 11/8/2015،
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=480042
11. حركة الاحتجاج بين حسن التنظيم وزيادة الزخم، جريدة "طريق الشعب"، العدد 46، 8/10/2015.








 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter