| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

السبت 27/2/ 2010

 

سياسيو الهدايا وهدايا السياسيين!

كاظم حبيب

من كان بيته من زجاج, لا يرمي بيوت الناس بالحجر!
هذا العنوان الذي وضعته لأكتب مقالاً جديداً عن العراق بعد قراءة ملاحظة سجلها الفنان الكاريكاتيري الأستاذ سلمان عبد. وذد ذكرني هذا بما كان يجري الحديث عنه في القرن التاسع عشر حول فلسفة البؤس وبؤس الفلسفة التي يتبناها البعض. وإذا كان العنوان القديم ينطبق على الفكر والرؤية الفلسفية البائسة لبعض الفلاسفة حينذاك وما ينجم عنها, فأن هذا العنوان الذي وضعته ينطبق بشكل دقيق على الفكر والممارسة السياسية في العراق في هذه المرحلة الهشة من تاريخ العراق السياسي ومن بؤس السياسة التي تمارس في العراق وبؤس الكثير من السياسيين لا من الناحية المالية, بل من الناحيتين الفكرية والسياسية وما ينشأ عنها من محاولة لشراء الذمم في مجتمع لا زال يعاني من الفقر والفاقة والحرمان ويتعطش للمال, وهي الطريقة المقابلة لأولئك الذين يشترون الناس لقتل الناس جسدياً بسبب فقر من يبيع نفسه مالاً وتنويراً, وهنا يتم القتل فكرياً وسياسياً.
كانت الانتخابات في العهد الملكي تتسم بعدم النزاهة والغش والرشوة بحدود معينة وخاصة لشيوخ العشائر وكبار الموظفين من أجل تعبئة أفراد عشائرهم ودوائرهم لخوض الانتخابات. وكانت الرشوة تبرز على شكل تعيينات في الوظائف أو الحصول على قطعة أرض أو تضمين أراضي زراعية من الدولة أ, ..., ثم اتخذت في المرحلة الأخيرة دفع بعض النقود لشراء الأصوات بصورة غير مباشرة وعبر وكلاء للمرشحين الكبار.
وفي عهد صدام حسين حين بدا يمارس الانتخابات لمجلسه النيابي القرَقوزي, كان يمنح العطايا الكبيرة والكثيرة لعدد كبير من شيوخ العشائر وكبار الموظفين وأحياناً بعض العلماء والأدباء الذين خصوه بالمديح. وكانت بعض هذه الهدايا تقدم على شكل ساعات عليها صورة "قائد الأمة المغوار!" صدام حسين أو سرجون العراق الجديد! وكانت بنادق كلاشنكوف الروسية أو مسدسات من الأنواع الممتازة, إضافة إلى توزيع العربات المرفهة من مرسيدس أو غيرها من الماركات المعروفة عالمياً. وكانت هذه الهدايا غالية الثمن لا يتحملها ضلع العراق المكسور في فترة الحصار الاقتصادي, ولكنه واصل منحها بالرغم من جوع الناس وموت الفقراء المرضى بسبب نقص الأدوية والعناية الطبية.
وفي الفترة التي أعقبت سقوط النظام حتى قبل بدء الانتخابات بدأ بعض الحكام الجدد يوزعون الهدايا الثمينة. فالدكتور أياد علاوي بدأ بتوزيع الساعات الثمينة جداً والغالية الثمن وسويسرية الصنع على وزراء حكومته وكبار موظفيه والمحيطين به. وكان البعض يتصور أن سعرها لا يتجاوز الألف دولار. وحين استفسر أحدهم عن سعر الساعة الواحدة من أحد باعة الساعات قيل له بأن سعرها على الأقل ثمانية ألاف يوروو أو ما يعادل حينذاك عشرة ألاف دولار أو يزيد بقليل. ولم تكن هذه الهدايا لوجه الله, بل كانت لوجه البقاء في الحكم. وخاب فأله, لأنه لم يكن حاكماً جيداً وعرف عهده الكثير من النهب والسلب, ومنهم وزير دفاعه الشعلان الذي عرف كيف ينهب الدولة ويغادر العراق في الوقت المناسب. وكان عهده لا يختلف عن عهد الجعفري الذي جاء من بعده وأصبح في فترة قصيرة صاحب قناة تلفزيونية وما لم يكن يحلم به يوماً في حياته من مال وجاه ورياش. فالجعفري من مدينيتي وأعرف عائلته (الأشيقر) جيداً والبعض من أقاربه القريبين كان معي في الثانوية, وهم من السادة الذين يقومون بمرافقة زوار الحضرة الحسينية.
واليوم نحن أمام ظاهرة قديمة جديدة. فقد بدأ رئيس الحكومة العراقية الجديد, ومع بدء الحملة الانتخابية, يوزع هدايا لا تختلف عن هدايا صدام حسين, يوزع سلاحاً لا دعوة فيه للسلام والأمان, بل هي الرمز للعسكرة والحرب والموت. فمن أين جاء المالكي بهذه النقود؟ فمعرفتنا بعائلته وأملاكه وإمكانياته المالية الشخصية معروفة للجميع, فلماذا يوزع مسدسات غالية الثمن ( ثلاثة آلاف دولار للمسدس الواحد ) على شيوخ العشائر كتب عليها هدية السيد رئيس الوزراء, تماماً كما كان يكتب عليها صدام حسين؟ كان صدام حسين ناهباً لخيرات الوطن والشعب, فلا حساب عليه, وقد أخذ حسابه أخيراً وأرسل على مزبلة التاريخ.
نحن الآن أمام رئيس الوزراء, اقترح عليه أن يوزع تلك النقود إن كانت من ماله الحلال على الفقراء والمعوزين المتجمعين أمام بوابات مزارات الكاظمية والأعظمية وشارع الشيخ عمر وكربلاء والنجف وسامراء وليس على شيوخ العشائر الملئا بطونهم والذين لا يحتاجون إلى مسدساته فعندهم ما يكفي من الأسلحة.
ألا يحق لنا أن نطالب السيد رئيس الوزراء بكشف الحساب عن أموال حملته الانتخابية وعن أمواله الخاصة تماماً كما فعل بعض النواب وبعض المسؤولين؟ ألا يحق لنا أن نتساءل وهو الذي وجه الاتهام لمن يلتقي ببعض المسؤولين العرب, ومنهم ملك السعودية, بـ "اللاوطنية", أن نشير إلى أن هناك من يأتي إلى العراق من دول الجوار, وأخص بالذكر هنا علي لاريجاني, رئيس مجلس النواب الإيراني, قبل الانتخابات والتقي بالكثير من السياسيين, بمن فيهم رئيس الوزراء, فما هو حكم رئيس الوزراء على تلك الزيارات وعلى من استقبلوه؟ علماً إن أحد الموضوعات كانت الانتخابات العراقية والتحالفات السياسية.
العراقيات والعراقيون يدركون تماماً بأن هناك تدخلاً فظاً من إيران وسوريا والسعودية والخليج ولبنان وغيرها من الدول المجاورة والعربية والإسلامية في الشؤون العراقية, ومنها الانتخابات, ولا يمكن إيقاف هذه التدخلات ما دامت هناك أحزاباً إسلامية سياسية طائفية أو "علمانية" متخلفة تميل لهذا الطرف أو ذاك, وما دامت الحكومة العراقية ضعيفة وقائمة على أسس المحاصصة الطائفية, وما دام الكثير من أبناء وبنات الشعب العراقي يعيشون في حالة يائسة من الفقر والحرمان ومادام الفساد المالي يهيمن على الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد. وما دام هناك من السياسيين من يقبل أخذ الهدايا من الخارج أو الداخل من جهة, ويقبل بتوزيعها للفوز بالانتخابات من جهة أخرى!
سياسيو الهدايا ينبغي أن لا يفوزوا بالانتخابات لأنهم إذ بدأوا بهذه العملية وبهذه الصيغة غير السليمة, فكيف سيكون الأمر بعد فوزهم؟ هدايا السياسيين يمكنها أن تعمي البصر والبصيرة ولكن إلى متى؟ هذه هي الرغبة والأمنية والأمل. ولكن أوضاع العراق الراهنة لا تسمح بتحقيق هذه الأمنية , بل تسمح مع الأسف الشديد بعبور سياسيو الهدايا إلى مجلس النواب!
يتصل بعض المرشحين من فقراء الحال بأصدقاء لهم في الخارج يرجونهم تأمين عدة مئات من الدولارات لهم لإدارة حملتهم الانتخابية المتواضعة, والبعض الأخر يصرف الملايين من الدولارات أمام أنظار الشعب ولا يسأل أحد عن أصل هذه الأموال, من أين وكيف وصلت إلى العراق!
من أين للسيد إبراهيم الجعفري هذه الأموال للصرف على قناة تلفزيونية وإذاعة ومكاتب في الداخل والخارج ومراسلين ودور؟ ومن أين لغيره من أمثاله من المرشحين من الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية هذه الأموال؟ من حقي الكامل كمواطن أن استفسر عن كل ذلك ومن حق القضاء العراقي أن يستفسر من أين لك هذا" إن هذا ليس من فضل ربك, بل من فضل غيرك! فمن هو الغير؟ هنا تسكب العبرات! لسنا أما طلسم لا يحل, بل الحل موجود لدى الشعب, فهو الذي يقرأ الممحي والمكتوب, ولكن من المؤسف حقاً أن الوعي المزيف الراهن لا يعطي هذا الشعب إمكانية التصريح بما يشاهده ويعيشه في العراق. البعض يتصرف على طريقة صم, بكم, عمي فهم لا يفقهون! ولكن السؤال العادل : إلى متى سيستمر هذا الوضع .. إلى متى... إلى متى؟؟؟
 


27/2/2010



 

free web counter