|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  1 / 4 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

إلى متى يبقى المواطن بالعراق بلا أمن ولا استقرار والموت يلاحقه في كل مكان؟

كاظم حبيب

"ويلٌ لحاكمٍ عاجز عن توفير الأمن والاستقرار والسلام والتقدم لشعبه، وويلٌ له حين يبقى متشبثاً باغتصاب الحكم!"
                                                                                                                                  ك.ح.

[1]
الصمت على ما يجري بالعراق أو الدفاع عن نظام المحاصصة الطائفية والأثنية القائم يعتبر مشاركة فعلية في توفير مستلزمات وشروط استمرار معاناة الشعب من المآسي اليومية التي يتعرض لها والأحزان التي تتراكم عليه. وتزداد هذه المسؤولية السياسية والأخلاقية على كل من يسعى إلى تبرير عجز هذا النظام وحكامه في توفير مستلزمات الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي بالوطن المستباح والشعب الذي أصبح موت مواطنيه ومواطناته مباح لكل القوى المعادية للشعب من التنظيم الإجرامي داعش وبقية قوى الإجرام من التكفيريين الإرهابيين والمليشيات الطائفية المسلحة ومن لفَّ لفّهم.

ليس السكوت على ما يجري بالعراق فضيلة، بل جريمة ورذيلة في آن، إذ لا بد أن يرتفع صوت الشعب مطالباً بإيقاف المجازر اليومية التي يتعرض لها الناس في الكثير من المحافظات والمدن العراقية، إضافة إلى الاغتيالات اليومية المستمرة التي لا يسمع بها الناس في غالب الأحيان، وهي كثيرة حقاً. ولكن الأفظع من ذلك يبرز في محاولات البعض من وعاظ السلاطين وأتباع المحاصصة الطائفية السعي لتبرير عجز الحاكم عن مواجهة الإرهاب الدموي الجاري يوميا بالعراق. فالموت بالجملة بات حالة يومية لم تعد تشير إليها نشرات الأخبار العالمية إلا كهامش على الأحداث، وهي الحالة الأكثر سوءاً لما يمكن أن يصيب شعب ما، حين يصبح القتل اليومي حالة اعتيادية لا ينتبه إليها الناس.

ليس السكوت على هروب الجنود العراقيين من المعارك الجارية في غرب العراق بالجملة وعدم البحث في الأسباب وفضحها على نطاق واسع وتعرية المسببين لها فضيلة بأي حال ، بل مشاركة فعلية في السماح باستمرار الأوضاع الشاذة التي أصبحت اعتيادية والتي تذكرنا بهروب الجنود العراقيين من الحرب العراقية–الإيرانية أو من حروب النظام الدكتاتوري العنصري الأخرى الداخلية منها والخارجية.

حين يرفض الحاكم بأمره الانصياع إلى صوت العقل والحكمة والدروس المستخلصة من تجارب العقود المنصرمة، حين يرفض الحاكم مراجعة سياساته الداخلية والإقليمية على امتداد دورتين وزاريتين وتجارب وزارتي علاوي والجعفري السابقتين له ويصر في السير على ذات النهج الذي أوصل العراق إلى الحالة الراهنة، وحين يرفض الحاكم بأمره ممارسة الحوار السياسي والاستجابة لمطالب أجزاء مهمة من الشعب العراقي ويصر على ممارسة سياسة القوة والعنف والسلاح في معالجة المشكلات القائمة، حينها يعتبر السكوت عنه وعن أفعاله ليس فضيلة بل رذيلة ومشاركة جدية في الجرائم التي ترتكب يومياً بالعراق.

حين يفقد الإنسان الأمل بأن الحاكم بأمره لا يستجيب حتى لتلك النداءات التي توجهها الجهات التي أوصلته وساعدته في الوصول إلى الحكم، ومنها بشكل خاص المرجعيات الشيعية وبشكل أخص مرجعية السيد علي السيستاني، وحين يُصعّد ويفجر باستمرار أزمات جديدة بين الأطراف السياسية، وحين لا يأتمر إلا بأوامر تأتيه من وراء الحدود الشرقية، من إيران على وجه التحديد، فإن اللغة التي يستحقها تختلف تماماً عن اللغة اليومية الاعتيادية بين البشر، لأنه لا يتسبب بموت الذباب أو البعوض، بل يكون السبب الأول في موت المزيد من البشر، موت الإنسان العراقي امرأة وطفلاً وشاباً يافعاً وشيخاً ومن مختلف القوميات والديانات والمذاهب وفي أنحاء مختلفة من العراق.

[2]
كلنا يدرك بأن توجيه النداءات للقتلة الإرهابيين من قاعديين وتكفيريين وداعش وبعثيين مسلحين ومشاركين في القتل لا ينفع بأي حال، لأنهم مرسلون لغرض القتل والتدمير والتخريب وإشاعة الفوضى، وكلنا يدرك بأن إدانة الجرائم البشعة التي يرتكبونها لا تهمهم بل تفرحهم لأنهم جاءوا لأغراض قتل أكبر عدد ممكن من الناس العراقيين والعراقيات والمزيد من التخريب وإشاعة الفوضى بالبلاد. ولهذا فالنداءات والإدانة ليست هي المطلوبة فحسب، بل المطلوب بشكل خاص توفير مستلزمات المواجهة الناجحة والموفقة لهذه القوى الإجرامية القذرة مع العمل الفكري والسياسي والحوار مع فئات وقوى المجتمع وأحزابه.

وكلنا يعرف، ومن لا يعرف هو بعيد عن واقع ما جرى ويجري بالعراق منذ سقوط الدكتاتورية الفائتة حتى الآن، أن الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية منها والسنية دون استثناء قد غرفت ما يزيد على عضويتها الأساسية بمئات المرات من أعضاء ومرشحي ومجرمي حزب البعث، سواء من كان في القوات الخاصة أم في أجهزة الأمن أم في المنظمات "الشعبي" أم الاستخبارات والمخابرات العراقية، وهم الذي يساهمون في تعميق الصراعات الطائفية ويشددون من العمليات التي تدفع باتجاه الكراهية والحقد بين أتباع المذهبين الشيعي والسني في الإسلام، والكثير منهم ما زال يمارس هذا الدور الشرير. وحزب المالكي وقواته الخاصة ليسو بعيدين عن ذلك بل احتضنوا ببشاشة وفرح الكثير جداً من هؤلاء البعثيين الذين أجرموا بحق الشعب وليس كل البعثيين ممن دخل هذا الحزب نتيجة الخوف منه أو لانتهازيته.

[3]
إن توفير مستلزمات تفكيك الصراع الطائفي والمحاصصة الطائفية لا يسعى إليه الحكام الحاليون ولا يريدونه، سواء أكانوا في الطرف الشيعي الحاكم أم الطرف السني المشارك في الحكم، لأن كل طرف منهما يريد الحكم له وليس لغيره وليكون اللاعب الأول في السياسة العراقية، في حين أن الحكم يجب أن لا يكون للطائفيين جميعاً، سواء أكانوا سنة أم شيعة، أي يجب أن لا يكون للأحزاب السياسية الإسلامية الطائفية التي مرغت كرامة الإنسان ودنستها وشاركت وساعدت على سفح دماء العراقيين والعراقيات على أيدي الإرهابيين وأيدي الكثير منهم، لأنها لا تتبنى ولا تعمل على وفق مبدأ المواطنة العراقية الحرة والمتساوية أمام القانون وفي الواجبات والحقوق، ولأنها تأخذ بالهويات الفرعية، شيعية وسنية، على حساب الهوية الوطنية العراقية، وهي في مثل هذه الحالة هويات فرعية قاتلة ومدمرة لوحدة الشعب والوطن.

[4]
كلنا يدرك بأن هناك من يستفيد فائدة كبرى من هذا الوضع الفوضوي السائد بالعراق، من يغتني على حساب أموال ومصالح وحقوق وصحة وفقر وحرمان الشعب، هناك من يستفيد من عمليات عسكرة البلاد والمجتمع، وهناك من يربح على حساب الدم المسفوح. ولكن هناك الشعب المتضرر من هذا الواقع المزري، إنهم القتلى والجرحى والمعوقون والعاطلون عن العمل والمحرومون البؤساء، إنهم المرشحون الجدد للقتل ولكل العذابات الأخرى، إنهم الكادحون في المناطق الفقيرة من العراق وليسوا من المحصنين في حي الخضراء. وإذا كانت هناك أصوات لصالح الطرف الأول المستفيد، وهم أتباع نظام المحاصصة الطائفية ووعاظ السلاطين ومن لف لفهم، فلا بد أن تكون هناك أصوات صارخة للطرف الثاني المتضرر من واقع الحال الراهن بالعراق. ولا يمكن لأتباع الطرف الأول أن يُسكِتوا أو يغتصبوا أصوات الطرف الثاني بأي حال، لأنهم يجسدون صوت الشعب الذي يفقد يومياً عشرات العراقيات والعراقيين من قتلى وجرحى ومعوقين ويعبرون عن إرادته المغتصبة ومصالحه المهدرة وطموحاته المشروعة ومن أجل خلاصه من الطائفية المقيتة السائدة في حكم البلاد.

[5]
الإنسان الحر والواعي يحترم أتباع الديانات والمذاهب كلها دون استثناء ولا يميز بينها، ولكنه لا يريد لها أن تتصارع في ما بينها، بل أن تتمتع كلها بكامل حريتها وحقها في ممارسة عباداتها وطقوسها المحترمة والمقبولة اجتماعياً ومتناغمة مع حقوق الإنسان وبعيداً عن السياسة. وما يجري اليوم بالعراق هو بعيد كل البعد عن المطلوب. فأتباع الديانات بالعراق تتعرض لعمليات التمييز والتهميش والتشريد والتهجير والقتل، كما يجري لأتباع الديانات المسيحية والمندائية والإيزيدية والشبك والكاكائية والزرداشتية والبهائية. كما إن، وبسبب المحاصصة الطائفية والصراع الطائفي، يتعرض أتباع المذهبين الشيعي والسني إلى ذات العواقب. فالمسؤول الأول عن ذلك هو نظام المحاصصة الطائفية والقوى الطائفية، سنية أم شيعية، والسياسات الطائفية التي تمارس بالبلاد.

[6]
إن السكوت أيها الأخوة وأيتها الأخوات على ما يجري بالعراق ليس من ذهب بل هو رذيلة بكل معنى الكلمة, لأنه يعني الموت لمزيد من العراقيات والعراقيين على أيدي قوى الإرهاب الدموي من داعش وغيرهم من التكفيريين أو على أيدي البعثيين في المليشيات الطائفية المسلحة أو قوى أخرى وميليشيات طائفية مسلحة مثل هيئة علماء المسلمين السنة أو عصائب الحق أو جيش المهدي أو منظمة بدر، أو الموت على أيدي القوات المتصارعة حين تحُصر وتُحشر في وسط المعارك، كما يجري اليوم في الرمادي والفلوجة أو في ديالى أو على أيدي أجهزة أمنية وحرس ثوري وميليشيات إيرانية تعمل بالعراق ليل نهار لتقتل من تشاء وتمارس ما تشاء دون رقيب أو حسيب .

إن السبب وراء فضح سياسة نوري المالكي ليس بسبب عداء شخصي ضده، فلم التق بهذا الرجل طول حياتي، بل لأنه مارس وما يزال يمارس سياسات أوصلت البلاد إلى هذا الخراب النفسي والعصبي، وإلى هذا القتل الجماعي المتواصل، وإلى هذه الفوضى والانفلات الأمني الشديدين في أغلب أنحاء البلاد. إن المالكي وحزبه والأحزاب التي تواليه والشخصيات التي تدافع عنه، أياً كان السبب الذي تتذرع به، مسؤولون مسؤولية كاملة عن كل ما يحصل بالبلاد، كما تتحمل المرجعيات والمؤسسات والهيئات الدينية الأخرى مسؤولية ذلك لأنها عملت ونشطت وساعدت على وضع دستور طائفي النزعة وساهمت في وصول الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية، شيعية أم سنية، إلى حكم البلاد وعززت مواقعها وبالتعاون الوثيق مع الإدارة الأمريكية التي رغم تغيرها ما تزال تواصل النهج ذاته الذي مارسه السياسي المهووس بالدين والعنف والحرب وبالنموذج الأمريكي "للحرية" واللبرالية الجديدة جورج دبليو بوش.

إن الدرب الذي يسير عليه نوري المالكي هو درب الصد ما رد، كما هو حال درب كل الطائفيين من شيعة وسنة، ولكنه وإلى حين انهياره سيكلف الشعب العراقي آلاف القتلى والجرحى والمعوقين والخراب والدمار بالبلاد والإرهاب ونهب أموال الشعب وتعطيل التنمية والفقر والبطالة. إنه لا يريد أن يترك الحكم إلا على أنقاض وجثث، تماماً كما كان صدام حسين يريد ذلك، وهو ما انتهى إليه والعراق معاً وفعلاً.

 


30/3/2014
 



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter