|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  23 / 9 / 2015                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

صحوة الشبيبة من أوهام الهويات الفرعية القاتلة!!

كاظم حبيب

عانت الشبيبة العراقية خلال العقود الخمسة المنصرمة الكثير من الآلام والمآسي، وكان أفظعها خسارة ما يقرب من مليوني شاباً وشابة بسبب السياسات الاستبدادية والحروب التوسعية المجنونة، الداخلية منها ضد الشعب الكردي والأهوار، والحروب الثلاث الخارجية، وبسبب الاعتقالات والقتل في السجون، ومن ثم التهجير القسري لأعداد غفيرة جداً من شبيبة الكرد الفيلية وعرب الوسط والجنوب وبغداد وغيرها من مدن العراق إلى إيران. وقد حمل النظام شعارات قومية فارغة ومضللة ومدمرة للفكر والسياسة ومقدِسة للفكرة القومية اليمينية المتطرفة، الفكر الشوفيني والتمييزي إزاء القوميات الأخرى. لقد رفع الهوية الفرعية وقتل بعدوانية شرسة هوية المواطنة العراقية الحرة والمتساوية والمشتركة. وحين سقط النظام تنفس الناس جميعاً، وخاصة الشبيبة، الصعداء وتمنوا أن يعودوا إلى الحياة الطبيعية بعيداً عن الاستبداد والعسكرة والحروب والتهجير ليمارسوا حياتهم الاعتيادية في التعليم والعمل والثقافة وبناء الحياة الجديدة.

ولم يُمنحوا هذه الفرصة. فسرعان ما هيمنت الأحزاب الإسلامية السياسية والفكر القومي على الحياة السياسية وبرزت الهويات الفرعية الطاغية وكأنها في معركة دموية وليسوا جميعاً من شعب واحد متعدد القوميات، شعب واحد متعدد الديانات والمذاهب، شعب واحد متعدد الأفكار والسياسات، كما يفترض أن تكون عليه الحياة الإنسانية الطبيعية بالعراق.

وانجرف الملايين من الشبيبة، التي كان النظام البعثي قد مرغ كرامتهم بالتراب وداس على مصالحهم وحقوقهم، وأشعل فيهم روح التعصب القومي والديني والمذهبي، وراء الأحزاب الإسلامية السياسية والقومية مخلفات البعث والناصرية اليمينية التي سلمها المحتل الأمريكي–البريطاني السلطة بالعراق والتي عمدت إلى تأجيج الصراعات الدينية والمذهبية والقومية في محاولة من كل منها للسيطرة على قيادة السلطة ومنها التحكم بالمال العام والنفوذ الاجتماعي. وكانت نتيجة هذه الصراعات التي ما تزال مستمرة وموت عشرات ألوف الناس الأبرياء من الشبيبة العراقية على نحو خاص، كما استشهد أو فقد وشرد وهجر الكثير من العائلات ومعهم الأطفال عماد مستقبل البلاد. لقد جرى كل ذلك باسم الهويات الفرعية القاتلة التي سرقت في ليلة سوداء ومن جديد هوية المواطنة والوطن ونهبت الثروة.

لقد سار الملايين من شبيبة العراق وراء تلك الهويات الفرعية القاتلة واعتقدت مخدرة بالطائفية السياسية المقيتة بأنها ستحوز على الكثير من خلال تلك السياسات الجهنمية التي قادت البلاد إلى الوضع الذي هي فيه الآن ومعها شعب العراق كله. لقد دُفعت الشبيبة لتتبني ثقافة صفراء وتغوص في ماض سحيق لتنسى الحاضر المؤلم وواقعها البائس والبطالة والحرمان وتردي الخدمات، ومنها الكهرباء والتعليم والصحة والاتصالات والفقر الواسع النطاق. لقد عاشت شبيبة العراق على وهم كبير في أن تكون السلطة لكل من تلك الهويات الفرعية القاتلة، وراحت تركض وراء تلك الأحزاب وكأنها تعمل لصالح طوائفها، في حين كان عملها لصالح قيادات تلك الأحزاب التي نهبت البلاد وسبت العباد ليسقطوا بالآلاف ضحايا تلك الصراعات الطاائفية الخبيثة. إن المذاهب ينبغي أن تحترم من الجميع وكذا الأديان، ولكن ينبغي التخلي عن الطائفية السياسية المفرقة للصفوف والمبعثرة لوحدة الشعب.

لقد أدركت الشبيبة إنها تعيش تحت وطأة هذا الوضع الفاسد، فهبت وتفاعلت مع شعبها المخدوع بالأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية، التي عرتها المرجعية التي تحالفت معها قبل ذاك لأنها اكتشفت زيفها وسوأتها والعواقب المدمرة التي تعرض لها الشعب بعد حكم طائفي دام اثني عشر سنة عجاف. إن هبتها في كل مكان من العراق وستلتحق بها شبيبة وشعب بقية المحافظات التي بدأت تعاني هي الأخرى من الفساد والتسلط والتراجع عما تحقق سابقاً، كما في محافظات الإقليم أيضاً.

إن الشبيبة العراقية، ومعها الطفولة، تعاني أكثر من غيرها من واقع العراق المستباح الراهن، وخاصة تلك التي تحت هيمنة داعش وقوى البعث المسلحة المعادية للعراق والشعب، وهي التي تريد التغيير، خاصة بعد أن فقد الكثير من الشبيبة الثقة بالتغيير فاتسعت هجرة الشباب نحو مستقبل مجهول ومحفوف بالمخاطر.

وبالأمس وقف السيد رئيس الوزراء يطالب الشبيبة بالعمل والإبداع العلمي والتقني. والأسئلة التي سمعته من الشبيبة وبصوت مرتفع هي: أين هو العمل؟ أين هي فرص الأبداع العلمي والمبادرة؟ أين هي الأجواء السلمية والآمنة لكل ذلك؟

شعر الناس الشرفاء بالعراق بالحزن الشديد وهم يرون شبيبتهم تقاتل على جبهات الحرب ضد الأوباش الدواعش والبعثيين المتوحشين، أو تتظاهر وتطالب بالتغيير ورئيس الوزراء يطالبهم بإنتاج تقنيات تكشف عن الإرهابيين حاملي السلاح والمفجرين للسيارات المفخخة بسبب قلة ذات اليد ولم يحاسب حتى الآن أولئك الفاسدين ومن كان في الحكم حين تم استيراد تلك الأجهزة الفاسدة التي لا تكشف إلا عن الروائح الطيبة!!!

كم أتمنى أن يكون رئيس الوزراء واقعياً ويحاسب الفاسدين في الحكومة والقضاء ومن كان في الحكم وما يزال يعمل ضد التغيير الذي يناضل من أجله الشعب العراقي، ويعجل بالتغيير قبل فوات الآوان!




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter