| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأحد 4/10/ 2009

 

ما العلاقة بين النقد والعاملين في الشأن العام في العراق؟

كاظم حبيب

نشأ وتطور عبر الزمن وفي حياة البشرية ومجتمعاتها المختلفة تقليداً حضارياً سليماً, وأن اختلف الموقف منه ومن النظر إليه بين المجتمعات المتحضرة والمجتمعات التي لا تزال تسعى إلى اللحاق بتلك المجتمعات المتحضرة. وهذا التقليد الثقافي الناضج يؤكد ما يلي:
أن من يشتغل في الشأن العام, أي في السياسة والثقافة والعلاقات الاجتماعية والعلاقات العامة يكون من حيث المبدأ مكشوفاً على المجتمع كله, وبالتالي, فأن جميع تصرفاته وسلوكه العام, بل والخاص ونشاطه السياسي والثقافي والاجتماعي, وربما العائلي بالنسبة للأفراد أو كحزب أو جمعية أو منظمة أو نقابة, يكون معرضاً للنقد في مختلف وسائل الإعلام وبين الناس عموماً, كما يمكن أن يمارس النقد الذاتي إن امتلك الشخص أو الحزب المستوى الحضاري والثقافي المناسب الذي يساعده على ممارسة ذلك. هذا من جهة , ومن جهة أخرى يفترض في من يمارس النقد أن ينتظر من هذا الشخص السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو هذا الحزب أو ذاك رد فعل للنقد الذي مارسه بممارسة نقد مضاد لما طرحه من ملاحظات إزاء عمل الآخرين. ومثل هذا النقد المتبادل يعتبر ممارسة طبيعية ويفترض أن تكون اعتيادية, إذ لا ضير فيها حين تكون موضوعية وهادفة إلى التحسين وليس الإساءة, بل هي ضرورية ومساهمة فعالة في تحسين أوضاع معينة لدى هذا الشخص أو ذاك ولدى هذا الحزب أو ذاك وفق رؤية الناقد.
ودون أدنى ريب يفترض أن تحافظ ردود الفعل على مستوى مناسب في النقد, إذ لا فائدة من تصعيد النبرة وتحويلها إلى قضية شخصية فقط لا مسألة عامة تمس المجتمع وأن تحركت صوب أشخاص معينين وليس حول علاقات شخصية, بل المحرك للنقد هو الشأن العام.
كما يكون من غير المنطقي ودون مسؤولية ممارسة الإساءات أو الشتائم أو التهديد بكشف أوراق غير موجودة, بل بهدف جعل الأمر معلقاً في الهواء, وكأن الشيء أشبه بماء سكب لا يمكن جمعه, قرأه من قرأه وتم تداوله دون أن يكون لدى هذا الشخص أو ذاك أي شيء يهدد به, إذ كان الأصوب نشر ما لديه مباشرة دون التهديد والوعيد بالنشر. إن مثل هذا التهديد ينطبق عليه المثل القائل "لا يطير ولا ينكض (يمسك) باليد".
أقول هذا لمن لم يتعلم أن يسمع النقد وأن يتفهم الأغراض الإصلاحية المحتملة الكامنة وراء هذا النقد وليست التخريبية, أقول هذا لكي يكف البعض عن تهديد الناس بما لا يملكون ولكي لا يثيروا لغطاً يعود عليهم بمفعول عكسي.
تعتبر ظاهرة ممارسة النقد مسألة حضارية وفضيلة, في حين تعتبر ممارسة التهديد والوعيد ظاهرة متخلفة ورذيلة في المجتمعات المتحضرة, ولكنها تقبل لدى البعض بسبب الجهل والأمية السياسية والحضارية, وأحياناً يهلل لها من لا يعي أصلاً أهمية النقد في الحياة السياسية.
وتحدث عن ظاهرة النقد الكثير من الناس, وكان أكثرهم وضوحاً ذلك الذي قال "أن النقد ضوء ينير الطريق لمن يريد أن يستنير به", أو من قال "لا تصدق الذي يضحكك ويطبطب على كتفيك ويمسح چوخك, بل صدق من يمارس النقد الواقعي إزاء عملك, والشعب يقول "لا تركض وره اللي يضحكك, أركض وره اللي يبچيك".
كم أتمنى أن يتعلم البعض هذه الحكم الشعبية المجربة بدلاً من توجيه من يسيء للآخرين. فمثل هذا الأسلوب لا يفيد ولا يستفيد منه أحد, كما أنه غير منتج لما هو نافع للمجتمع.
علينا جميعاً أن نتعلم, فنحن ما زلنا نزحف بعيداً عن جرف الديمقراطية, نحن ما زلنا نحمل سلوكاً مستبداً لا يبرز في الحاكم وحده, بل في سلوكنا اليومي إزاء البعض, كم كنت أتمنى أن استمع إلى نقد موضوعي لكي أناقش بصورة موضوعية ما يطرح من أفكار تنتقد ملاحظاتي النقدية وليس إلى من كان ينتظر أن يشتم الرجل ليقولوا له أحسنت فقد حان أوان إسكات هذا الناقد أو ذاك!
كم هم مخطئون هؤلاء الناس, كم هم غرباء عن الفكر العلمي الذي يسعى إلى تقديم فرضية أو موضوعة مقابل فرضية أو موضوعة أخرى ليتم النقاش والحوار حولهما ويصلوا فيما بعد إلى موضوعة أخرى أكثر نضوجاً للجميع.
إنها محنة التخلف ومحنة الاستبداد بالرأي ومحنة الرغبة في التسلط ومنع ممارسة النقد.
ولكن الحياة تقول شيئاً آخر. لنستمع إلى الحكمة المندائية الرائعة لنكتشف كم هي عميقة وكم هي قيمة إنسانية خالدة وكم تعبر عن قدم هذا الدين وتجربة المؤمنين الكبيرة في الحياة:

"ويل لعالم غير منفتح على غيره, وويل لجاهل منغلق على نفسه"

كم أتمنى أن تفهم هذه المقولة لكي لا يتكرر ما لا ينبغي تكراره في ممارسة ردود فعل غير محسوبة العواقب. كم أتمنى أن نعي جميعاً أهمية النقد والنقد الذاتي, كم أتمنى أن نخلق حواراً جديداً ومدرسة جديدة في الحوار المتبادل بين الأشخاص والأحزاب ونقاشاً جديداً حول الأفكار.



27/9/2009
 

 

 

 

free web counter