|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  16 / 7 / 2016                                 د. خليل الجنابي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

القاتل نفسه في الكرادة وفي مدينة نيس الفرنسية

د. خليل الجنابي
(موقع الناس)

رغم البعد بين الكرادة ومدينة نيس الفرنسية إلا أن قاتلاً واحداً كان هو السبب في إزهاق أرواح المئات من الضحايا الأبرياء . أطفال نساء شباب وشيوخ ، فرغم الإختلاف في مناسبات الحدثين ، حيث كان الناس في الكرادة يبتهجون بقدوم عيد الفطر المبارك ، ويتهيأون مع أطفالهم لإستقبال العيد بأحلى الملابس وأجملها ، لكن فرحتهم لم تدم ، وعلى حين غرة تتطاير جثثهم وتحترق والباقي يختنق ويتفحم . وفي مدينة نيس كانوا يحتفلون بذكرى عيد ١٤ تموز يوم اقتحام سجن الباستيل في عام 1789 ، هذه الإحتفالات التي تعم فرنسا سنوياً إبتهاجاً وفرحاً بالخلاص من النظام الملكي المقيت .

هل هناك أجمل من الفرح والإبتهاج ، وأن ترتسم البسمة على شفاه ووجوه الناس وخصوصاً الأطفال منهم !! ، وهل هناك أروع من الرقص والغناء والموسيقى وهي تصدح في الشوارع والأماكن العامة والحدائق ، ترفرف فوقهم الطيور وحمامات السلام !! . هذا ما يطمح إليه الناس في كل أنحاء المعمورة .

لكن من يُعكر صفو هذه الإبتهاجات والأفراح هم المجانين وحدهم والملوثين عقلياً ، هم غُلاة التطرف والأفكار المتخلفة التي لا تتماشى مع روح العصر ، هم رافعي شعارات الدين الزائفة زوراً وبهتاناً . وإلا ما هو السبب الذي يدعو هؤلاء المعتوهين من سفك الدماء البريئة التي لا ذنب لها سوى إيمانها بأن الفرح هو ميزة إنسانية وحيوانية كذلك . فالحيوان يفرح أيضاً عندما يلاقي الطعام والمأوى الدافيء الذي يأويه ، ناهيك عن الإنسان . أية وحوش كاسرة هذه التي لا تعرف حرمة للأعياد المقدسة والمناسبات الوطنية !! أي دين أو عرف هذا الذي يبيح قتل الإنسان ويُمثل به أبشع تمثيل !!

لا ندري ماذا يوصف الأطباء والمحللين النفسيين هذه النماذج من البشر التي إنتُزعت منها كل الصفات الإنسانية !؟ . هل هي حقاً تدخل ضمن الأمراض النفسية التي لا رجاء من شفائها . وإذا كان كذلك ما هو السبيل للتخلص منها وإنقاذ المجتمعات من شرورها وآثامها .

العنف والإرهاب متلازمتان كثر الحديث عنهما هذه الأيام ، رغم أنها موجودة منذ القدم ، وهناك نظريات عالجته وفي مقدمتها نظريات العقد الإجتماعي بدءاً من هوبز ولوك ، مروراً بماركس وفرويد وإبن خلدون ، وصولاً إلى فوكو وهابرماس .

إن دراسة متأنية للفكر السلفي الجهادي ، والحركات الإسلامية المتطرفة ، وعلى رأسها حركة الأخوان المسلمين وتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) ، إضافة إلى الأصوليات الدينية الأخرى ، كاليهودية والمسيحية

نجد أن لها عوامل داخلية وخارجية تساعد على إنتشارها وإنتشار الجريمة والعنف والعدوان ، منها غياب التنمية الإقتصادية وإنتشار الفقر والبطالة ، وسوء توزيع الثروة والتفاوت الطبقي الحاد بين البشر ، وإنعدام العدالة الإجتماعية ، إلى جانب الفساد المالي والإداري . وهناك عوامل خارجية أيضاً هي التدخلات الأجنبية في مصائر الشعوب وإحتلال أراضيها وسيطرتها على الثروات ، بما يمثل إستفزازاً للمشاعر الدينية والوطنية . إن هذا بمجمله ساعد في إنبعاث الأعمال الإرهابية ، حيث إتخذت طابعاً تحررياً عرقياً أو جهادياً دينياً ، وحفزت على تنامي العنف والعدوان وبأشكاله المختلفة .

نعم … القاتل واحد سواء كان في بغداد أو باريس أو واشنطن أو لندن أو موسكو أو في أي عاصمة أخرى ، القاتل هو نفسه فإحذروه .


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter