| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم المطير

 

 

 

                                                                                    الأربعاء  2 / 4 / 2014

 

تعقيب وتصويب وعتاب

جاسم المطير *

مع الأسف الشديد أنني اضطر إلى القول، بدايةً، أن رفاقي الراحلين من نزلاء سجن نقرة السلمان لن يستطيعوا النهوض من رقدتهم ليقدموا شهاداتهم عن عمق الزمن القاسي في ستينات القرن الماضي وعن وجود آلاف الشيوعيين، في باطن ذلك العمق الذي تحرك بضوئه مناضلون أبعدتهم الفاشية العراقية عن الحرية وعن الهواء الطلق برميهم في ظلمة مطلقة داخل أسوار (نقرة السلمان) البغيضة ليقبعوا في عالم صعب وخشن للفترة المظلمة التي ارتفعت فيها درجة الحرارة الفاشية بانقلاب 8 شباط عام 1963 وما بعده.

كنت واحداً من أولئك الذين مكثوا في عالم ما تحت سطح الأرض مع آلاف المناضلين، المقاومين لبرودة الشتاء القارص ، المتجاوزين لحرارة الصيف الشديدة .

في عالم نقرة السلمان نهضتُ من إعياء تعذيب وعذاب فاشي، استمر أكثر من 7 شهور متواصلة، فكان لي شرف كبير ضمن مجموعة من السجناء الشيوعيين لمتابعة وتحرير الصوت الحر، الذي يُسمع صباح كل يوم، حين يرتفع صوت قارئ (الجريدة السجنية اليومية) في كل القواويش داخل السجن، بوقت واحد، هو الساعة الثامنة صباحا، إذ يتعرف السجناء على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية التي تحدث فوق قيعان وادي (نقرة السلمان) وخارجها وصحرائها، بل في العراق كله والعالم العربي والخارجي، أيضا.

كتبتُ مذكراتي ،عن تلك الفترة داخل السجن نفسه، بأكثر من ألف صفحة . ضاع بعضها ووقع بعضها الآخر بيد زبانية الأمن العراقي. نشرتــُها، أولاً، على مواقع الانترنت عام 1998 كما كانت إذاعة صوت الشعب العراقي، إذاعة الحزب الشيوعي، قد قدمتْ ، لمستمعيها، بعض صفحاتها في برامجها اليومية. ثم نشرتُ المذكرات في كتاب يقارب 500 صفحة من الحجم الكبير بطبعتين: الأولى كانت في بغداد من قبل (ملتقى الأهالي الثقافي في بغداد) تحت رقم إيداع 1951 عام 2009 ونشرت (دار أمل الجديدة في دمشق) الطبعة الثانية عام 2011 وأفكر ، الآن، بإعادة طبع الكتاب للمرة الثالثة لنفاد الطبعتين بسرعة قياسية.

لقد ابلغني زميل بصراوي من زملائي في نقرة السلمان ، ذات يوم، السيد عبد القادر العيداني أنه ينوي كتابة ذكرياته عن نقرة السلمان وإصدارها في كتاب فأبلغتُ سروري إليه، سرورا عظيما، واثقا أن هذه الخطوة قد تساعد على إملاء النواقص والثغرات الموجودة في كتابي عن نقرة السلمان آملاً أن يكون مكملاً لما بدأتُ به لأنني كنت وما زلت أرى أن أرجاء سجن نقرة السلمان وما أحاط بها من وقائع وأحداث وعواصف كانت هائلة الاتساع لا يمكن لكاتب واحد أو سجين واحد أن يجوب ويجول فيها ، كلها .

وجدتُ أن الواجب الوطني يفرض عليّ تشجيع الزميل عبد القادر العيداني على إكمال خطوته الأولى في الكتابة وإنهاء الكتاب وطبعه ونشره. وقد اخبرني احد أصدقائي في البصرة – قبل شهرين تقريبا - أن السيد العيداني نشر كتابه ، أخيرا، مما جعلني أقدم له التهنئة برسالة الكترونية.

لكن سرعان ما اخبرني صديقي البصراوي بمكالمة تلفونية أخرى بأن الصفحات الأخيرة من كتاب العيداني تدفقت بكلمات التجاوز على حقوقي ،شخصياً، حين ختم كلامه بـ(تكذيب) وجودي، محرراً، في هيئة تحرير الجريدة السجنية. ثم حاول أن (يتحداني) لتقديم دليل واحد يؤكد ممارستي دور التحرير فيها مما أساء لي إساءة متعمدة حسب قول الصديق العزيز الذي أعلن استياءه على قيام العيداني بختم كتابه بصفحات لا تدل على معرفة أو وعي أن من يريد أن يبدأ بكشف جرائم الحرس الفاشستي وإدانته لا يجوز له أن يختم كتابه بنشر كلمات جافة، تفتقر إلى المصداقية، بإدانة رفيق من رفاقه وبــ(تحديه) أن أقدم أوراق اعتمادي له كصحفي نشيط في جريدة نقرة السلمان..! إضافة إلى إساءات أخرى بقصد وضع علامة من علامات الرواسب المعقدة لوضع حد مصطنع بين سجينين في سجن واحد من سجون الفاشية ..!

لم اطلع على الكتاب ،حتى الآن، غير 12 حلقة نشرت على موقع الناس. لم يرسل لي نسختي التي وعدني بها السيد عبد القادر العيداني، نفسه ، قبل 3 سنوات ، لذلك فقد خابرتُ احد الأصدقاء في لندن ممن بحوزتهم كتاب العيداني فأكد لي وجود الصفحات الأخيرة التي (ينكر) فيها المؤلف (نكراناً قاطعاً) وجودي محرراً في الجريدة السجنية .

يا للأسف ، مرة أخرى، أن صديقاً عزيزاً عليّ كان قد غرق مثلي في لجة نقرة السلمان يسيء لجزء من تاريخي كأن كتابه قد تم تأليفه من اجل الطعن بــ(ادّعائي) عضوا في هيئة تحرير الجريدة التي تصدر في السجن، مبهرا نفسه بأنه كان (قريباً) من المنظمة السجنية الحزبية مدعيا أنني كنت (بعيداً) أو (مبعداً) عنها ، متناسياً ،عن عمد، أنني شيدتُ وجودي في نقرة السمان بنشاطات يومية فيها ريح النقرة وملح الرفاق السجناء ، كلهم ، وتحت راية منظمة سجنية قيادية ذات كفاءة عالية ونظرة شاملة.

كانت نشاطاتي، كما معروف لجميع السجناء، متركزة في زخم العمل الثقافي اليومي، الجاد ، المثمر، الذي بذلته ، داخل السجن ، من اجل عيون وجفون وعقول وحرية السجناء . كما كنت اقرب إلى المنظمة الحزبية بمسافة ألف متر من عبد القادر العيداني نفسه ..! أي لا صحة لكوني (منعزلاً) كما جاء في (ذكريات) العيداني . للعلم أنني فضلتُ ألابتعاد عن العمل التنظيمي الحزبي البحت داخل السجن مكرساً جهودي ووقتي للكتابة البحتة (الأدبية والسياسية) مستغلا وقت السجن لذلك.

رفاق المنظمة أصروا على غير هذا وذاك . كلفتني في البداية على قيامي بتدريس مادة الاقتصاد السياسي وأوكل إلي فتح الصف للسجناء الراغبين وقد كان الصف فعلا خلال سنتين مثالا لإقبال السجناء على الدراسة من مختلف المستويات الثقافية والأعمار . كان أكبرهم في الصف سليم الفخري وكان أصغرهم عبد القادر العيداني نفسه.

كما كلفتني المنظمة الحزبية بانجاز المهمات التالية مشدوداً بالوقت الكامل والجهد الأقصى في الغرف التابعة للمنظمة بالاشتراك مع السجين الشاعر المعروف زهير الدجيلي حيث أكملنا، بجهد مشترك، بفترة قياسية ما يلي :

1- كتابة (نداء الحقيقة) وهو نداء السجناء السياسيين العراقيين الموجه إلى الرأي العام العالمي، الذي أرسل إلى مؤسسة الفيلسوف البريطاني برتراند رسل وقد كان النداء مصحوبا بكراس صغير تضمن معلومات إحصائية عن السجناء السياسيين في العراق وأوضاعهم المعيشية والصحية المتدهورة جمعناها من تقارير السجناء أنفسهم.
2- كلفتنا المنظمة - أنا وزهير - بدراسة الكثير من تقارير السجناء ويومياتهم عن إجراءات التحقيق وأساليب التعذيب التي مروا بها وقدمنا خلاصة عنها إلى المنظمة.
3- أنجزنا + أنا وزهير - كتابة 150 صفحة عن معتقل قصر النهاية بعنوان (مقاصل قصر النهاية) تضمنت روايات رهيبة عما جرى في ذلك القصر من يوم 18 شباط 1963 لغاية 18 تشرين الثاني 1963 أي خلال الفترة الفاشية البعثية التي كنت المعتقل الوحيد في مدينة البصرة والعراق قد قضيت كل أيام تلك الفترة بأيامها ولياليها في زنزانة انفرادية داخل مقر الحرس القومي ولم يحررني غير دخول الجنود الذين احتلوا المقر في العاشرة من صباح يوم سقوط البعث وحرسه القومي في 18 تشرين الثاني .
4- أنجزنا ، أنا وزهير الدجيلي، كتابة قصص عن تعذيب النساء المعتقلات في كتاب بعنوان (عشر نساء في غابة ) عن مقتل وتعذيب عشر نساء اعتقلن في قصر النهاية .
5- أنجزنا قصة البطولة الخالدة بعنوان (دماء على بلاط القصر) وذلك عن تعذيب الشهيد سلام عادل بكتاب من (80 صفحة) مستندة إلى تقارير وشهادات الرفاق الآخرين الذين تعذبوا بقصر النهاية .
6- كتبنا حوالي 200 صفحة فولسكاب عن تعذيب 25 شيوعيا وديمقراطيا في مقرات مختلفة من مقرات الحرس القومي الفاشستي كان عنوانها (عاصفة الجريمة) .

بهذه الانجازات وغيرها الكثير كنت مع زهير الدجيلي أسعد سجينين شيوعيين في العالم لما كنا قد وهبناه للحزب الشيوعي العراقي ، ولكل المناضلين الوطنيين، من وقت وجهد داخل أبشع سجن سياسي بالعالم.

أقدم ، الآن، في ما يلي، مضطراً إلى الاستجابة لتحدي عبد القادر العيداني ثلاث شهادات تؤكد وجودي عضوا في (هيئة تحرير الجريدة السجنية) . كما أجد نفسي مضطراً للتأكيد أن السيد العيداني لم يكن (محرراً) في الجريدة وهو لذلك لا يعرف عن وجودي ولا يعرف عن دور (المحررين) الآخرين ،الذين اختارتهم المنظمة، بسرية تامة، ممن يملكون تجربة صحفية سابقة . كنت شخصيا ، قبل دخولي السجن، قد عملت رسمياً في جريدة (الناس) و(الأنباء) و(الخبر) و(صوت الطليعة) كما كنت مراسلا لجريدة الرأي العام ، جريدة الجواهري الكبير، فضلا عن كوني مشاركاً في مؤتمر تأسيس نقابة الصحفيين العراقيين مما لا يجعلني بحاجة إلى أي أدعاء يثبت كوني صحفياً نشيطا في سجن نقرة السلمان حيث كنا نمارس عملنا الصحفي في غرفة خاصة لا يعرف مكانها غير بعض قادة المنظمة. هذا يعني أن عبد القادر العيداني لا يعرف كادر الجريدة ومحرريها وهو أمر طبيعي في العمل السياسي السري .

أولى الشهادات التي أقدمها هنا هي شهادة السجين السابق صاحب جليل الحكيم + المقيم في بغداد حالياً - في الصفحة 190 من كتابه (النجف الوجه الآخر.. محاولة استذكار) فقد أورد ما يلي عن فترة وجوده في سجن نقرة السلمان : (خلال وجودي في السجن كنت مع مجموعة الإنصات المؤلفة مني ومن جاسم المطير ومصطفى عبود فقد كان تركيز إذاعة الشعب العراقي على فضح جرائم السلطات الحكومية والدعوة لإسقاطها) .

ثاني الشهادات : قال السجين همام المراني - المقيم في أمريكا حاليا - بمقالة منشورة في جريدة طريق الشعب الغراء ما يلي: (وبغية التواصل والتعرف على أحداث الوطن والعالم هناك لجنة خاصة لالتقاط الأخبار من راديوات صغيرة أدخلت سرا وتهيئة نشرة إخبارية يومية تقرا صباح كل يوم بعد الفطور – وفي الأشهر التسعة المشؤومة عام 1963 كان يجري تداولها سرا . واذكر أن الصديق المناضل جاسم المطير كان يقود هذه اللجنة ويواظب على إصدار النشرة اليومية) .(
انظر جريدة طريق الشعب عدد 6 – 3 – 2014).

ثالث الشهادات: في رسالة شخصية بخط يده وبتوقيعه محفوظة لديّ قال فيها صالح الشايجي: (أتذكر جيدا أنني استفدت من تجربتك الصحفية حين عملت معك بالنشرة الإخبارية لمدة شهرين في نقرة السلمان قبل تفرغي الكلي لرعاية العم يحي قاف وأتذكر محاضرتك حول الفرق بين كتابة الخبر الصحفي والتقرير الصحفي في اليوم الأول من انضمامي إلى هيئة النشرة كمترجم للأخبار من بعض الإذاعات أو المقالات في المجلات باللغة الانكليزية التي كان القليل منها يدخل إلى السجن). (
رسالة من مدينة الخبر السعودية بتاريخ 2-4- 2002).

آملا بعد هذا التعقيب أن يقوم عبد القادر العيداني بإزالة غلالة النسيان ،المتعمد أو غير المتعمد ، عن حقيقة وجودي عضوا نشيطاً في هيئة تحرير الجريدة السجنية ، آملاً، أيضاً، من الأجيال الشيوعية منذ عام 1963 أن تزداد ثقتها بأن أمطار الشيوعية في العراق أثمرت آلاف الناس المثقفين الذين وهبوا أنفسهم وجهدهم للشيوعية العراقية، ولحزبها منذ تأسيسه، وستظل تثمر أجيالاً جديدة من المثقفين يتحدون مهماز الفاشية في كل الأزمان .
 

بصرة لاهاي آذار 2014
 

* كاتب وروائي
 

 

 

free web counter

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس