| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأربعاء 11/3/ 2009

 

بوش الابن ونهج الحرب الباردة؛ أوباما ونهج التصالح مع العالم
[1-2]

كاظم حبيب

بوش ونهج الحرب الباردة والتشدد
عاش العالم فترة مليئة بالصعاب, وشعرت شعوب العالم, وخاصة قوى السلام, وكأن الحرب الباردة بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول حلف الأطلسي قد عادت من جديد, وبدأت العلاقات الدولية تتدهور إلى مستوى غير مريح منذ أن وصل جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض, وخاصة في فترة إدارته الثانية, ولم يعد العالم ولا الشعب الأمريكي بكل مكوناته يقبل بذلك. وكان لا بد من التغيير, وهو الشعار الساحر الذي طرحه أوباما في حملته الانتخابية وفاز فيها والذي بدأ, كما يبدو, بتنفيذها.

لقد واجه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في بداية تسلمه إدارة البيت الأبيض حظاً عاثراً, إذ وقعت لك العملية العدوانية الشرسة التي نفذتها قوى الإسلام السياسي الفاشية, قوى تنظيم القاعدة في ثلاث مدن أمريكية في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 والتي راح ضحيتها أكثر من 2800 إنسان برئ وأرادت بذلك تأجيج الصراع الديني على الصعيد العالمي وإدارة دفة الصراع وجهة دينية ومذهبية خاطئة وخطرة وتشويه طبيعة التناقضات والنضال الذي تخوضه شعوب العالم من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية, وكانت لها عواقب وخيمة وتداعيات شديدة على مسيرة العلاقات الدولية والسلام في العالم. وكان رد الفعل الأمريكي شديداً ومنفعلاً وانجراراً وراء ذلك الاستفزاز والعدوان الفاضح. وكان هذا هو هدف تلك القوى الإسلامية الظلامية. فالتقطت تلك الحوادث قوى اللبرالية الجديدة وقوى المحافظين الجدد في الولايات المتحدة المعششة في الحزب الجمهوري بشكل خاص والقريبة من الرئيس الجديد حينذاك لتدفع بجورج دبليو بوش باتجاه ممارسة سياسة مشددة مماثلة لتلك التي انتهجها جورج بوش الأب, سياسة الردع المبكر والضربات الاستباقية وتنشيط سياسة العقوبات بما فيها المقاطعة والحصار والتهديد بالحرب وممارستها فعلاً. وأصبحت مناطق من العالم قاب قوسين أو أدنى من حروب إقليمية, كما خاضت الولايات المتحدة وحليفاتها حربين فعليتين في كل من أفغانستان والعراق, وكان الوضع يهدد بخطر حرب أخرى في إيران لولا المصاعب الجدية الكبيرة التي اصطدمت بها الإدارة الأمريكية والقوات العسكرية في أفغانستان والعراق, والخسائر المادية والبشرية التي تحملتها الولايات المتحدة في البلدين وأجبرت اللبرالين الجدد على التراجع.

لا شك في أن الغالبية الساحقة من الشعب العراقي كانت سعيدة بالخلاص من الاستبداد والدكتاتور المجرم صدام حسين من خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة بتحالف دولي واسع نسبياً مع رفض أو تحفظ عدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي, ورغم عدم حصول قرار خوض الحرب على موافقة مجلس الأمن الدولي. ولكن الحرب حصلت على تأييد غالبية قوى المعارضة العراقية في الداخل والخارج, إذ أنها أنهت وجود نظام سياسي فاشي وعنصري على الشعب في الداخل وعدواني شرس نحو الخارج. وكانت الفرحة كبيرة والسعادة جارفة. إلا أن هذه الفرحة لم تتواصل, إذ سرعان ما اصطدمت بسياسات غير مفهومة مارستها الولايات المتحدة على صعيد العراق من خلال إعلان إنهاء الحرب بسرعة وحل الجيش وفرض الاحتلال وترك الحدود مفتوحة ورفض تسليم السلطة مباشرة لقوى المعارضة العراقية ...الخ, مما دفع بقوى حليفة قوية له مثل الدكتور أحمد الجلبي, إلى رفض تلك السياسات, إضافة إلى كل القوى السياسية الأخرى, التي قادت إلى سيادة الفوضى والجريمة وبروز جيوب واسعة ومتسعة من قوى الإرهاب والتخريب والقتل وبروز المليشيات الطائفية المسلحة على خلفية المحاصصة الطائفية المقيتة في الحكم والأجواء المظلمة والقاتلة التي عاشها الشعب في ظل سياسات "بوش- بريمر" الخطيرة في العراق. ورغم مرور ست سنوات على سقوط النظام الدكتاتوري فما يزال العراق حتى الآن يعاني من عواقب تلك الأخطاء الفادحة التي ارتكبت أثناء وفي أعقاب الحرب والفوضى والاستهتار والفساد والطائفية السياسية والهيمنة على القرار السياسي العراقي, رغم خلاصه من المستبد بأمره. حتى هذه اليام فما زال الإرهابيون يرسلون بين حين وآخر بعض الانتحاريين ليفجروا أنفسهم ويختطفوا الميد من الناس, كما حصل في الأيام الثلاثة الأخيرة وموت العديد من الصحفيين والشرطة وكثرة من المدنيين.

أما على الصعيد العالمي وفي مجال العلاقات الدولية والاقتصاد والتجارة الدولية والبيئة فقد اصطدمت سياسات بوش الابن بإرادة ومصالح بقية دول العالم, وخاصة الكثير من دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية وآسيا والدول الأفريقية, وخاصة دول الشرق الأوسط. وكانت هذه السياسات سبباً أساسياً في الخسارة الفادحة التي مني بها الحزب الجمهوري في الانتخابات الأخيرة في نهاية العام 2008, إذ لم يكن الشعب الأمريكي مرتاحاً أو راضياً على تلك السياسات, وخاصة سياساته الداخلية, وانحدر الخط البياني لرصيده الشعبي في الولايات المتحدة ذاتها, دعْ عنك بقية شعوب العالم ومنه شعب العراق, إلى أدنى مستوى عرفه أي رئيس أمريكي في كل تاريخ الولايات المتحدة.

يمكن تلخيص سمات تلك السياسات بالنقاط التالية:
1 . استخدام سياسة القوة والعنف والتهديد بالحرب والضربة الاستباقية بدلاً من الحوار والمفاوضات لمعالجة المشكلات الدولية والإقليمية.
2 . الرغبة في الانتشار العسكري وإقامة القواعد العسكرية الأمريكية في الجديد من بقاع العالم, وخاصة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية, كما في حالة الدرع الصاروخي وشبكة الرادار الأمريكية التي وقع بوش اتفاقية إقامتها في كل من التشيك وبولونيا, والتي أثارت الحكومة الروسية وقررت نصب صواريخ مضادة باتجاه أوروبا.
3. الإهمال الجدي لدور الاتحاد الأوروبي في السياسة الدولية وخلق تناقضات وصراعات جدية, سواء أكانت بصدد الحروب أم العلاقات الاقتصادية والبيئية الدولية, مما جعل التعاون الأمريكي – الأوروبي يدخل مرحلة جليدية تجلت في علاقة غير ودية بين الرئيس بوش الابن وبين أغلب رؤساء دول الاتحاد الأوروبي.
4 . قادت هذه السياسة على الصعيد العالمي إلى سباق تسلح جديد وإنتاج أجيال جديدة من الأسلحة والصواريخ الهجومية والدفاعية, وإلى إيقاف تنفيذ التعهدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا بصدد تقليص أسلحة الدمار الشامل والمخزون منها ..الخ, وإلى توتر شديد بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة, التي جرت وراءها حلف شمال الأطلسي ومقاطعة الحوار مع روسيا بعد الحرب مع جورجيا, التي كانت الإدارة الأمريكية وراء تشجيع جورجيا عليها أو لم تمنع وقوعها.
5 . فرض شروط التجارة الحرة الأمريكية على العالم بالرغم من الاعتراضات الكثيرة, لأنها تثقل كاهل وتطور اقتصاديات الدول النامية, مما قاد إلى عواقب سلبية جداً على الاقتصاد العالمي, ولكن بشكل خاص على اقتصاديات الدول النامية.
6 . كما إن سياسة التسلح والعسكرة الأمريكية ومصروفات الحرب على النظام العراقي وحفظ الأمن فيه والتي بلغت قرابة 2 ترليون دولار أمريكي, إضافة إلى مصروفات الحرب في أفغانستان التي أرهقت الاقتصاد الأمريكي ورفعت من المديونية الهائلة للحكومة الفيدرالية, كما أدت إلى تدهور في سعر صرفالدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى, كما سكتت الإدارة الأمريكية أو حتى شجعت على الغوص في سياسات المضاربة بالأسواق المالية والعقارات وساهمت في الرفع غير الاعتيادي لسعر البرميل الواحد من النفط الخام .. الخ ثم إلى انهياره إلى مستوى الثلث تقريباً والتي تسببت كلها وغيرها في خلق اختلالات فعلية في الاقتصاد الأمريكي وفي بقية اقتصاديات الدول الرأسمالية المتقدمة وإلى تراكم عوامل الأزمة المالية والاقتصادية وتفجرها بسرعة فائقة, وهي الأزمة التي ترهق الآن الاقتصاد العالمي, ولكن بشكل خاص شعوب البلدان النامية والفقيرة والفئات الاجتماعية الكادحة في الدول الرأسمالية المتقدمة. وهي الأزمة التي لم تصل إلى عمقها وسعتها وشموليتها المدمرة حقاً حتى الآن.
7 . الموقف السلبي من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية المتخلفة في الدول النامية وتنامي الفقر والمرض ورفض فكرة واقعية تقول بأن الاستغلال المتفاقم وتنامي الفقر وعدد الفقراء واتساع الفجوة بين مدخولات ومستوى حياة ومعيشة الأغنياء والفقراء واتساع قاعدة البطالة عالمياً والجوع والحرمان كلها عوامل تشكل أرضية خصبة لنشوء وتفاقم التطرف وتنامي نشاط قوى الإرهاب في العالم. وبالتالي لم تشارك الولايات المتحدة بصورة جدية في مكافحة الفقر وتنشيط التنمية في الدول النامية, وهي التي اصطدمت بهذا القدر أو ذاك بسياسات مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي. وقد تجلت هذه المواقف في مؤتمر القمة العالمي للقضايا الاجتماعية.
8 . كما كان موقف الولايات المتحدة مناهضاً لأية سياسة عقلانية في مجال حماية البيئة وتقليص نسبة التلوث في العالم ومكافحة زيادة الغازات, وخاصة ثاني أوكسيد الكاربون المنطلق نحو الفضاء واثارها السلبية على طبقة الأوزون, مما وضع العالم كله ضدها.
9 . وفي فترة حكم بوش تفاقم الفساد المالي في الولايات المتحدة ذاتها من جهة, ودور المؤسسات والشركات الأمريكية العملاقة في عملية الإفساد على الصعيد العالمي, ومنها العراق وأفغانستان والتي أجبرت روائحها الكريهة إلى تشكيل المزيد من لجان التحقيق في الولايات المتحدة للكشف عن تلك التجاوزات المالية الكبيرة.
10 . وكان بوش الابن مسيحياً انجليكياً متديناً ومؤمنا بتعصبو فاعتقد بأنه يؤدي رسالة موكولة إليه من الرب عليه أن ينشرها على العالم كله, إنها رسالة الحرية الأمريكية, كما كان قومياً يعتقد بأن الأمريكي أفضل من أي فرد آخر في العالم , بمن فيهم الجندي الأمريكي, وإذا ما اجتمع الديني مع القومي لدى أكبر شخص مسئول في أكبر دولة في العالم, عندها تبدأ الكارثة بالتفاعل. وهذا ما حصل فعلاً.

الشيء الإيجابي الذي يحسب لصالح بوش حقاً, وينبغي أن يذكر له, يتجلى في موقفه الجيد والمسئول من رفض العنصرية في الولايات المتحدة. فقد رفضها الرجل وأدانها وعمل ضدها وبرز الكثير من السياسيين السود في حكومته وفي أجهزة الدولة الأخرى وساهم في كسر أجواء العنصرية التي ساهمت بدورها في أن لا يكون غالبية البيض في الولايات المتحدة حساسين من انتخاب باراك أوباما على رأس الإدارة الأمريكية ويقطن أول رئيس اسود في البيت الأبيض, بل ساهمت نسبة مهمة من البيض في انتخابه.

إن كل ذلك وغيره (عدا الملاحظة الأخيرة) ساهم مساهمة كبيرة في تسريع حصول الأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الدولي في ظل الرأسمالية وسياسات العولمة الرأسمالية التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم القرار بصرف ترليون دولار أمريكي في الولايات المتحدة من جانب الدولة لمعالجة الأزمة الراهنة فيها, فإنها سوف لن تعالجها جيداً ما لم تصل إلى العمق الذي لم تبلغه بعد.

إن دراسة متأنية من جانب المعاهد العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية للسياسات التي مارستها إدارة جورج دبليو بوش ستخرج باستنتاجات مهمة تشير إلى مدى العواقب الوخيمة التي تسببت بها للاقتصاد الأمريكي والعالمي وللعلاقات بين الشعوب, كما ستكتشف الكثير من الجوانب التي تستوجب في ضوئها محاسبة الكثير من المسئولين في إدارة بوش ابتداءً منه ومروراً بدك شيني وورامسفيلد وبول فولفتز وانتهاءً بأجهزة وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية وبعض مستشاري الأمن القومي...الخ.


بوش الابن ونهج الحرب الباردة؛ أوباما ونهج التصالح مع العالم
[2-2]

أوباما ونهج التصالح والتفاعل مع العالم
وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض بفعل عاملين أساسيين, وهما:
عامل داخلي ارتبط بتلك السياسات غير العقلانية التي مارسها بوش وحزبه الجمهوري خلال الأعوام الثمانية المنصرمة والعواقب التي ترتبت عن تلك السياسيات وتفجر الأزمة المالية والاقتصادية وتفاقم البطالة والفقر التي هيأت أجواء التغيير المنشود من جهة, كما لعب باراك أوباما وحزبه والاتجاهات السياسية الجديدة التي طرحها ووسائل وأساليب الإعلام التي مارسها مع المجموعة المرافقة له في الحملة الانتخابية ورفعه شعار "التغيير" الذي وجد تأييداً وهوى كبيرين وواسعين لدى الشعب الأمريكي, وخاصة في صفوف الشبيبة والنساء من جهة أخرى, في وصول أوباما إلى البيت الأبيض وإلى تحسن كبير في مواقع الحزب الديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ.

عامل خارجي ارتبط برفض العالم, وخاصة الاتحاد الأوروبي لسياسات الولايات المتحدة التي مارسها بوش الابن والتي أدت إلى خلق أجواء شبيهة بأيام الحرب الباردة, وممارسة التهديد والعصا الغليظة والحروب الاستباقية, إضافة إلى تنفيذ سياسات العولمة غير العقلانية المنافية لمصالح شعوب الدول النامية التي مارسها كجزء من سياسات اللبرالية الجديدة والمحافظين الجدد وشاركت معه بقية الدول الرأسمالية المتقدمة (7+1).

بدأ أوباما, وفي آن واحد, معالجة القضايا الداخلية والقضايا الدولية. فبدأ بإجراءات عاجلة لتخفيف الأزمة وليس إلى مكافحتها, إذ لا سبيل إلى ذلك بسبب عمق الأزمة وسعتها وشدة الاختلالات المتراكمة وفي ظل النظام الرأسمالي العالمي والسياسات التي مورست حتى الآن, وخصص لذلك ما يقرب من تريليون دولار أمريكي. ولكن أوباما طرح نفسه في الحملة الانتخابية باعتباره مجدداً ومغيراً, وهو ما ينتظره منه الناخب الأمريكي. ويبدو أنه وبوضوح نسبي قد بدأ سلسلة من الإجراءات التي تعبر عن محاولة جادة للنظر في إمكانية إعادة النظر في توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي في ظل النظام الرأسمالي من خلال السياسات الضريبية ومجموعة من القوانين التي تحمي المنتج والمستهلك نسبياً. ويبدو هذا واضحاً حتى الآن بعدة إجراءات جوهرية, وهي:
1 . إعادة النظر بالنظام الضريبي بما يؤدي إلى رفع مستوى الضريبة المفروضة على الأغنياء والشركات من جهة والتخفيف عن كاهل دافع الضرائب الصغير والفقير.

2 . إصدار قرار بتأمين العناية الطبية والرعاية الصحية لأطفال العائلات الفقيرة والذي لم يكن موجوداً في السابق.

3 . وضع نظام جديد للضمان الاجتماعي والصحي في الولايات المتحدة الذي يمكن أن يقترب من تلك النظم المعمول بها في أغلب دول الاتحاد الأوروبي.

4 . يمكن أن يعود إلى الاستفادة من النظرية الكينزية لا في مواجهة الأزمة فحسب, بل وفي العملية الاقتصادية من خلال زيادة دور الدولة في النشاط الاقتصادي وفي الرقابة على البنوك والمؤسسات المالية.
إن هذه الإجراءات سوف لن تغير من طبيعة النظام الاقتصادي السائد في الولايات المتحدة, ولكنها ستساهم بهذا القدر أو ذاك التخفيف عن كاهل المنتجين والمستهلكين, وخاصة الفئات الكادحة والفقيرة.

وعلى الصعيد الدولي بدأ أوباما بعدة إجراءات كان الرأي العام العالمي يطالب بها ويسعى إليها, منها على سبيل المثال لا الحصر, البدء بعملية غلق معتقل غوانتنامو, تنظيم انسحاب القوات الأمريكية والدولية تدريجاً من العراق وبالحدود التي طرحها في حملته الانتخابية تقريباً, زيادة الجهد الموجه صوب أفغانستان من أجل منع انتقال شديد للقاعدة إلى باكستان, إعادة النظر بقرار إقامة شبكة الرادارات في التشيك والصواريخ المضادة في لولندا وبالتفاوض مع روسيا والعودة إلى اتفاقيات النزع التدريجي لأسلحة الدمار الشامل وتقليص المخزون منها والقواعد الصاروخية المنصوبة في العالم, كما يمكن أن تتخذ سياسات جديدة في مجال التجارة الدولية وحماية البيئة من التلوث ... الخ بخلاف سياسات بوش السابقة.

كما يبدو بأن الولايات المتحدة ستنتهج سياسة جديدة إزاء إيران وسوريا من خلال تنشيط التفاوض السياسي لمعالجة أزمة تخصيب اليورانيوم في إيران والسعي لإنتاج السلاح النووي لمعالجة الخلافات مع سوريا.
والأسئلة التي ستبقى قائماً أمامنا هي: كيف ستتعامل إيران مع التوجه الجديد للبيت الأبيض, وهل ستعود إلى طاولة المفاوضات أم أنها ستواصل استغلال الوقت للسير قدماً في برنامجها النووي. وهي المشكلة الأكبر في الشرق الأوسط بعد القضية الفلسطينية.

وإزاء هاتين القضيتين تبرزان مشكلات عديدة, منها على سبيل المثال لا الحصر:
- إلى ماذا ستنتهي الانتخابات القادمة في إيران, وهل سيفوز محمد خاتمي أم سيأتي محافظ متطرف مماثل لأحمدي نجاد, رغم بقاء خامنئي مرشداً لإيران, وهل لا يختلف في تطرفه عن أحمدي نجاد. هل ستواصل تخصيب اليورانيوم وتعمق عزلتها دولياً وتقود إلى عواقب وخيمة من خلال الضغط الإسرائيلي على الولايات المتحدة بشأن إيران؟ وهل ستكف إيران عن التدخل في الشأن العراقي, أم أنها ستواصل ذلك كما برز في تصريحات خامنئي ومطالبته العراق بإخراج القوات الأمريكية من العراق دون أي احترام لموقف العراق الذي وقع اتفاقية بهذا الشأن وفي طريق الانسحاب الفعلي المنظم للقوات الأمريكية من العراق؟

- كيف سيكون موقف الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية ومحافظة في الموقف من قضية السلاح النووي في إيران والموقف من حل الدولتين ومن بناء المستوطنات في الضفة الغربية وكذلك الموقف من إطلاق حماس وقوى أخرى للصواريخ على إسرائيل.

- كيف سيعمل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة إزاء هذه القضايا؟ وكيف سيكون الوضع في فلسطين ذاتها, وخاصة الصراع على السلطة والتدخل الإيراني المتفاقم في القضية الفلسطينية من خلال حماس وحزب الله على نحو خاص.

وفي كل الأحوال يمكن القول بأن التغيرات النسبية في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تقود إلى التهدئة على صعيد الشرق الأوسط والعالم, ولكن لا يمكن في كل الأحوال أن لا تؤخذ سياسات أوباما وحدها كمؤشر لما يمكن أن يحصل في العالم , إذ أن هناك الكثير من اللاعبين الآخرين الذين يمكنهم التأثير في الأحداث وإعاقة تحقيق نتائج إيجابية من سياسة المصالحة الأمريكية النسبية مع العالم, إذ ليس كل اللاعبين الآخرين , وكذلك في الولايات المتحدة, موافقون على تلك التغييرات المحتملة. وفي ما عدا ذلك فالصراعات في الولايات المتحدة يمكن أن تتخذ أسلوباً آخر أشبه بأسلوب الخلاص من جون كندي, وهو خطر يبقى ماثلاً في واشنطن ويمكن أن يقلب الأوضاع هناك باتجاه آخر.



11/3/2009








 

 

free web counter