|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  26 / 8 / 2018                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

     

هل العراق على حافة حرب إيرانية - ميليشياوية ضد الشعب العراقي؟

د. كاظم حبيب
(موقع الناس)

الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في صراع مستديم منذ سنوات على أرض العراق. الولايات المتحدة تعلن الحصار على إيران بسبب رفضها للاتفاقية النووية المعقودة بين الدول الكبرى الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي من جهة، وإيران من جهة أخرى. والمعركة لا يراد خوضها في إيران وحدها، بل في الكثير من دول العالم، ولاسيما بالعراق. الولايات المتحدة تطالب الدول بإيقاف تعاملاتها التجارية والمصرفية والتقنية وغيرها مع إيران. العراق، في وضعه الحالي، مجبر على إيقاف تلك التعاملات مع إيران، على وفق اتفاقيات ومصالح كبيرة جداً له مع الولايات المتحدة في المرحلة الراهنة، كما صرح بذلك رئيس الوزراء العراقي قبل شن الحملة السياسية والدبلوماسية والإعلامية ضده من جانب إيران وأتباعها في العراق. ورغم تخفيف رئيس الوزراء العراقي موقفه من العقوبات الأمريكية لم ينفعه ذلك، بل استمر الهجوم الإيراني بتشديد أكبر وعلى الأرض العراقية مباشرة.
إيران من جانبها تطالب العراق، المشدود إليها بألف خيط وخيط مرئي وغير مرئي عسكري وسياسي ومذهبي وميليشياوي وأحزاب إسلامية سياسية وحرس ثوري وقواد عسكريين وأجهزة أمنية إيرانية وجواسيس، على رأسهم الجنرال الإيراني قاسم سليماني بالعراق، بأن برفض الشروط الأمريكية كلها دون استثناء، وأن يضع مصالحه كلها جانباً ويدافع عن إيران ومصالحها لا في إيران فحسب، بل وفي العراق أيضاً، وأن يواصل تعاملاته كافة مع إيران على وفق الأوضاع السابقة.

هذا التوصيف الأولي لما يراد للعراق بالعراق يحصل في فترة تم حسم نتائج الانتخابات البرلمانية بانتظار الدعوة لعقد الجلسة الأولى للمجلس النيابي العراقي، أياً كان الموقف منه، لانتخاب رئيس المجلس ورئيس الجمهورية وتكليف رئيس الجمهورية للشخصية التي تمثل الكتلة البرلمانية الأكبر في البرلمان الجديد لتشكيل الحكومة العراقية. هذا الصراع لا يتم في بلد ديمقراطي حر وشعب يمتلك كامل حريته وإرادته ومقدراته ووعيه، بل تسوده الصراعات على المصالح الإقليمية والدولية في العراق والمغطاة بصراعات مذهبية محمولة إلى مواقع القاعدة الاجتماعية من قبل أغلب، أن لم نقل كل، الأحزاب والقوى والشخصيات، الإسلامية السياسية وميليشياتها الطائفية الإرهابية المسلحة. وهي تدور في داخل ما يطلق عليه بالمكونات المذهبية وفيما بينها.

هذا الواقع قد سمح بصدور تهديدات صارخة من إيران بشكل مباشر ودون لف أو دوران، تهديدات بثلاثة اتجاهات خطرة:

أولاً: توجيه الشتائم البذيئة للشعب العراقي ولكل القوى والأحزاب والشخصيات التي ترفض قبول التضحية بمصالح العراق لصالح إيران في الصراع الإيراني الأمريكي. وهي لا تنطلق من أفواه الناس العاديين في إيران، بل من أعلى سلطة إيرانية، من المرشد الإيراني الأعلى ومن ممثله في النجف وبكل صفاقة، ومن هم حوله من الأجهزة العسكرية والمدنية والإعلامية في إيران والعراق.

ثانياً: مطالبة إيران بدفع العراق تعويضات مالية عن الحرب التي اشتعلت بين البلدين في العام 1980، والتي يفترض أن يطالب العراق بها، بسبب رفض الخميني إيقاف هذه الحرب المجنونة بعد انفجارها بفترة قصيرة، أي في العام 1982، وبعد انكسار الجيش العراقي في الأهواز، بل حتى حين أَجبره العالم وكثرة الخسائر في الأرواح والممتلكات على إيقافها، قال الخميني بملء فمه في العام 1988(شرب السم الزُعاف اهون من إنهاء الحرب!) مع العراق. أي بعد مرور سنتين على بدء الحرب وست سنوات على انتهائها!، فمن الذي ينبغي عليه أن يدفع التعويضات فعلياً؟

ثالثاً: الاستعدادات الكبيرة التي تمارسها القوى الإيرانية المعسكرة في العراق، وهي في الغالب الأعم، من قوات جيش القدس والحرس الثوري والبسيج، التابعة للمرشد الإيراني الأعلى مباشرة، وأجهزة أمنية إيرانية كثيرة في العراق، بما في ذلك تلك الحسينيات والجوامع و"جمعيات المجتمع المدني!" التابعة لإيران والتي تدار كلها من قبل قاسم سليماني ونوابه من إيرانيين وعراقيين أولاً، والاستعدادات السياسية والإعلامية والعسكرية والمجتمعية والمذهبية التي تقوم بها الأحزاب والقوى والميليشيات العراقية المؤيدة لإيران أو التابعة لها أو المشكلة أصلاً منها في العراق، وما تحمله من تهديدات مباشرة أو مبطنة بخوض معركة كبيرة في العراق لصالح المصالح الإيرانية، ثانياً.

إن هذه التهديدات المتزايدة لبلد لم ينته بعد من حربه ضد الدواعش وبدعم من تحالف دولي واسع من جانب، ومن أوضاع معاشية وحياتية تزداد يوماً بعد يوم تعقيداً وصعوبة وتدجد تعبيرها في مظاهرات الجماهير الواسعة والعادلة في جنوب العراق ووسطه، ومنها ثغر العراق الحزين، البصرة الفيحاء، من جانب أخر، والضغوط الأمريكية السياسية والمالية والوجود العسكري الأمريكي ذاته في العراق ثالثاً، كلها عوامل يمكنها أن تُفجرَ حرباً إقليمية دولية على الأرض العراقية، وهو ما ينبغي التصدي له وإفشاله في كل الأحوال.

ليس عفوياً ولا عبثياً حصول حرائق متزايدة في العراق، ولاسيما في بغداد، إضافة إلى الاغتيالات والاختطافات وإشاعة الفوضى التي تمارس يومياً، لأن قوى بعينها تريد أن تجبر العراق على اتخاذ موقف إلى جانب إيران، كمن يقول للعراقيات والعراقيين: "تريد أرنب أخذ أرنب، تريد غزال أخذ أرنب"، لا بد لك أن تكون إلى جانب إيران ولو تمت التضحية بكامل مصالح العراق وشعبه. إنها اللعبة التي يمارسها من يملك القوة في العراق، رغم ضعف إيران في بلدها واهتزازها الشديد أمام القرارات والمواقف الأمريكية، التي هي إجراءات لا تلحق الضرر بالفئة الحاكمة في إيران، بل كلها تلحق أبشع الأضرار بالشعب الإيراني، وهي سياسة خاطئة وخطرة من جانب الولايات المتحدة، ولكن ليس في مقدور العراق مقاومتها والتضحية بمصالحه بأي حال وكان العراق أحد ضحايا مثل هذه السياسة. إن إيران تعتبر العراق "محمية إيرانية!" عليه أن يلتزم بقرارات "حاميه الإيراني!"، وإلا فلعنة المرشد الأعلى ستنزل على رأس الشعب العراقي، ولو تم ذلك بتفجير حرب أهلية شيعية-شيعية، ثم لتشتعل في العراق كله، كما هو حاصل في سوريا منذ ما يزيد عن سبع سنوات، وفي اليمن منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.

إن في هذه المعركة السياسية التي ينبغي لها أن تتخلى عن استخدام السلاح كلية، وعن الاحتماء بالأجنبي، سواء أكان من دول الجوار أم من غيرها، وأن تلعب القوى القومية والديمقراطية، ولاسيما القوى الكردية، التي عاشت السنوات المنصرمة منذ إسقاط الدكتاتورية تجارب مريرة، بما لها وما عليها، أن تحسم أمرها في غير صالح من يريد جرَّ العراق لحرب أهلية مدمرة بسبب سياساته التدميرية وتصدير الثورة الإسلامية إلى المنطقة العربية وغيرها.

لقد مرّغت إيران وأنصارها في العراق، ولاسيما من حكم العراق مباشرة لتسع سنواته، مع رهطه المستبد، بأساليب الخديعة والفساد والطائفية المقيتة والنار والحديد والسماح باجتياح داعش للموصل وعموم نينوى وغيرها من المحافظات الغربية، وكذلك أغلب دول الجوار، كرامة العراقيات والعراقيين بالتراب خلال السنوات المنصرمة، وعليهم جميعاً تقع مسؤولية مقاومة هؤلاء الذين لا يريدون الخير للعراق بل لملء جيوبهم وحساباتهم المصرفية بالسحت الحرام وبالخنوع للجار الأجنبي. إنها معركة ربما غير متكافئة، ولكن سينتصر الشعب العراقي على قوى الظلام والشر والفساد والباطل، وهو اليوم بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن يرتفع إلى مستوى المعركة التي يراد فرضها على العراق وعدم السماح بزج القوات العراقية والشعب في معارك دامية عراقية-عراقية لا يراد منها سوى فرض إرادة إيرانية ظالمة ومتجبرة ومهددة على العراق.


26/08/2018




 


 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter