|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  28 / 1 / 2014                                 د. كاظم الموسوي                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

لماذا الانبار؟

كاظم الموسوي 

الاخبار التي تنشرها وسائل الاعلام العربية والأجنبية عما يجري في محافظة الانبار العراقية مؤخرا تؤكد على وجود تنظيمات ارهابية تحت مسميات الانتساب الى تنظيم القاعدة الارهابي حسب توصيف اجهزة الامن الامريكية. ومنها الدولة الاسلامية في العراق والشام، ومختصرها داعش، او غيرها من مسميات مختلفة تريدها الجهات التي تطلقها. وهي تسميات لمجموعات مسلحة تقوم بأعمال واضحة ومخططة من خلال الاستعراضات العسكرية والإعلانات والأعلام والشعارات وتستخدم في كثير من الاحيان المساجد منابر لها او مصادر اعلان وإعلام. وتركز هذه الاعمال في ضرب المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية، والتفجيرات والاغتيالات، والإعلان عن احتلالها لمناطق في المحافظة خصوصا، ومنها مدينة الفلوجة بالذات ورفع تسمية ولاية اسلامية عليها، فضلا عن قرى اخرى ومساحات ملائمة في الصحراء الواسعة. وبغض النظر عن تصريحات الحكومة المركزية او من يحسب عليها وكذلك تصريحات مسؤولين غربيين، وعلى رأسهم الامريكيون، فان المتفق عليه بالإجماع هو ان هذه المجموعات التي توفرت لها عوامل وظروف كثيرة لوجودها والعيش في محافظة الانبار خصوصا، وانتشارها توسعا في المنطقة الغربية من العراق وفي المحافظات الاخرى التي توصف بأوصاف كثيرة اعلاميا، لا يمكنها ان تستمر بدون هذه العوامل والظروف اساسا. مهما دعمت من جهات خارجية وداخلية. ولابد من الاسراع في التفكير في معالجتها بالتسابق مع المقترحات والمبادرات الاخرى التي تقدم داخليا وخارجيا ايضا. ولعل الامر الاهم هو العمل على مؤتمرات حوار وطني للقوى الوطنية التي يهمها مصير البلاد ومستقبل العباد في العراق والمنطقة.

اثبتت هذه المجموعات المدججة بأسلحة حديثة وإمكانات مالية وحماية محلية، وجود بيئات حاضنة لها، وانها استثمرت الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي توفرت في هذه المناطق بشكل منظم وممنهج ومحسوب بوعي، وتوظيف كل الامكانيات لديها بما فيها ارسال ممثلين لها الى العملية السياسية، ووصولا الى اجهزة الدولة الامنية والعسكرية وغيرها. كما كشفت مجريات الاحداث وتوابعها ومسيرتها ووقائع لا يمكن التهرب منها مهما تم من انكار او تبرير او تملص منها. وبدون أي شك استخدمت، اضافة الى القدرات العسكرية والمالية التي توفرت لديها، اسلحة الاعلام والتضليل الاعلامي والحاضنات العربية لها والشروخ التي تمكنت من الدخول عبرها والتوظيف السياسي والديني المطلوب منها.

الحديث عن هذه المجموعات لابد ان يرفق بالأسباب التي اوجدتها والتوسع الذي احرزته وتحميل من سهل لها ووفر لها مفاتيح الدخول والعيش في هذه المناطق بالذات. كشف عنها رسميا وسمع بتسمياتها الارهابية بعد احتلال العراق عام 2003 وتفنن المحتل وأعوانه في التغني بانتصاراته عليها وإلقاء القبض على قيادات منها وصولا الى قتل زعيم لها روج له الكثير في الاعلام ونصب قائدا كبيرا لها. وهو ابو مصعب الزرقاوي (اسمه: أحمد فاضل نزال الخلايلة - 30 تشرين اول/ أكتوبر 1966 - 7 يونيو/ حزيران 2006).. ومن ثم امتداداتها التي حملت اخيرا تسمية داعش وتضخمها وتمددها الى داخل سوريا واحتلالها لمنطقة واسعة متصلة تمتد من غرب بغداد الى شرق اللاذقية. وهي مساحة كبيرة تضم مدنا عديدة اضافة الى الصحراء والجزيرة.

وصفت المرويات عن فترة الصراعات الدموية في العراق فترة 2005- 2007 بأنها طائفية وكان لهذه المجموعات سبق الفضل في تأجيجها وشحنها بهذه الشحنة الطائفية حتى الصولات عليها وعلى محاربيها من كل الاطراف. وكانت فعلا بهذا الشكل وكادت تؤدي الى حرب طائفية داخلية طويلة الامد لولا تحركات من الاطراف المشتركة في العملية السياسية للحفاظ عليها وبعض القوى الوطنية التي ارادت حقن دماء العراقيين والمسلمين وحماية الشعب والوطن من حرب لا غالب ولا مغلوب فيها اساسا. عادت هذه النغمة من جديد عند اصدار احكام بحق نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي وخروجه من العراق ولجوئه الى تركيا ومن ثم قطر، وشنه حملة اعلامية بترويج طائفي واضح ضد الحكومة العراقية. ولكنها توسعت اكثر وأخذت اشكالا حادة من الاحتجاج عبر ساحات اعتصام شملت مدنا عدة من المنطقة الغربية من العراق، اواخر العام 2012 بعد اعتقال حماية وزير المالية السابق رافع العيساوي، الذي قاد هو وعضو البرلمان احمد العلواني ساحات الرمادي بخطابات مشحونة وتوجهات لا تخلو من تأجيج طائفي او استغلال للأوضاع السائدة. وكانا هما جزءا من المسؤولين عنها بحكم الوظيفة والتغاضي المشترك.

المسالة الاخرى التي لابد من ذكرها بالنسبة الى الانبار بالذات هي موقعها الجغرافي بين العراق وسوريا وعلى الطرق الاستراتيجية البرية بين البلدين، وتهديد غلقها والاعتصام عليها دفع بالشكوك من الشعارات والأهداف المعلنة من تلك الاحتجاجات وخلوها من التحريض الخارجي والدعم المتنوع لها، ضمن اطار الحملة والحرب من قبل الدول الاقليمية الداعمة والمشاركة في الحرب في سوريا وعليها. وهذه المسالة تطرح قضية المطالب المشروعة وحتى المطالب نفسها بانها ليست هي الاهداف الاساس فيها، بل ما هو مطلوب منها ابعد واكبر منها. وهنا تكون مسيرة العمليات المتفق عليها الان ايضا خاضعة لسير اخر في خطط التخلص من داعش ومن ثم التفرغ لما بعدها. فجاءت الانبار في هذه الحالة بين بين، وأصبحت بكل ما يقال حالة ضمنية مدولة رغم كل ما معلن فيها الان. وتبين الرهانات والترابطات بين من تزعم او ادعى او اعلن تداخله في الاحتجاجات او في توفير مناخات الارهاب والشحن المذهبي، كما تعكس ترابط التغيرات والتحولات الاستراتيجية في المنطقة عموما. والتسميات لكل منها تأتي بعدها.

تبقى معاناة سكان الانبار من الحصار والعمليات العسكرية اضافات اخرى لما عانوه قبلا واستمرارا الى ما وضعوا فيه من اوضاع ليست لديهم او لهم حاجة بها. حيث يمكن لهم ان يسهموا مع غيرهم في بناء الوطن وتحقيق المطالب الشعبية لعموم الشعب العراقي والنهوض بها، كما ساهموا في انقاذه من الاحتلال المباشر وحدة التواطؤ المستمر.
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter