|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  5 / 7 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

من منهما الأكثر عشقاً ونرجسية واستبداداً في حكم العراق؟

كاظم حبيب

ما كان لأحد أن يفكر في إجراء مقارنة بين الدكتاتور المطلق صدام حسين وحاكم العراق الجدد، لأن الكثير من بنات وأبناء الشعب العراقي قد توقعوا بأن الحكام الجدد، ومنهم الجديد، سيستفيدون جدياً ويتعلمون من دروس الماضي القريب، دع عنك البعيد، من عدوانية نهج وسياسات نظام حكم البعث أو عبد السلام محمد عارف مثلاً. ولكن ما يعيشه الشعب في هذه المرحلة بشكل خاص تؤكد بأن الحاكم الجدد، وكذلك أتباعه، لم يتعلم من الفترة الماضية بل راح يمارس ذات السياسات التي أوصلت البلاد إلى الواقع المرير الراهن.

حين وصل البعثيون إلى السلطة في العام 1968 وللمرة الثانية أكدوا بما لا يقبل التأويل على لسان صدام حسين قوله "جئنا لنبقى". وبعد سنوات وحين شعروا بوجود معارضة متنامية ضدهم صرح صدام حسين بقوله المعروف الذي كان يحلو لنعيم حداد أن يكرره: "أن الذي يري أن يحكم العراق من بعدي سيستلمه أرضاً بلا بشر" وخرائب. وكان نعيم حداد يعبر عنها بوحشية مرضية أيضا، إذ كان يقول سيتسلم العراق جثثاً وخرائب.

منذ سنتين تقريباً صرح نوري المالكي بقوله المعروف: "أخذناها بعد ما ننطيها"، ثم أردف ذلك بالقول: "ليش هو أكو بعد واحد يگدر ياخذها". هذه الجملة الواضحة وبلهجة عراقية تعني ثلاث مسائل جوهرية تجسد رؤية وطبيعة المالكي, وهي:

1. إنه يتحدث بلغة الجمع التي يريد بها التعبير عن "تمثيله!" للطائفة الشيعية كلها و"للبيت الشيعي" كله، وكذلك حزبه الشيعي الطائفي والذي يقصد بها شخصه لا غير.

2. وإنه مستعد لمواجهة كل من يرغب بأخذ السلطة بكل السبل المتوفرة المشروعة وغير المشروعة بالقوة والعنف.

3. وإنه بذلك يعبر عن رفضه وعدم احترامه للمبدأ الدستوري القائل ب "التداول السلمي والديمقراطي للسلطة".

وهذه النقاط الثلاث تشير بما لا يقبل الشك أن نوري المالكي وحزبه استخدما الديمقراطية أداة للوصول إلى السلطة، ثم رفضا هذه الأداة لأنها ليست من منهجهما أو فلسفتهما أو تصورهما في حكم البلاد. ولم تأت تلك الكلمات المشابهة لتصريحات صدام حسين حول السلطة من فراغ، بل إنهما يدركان بوجود معارضة للمالكي كشخص وكممثل عن حزب سياسي هو حزب الدعوة الإسلامية وكممثل للنظام الطائفي السائد بالعراق. ورفضه كشخص يأتي من طبيعة سياساته الفردية والخطايا الكبيرة التي ارتكبها خلال الفترة الماضية من حكمه التي دامت أكثر من ثماني سنوات, فهو مرفوض من التحالف الكردستاني ورئاسة حكومة إقليم كردستان العراق، وهي الجهات التي تمثل الشعب الكردي أولاً، وتأتي من القوى والأحزاب المماثلة له بالطائفية في محافظات غرب العراق والموصل ثانياً، وهي ليست بالضرورة تمثل الطائفة السنية بالعراق، ولكنه مرفوض من أبناء وبنات الشعب في المناطق الغربية من العراق والموصل أيضاً، كما إنه مرفوض من أحزاب وقوى سياسية عديدة من الطائفة الشيعية التي تشكل معه التحالف الوطني أو البيت الشيعي ثالثاً، وهو مرفوض من قوى اتيار الديمقراطي ومنها الحزب الشيوعي العراقي والكثير من المستقلين رابعاً. وقد دفع هذا الواقع إلى أن يتخلى عنه الكثير من السياسيين حتى من جمهرة من أتباع في دولة القانون ولكنهم يخشون التعبير عن ذلك لأنهم يقفون أما مستبد عراقي جديد لا يختلف كثيراً في المنهج والسمات والسلوك السياسي عن صدام حسين. ووضع المالكي نفسه في مواجهة نسبة عالية جداً من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية والفكرية. كما طرحت جهتان كانتا حاميتين له ومدافعتين عنه هما: المرجعيات الدينية الشيعية في النجف، والولايات المتحدة الأمريكية، إذ طالب الطرفان بتشكيل حكومة وحدة وطنية مقبولة من الجميع، في حين أنه لا يتمتع بتأييد الجميع بل بنسبة قليلة من الجميع. وحين أدرك إن التحالف الذي هو فيه يرفضه أيضاً، قرر أن يخوض معركة سيئة على العراق والمجتمع وأصدر بوم الجمعة المصادف 4/7/2014 بياناً جاء فيه ما يلي:

"ولن أتنازل أبدا عن الترشيح لمنصب رئيس الوزراء، فائتلاف دولة القانون هو الكتلة الأكبر، وهو صاحب الحق في منصب رئاسة الوزراء وليس من حق أية جهة أن تضع الشروط، لأن وضع الشروط يعني الدكتاتورية، وهو ما نرفضه بكل بقوة وحزم." (من نص البيان).

إن هذا الموقف، وفي ظل الظروف الراهنة، يعني نشوء عواقب وخيمة على العراق وأشبه بما صرح به صدام حسين: "أن من يريد ان يحكم العراق من بعدي سيستلمه أرضاً بلا بشر"، نشير إلى البعض منها .

1. ضرب الوحدة الوطنية الضرورية والحكومة الوطنية الموحدة القادرة على مواجهة الأحداث الجارية، ومنها بشكل خاص اجتياح واحتلال التنظيمات الإرهابية بقيادة داعش لمناطق واسعة جداً من العراق.

2. تعني تقسيم العراق، إذ إن هذا قد يضع الكرد في مواجهة شخصية ناوأتهم وقطعت عنهم الأرزاق وهمشت دورهم في الدولة الاتحادية وتدفع بهم إلى الانفصال، وهو من حيث المبدأ حق مشروع للشعب الكردي، حقه في تقرير مصيره بنفسه وليس بوصاية من أحد بما في ذلك حق الانفصال وتكوين الدولة الوطنية المستقلة.

3. العجز عن مواجهة داعش واحتمال توسعها على المزيد من الأرض العراقية وتكريس حكمها الظلامي في تلك المناطق.

4. خسارة المزيد من البشر الذين سيصبحوا ضحايا الصراع والنزاع الدموي الجاري حالياً بالعراق والذي يمكن أن يتسع ليشمل مناطق أخرى.

5. وهذه الحالة ستمنع عقد اجتماع لمجلس النواب من خلال الامتناع عن الحضور بما يحقق ما يريده نوري المالكي حالياً، أي أن يبقى على رأس الحكومة حتى لو كانت حكومة تصريف أعمال، وممارسة سياسة استبدادية قاسية ضد كل المخالفين له، كما حصل مع أتباع الشيخ الصرخي بكربلاء حيث قتل عشرات الأشخاص من أتباعه وتراوح عددهم بين 40-45 شخصاً عدا الجرحى والمعوقين وعدا الخسائر المادية.

6. إن المشكلة بالعراق ليست مشكلة المالكي وحده، رغم إنه الشخص الذي يجب أن لا يبقى في الحكم، لأنه لم يفشل في الحكم فحسب، بل ووضع العراق على حافة الانهيار الكامل، إن لم يكن الانهيار قد أصبح قاب قوسين أو أدنى وفي الواجهة، بل إن المشكلة تكمن في النظام المحاصصي السياسي الطائفي الذي يجب أن يتغير بحكومة إنقاذ وطني حقيقية، حكومة وطنية تدرك الواقع الذي يجد العراق نفسه فيه وتعمل لإنقاذه. ولا يمكن أن يتم ذلك بوجود المالكي وحزبه!!!

إن المالكي يدفع بالعراق إلى حافة التقسيم والحروب الأهلية والطائفية والقومية، وهو ما يفترض أن يدركه الشعب العراقي. ولكن غالبية الناس بالعراق تشكَلَ لديها خلال عقود الدكتاتورية والطائفية والإرهاب والفساد وعي مشوه ومزيف، ولهذا سيجد الناس صعوبة إدراك ما يجري على الأرض والعواقب المترتبة عن السياسات الطائفية ونهج المالكي.

إن بقاء المالكي كارثة واستمرار النظام المحاصصي كارثة أكبر والخلاص منهما هو الحل الذي سيعيد للعراق تدريجاً أوضاعه الطبيعية. إن المالكي، كما عبر عنه محلل سياسي أجنبي هو "حفار قبر العراق"، فهل سيسمح الشعب والعالم لحفار قبر العراق وحزبه أن يستكملا الحفر ودفن العراق؟ هذا ما ستكشفه الأيام والتي هي حبلى بأحداث كبيرة وذات مخاطر كبيرة.


5/6/2014
 





 





 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter