| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الجمعة 6/3/ 2009

 

تداعيات انتخابات مجالس المحافظات والتحضير للانتخابات العامة القادمة
(2-2)

كاظم حبيب

الملاحظات النقدية التي وجهها الشيوعيون لقيادة حزبهم
من الأمور الصحية في الحياة السياسية ممارسة النقد وعدم التعرض للعقوبات الحزبية أو الحكومية أو العزل السياسي بصيغ مختلفة, وخاصة عقوبات غير مباشرة. كما أن من المهم والصحي ممارسة النقد الذاتي بسبب سياسات ومواقف وتقصيرات وأخطاء ترتكبها الأحزاب السياسية أو الحكومة أو مجلس النواب والرئاسة. ومن المحزن أن نقول أن ظاهرة النقد الذاتي نادرة حقاً في حياة العراق السياسية, وخاصة بين الأحزاب الحاكمة.

من الأمور التي أكد عليها الحزب الشيوعي العراقي وبعض القوى اليسارية والديمقراطية في العراق بشكل صائب هو الحق في ممارسة النقد والنقد الذاتي. وقد مورس النقد الذاتي فعلاً بصيغ شتى من جانب قيادات الحزب الشيوعي العراقي خلال العقود السبعة المنصرمة. وكان هذا النقد الذاتي مفيداً أحياناً, وجاء متأخراً وبعد فوات الآوان في أحايين أخرى, كما لم تجر الاستفادة من النقد في مواقف مماثلة تقريباً في مرات اخرى, كما كان جلداً للذات في بعض الأحيان.

وحين كان البعض من الشوعيين يوجه النقد لقيادة حزبه, وقد مورس هذا النوع من النقد أيضاً, كان يؤخذ بنظر الاعتبار أحياناً ويرفض أحياناً أخرى, وكانت في بعض الأحيان وبالاً على الشخص المنتقد. ومارست قيادة الحزب الشيوعي في الكثير من الأحيان النقد الذاتي بعد ارتكاب الأخطاء, ولكن لم يجر التعلم منها في سياسات ومواقف مقاربة, ولا يمكن القول بأنها كانت مماثلة. وهي إشكالية تشمل جميع الأحزاب السياسية في العراق, كما يبدو, بسبب حقيقة عدم التطابق بين النظرية والتطبيق, إذ تبقى هناك فجوة كبيرة أو صغيرة بينهما, إضافة إلى غياب الديمقراطية عن بلاد ما بين النهرين أو وادي الرافدين من جانب, وضعف الوعي الديمقراطي العام من جاب آخر.

ولأول مرة خلال الأعوام الست المنصرمة تجرأ بعض الشيوعيين من أعضاء وكوادر الحزب الشيوعي على ممارسة النقد علناً في الصحافة العراقية أو في المواقع الإلكترونية, وهي ظاهرة صحية ومحمودة لأنها تستهدف الإنارة ولي الإساءة. يأمل الإنسان أن لا تكون لها عواقب سلبية على المنتقدين, بعد أن صرح عضو المكتب السياسي مفيد الجزائري بأنهم سيدرسون التجربة وسيستفيدون من الملاحظات التي قدمت. إذ أشير لي من البعض بأن القيادة غير قادرة على تحمل النقد وتواجه النقد بتشنج وأحياناً بغضب على أقل تقدير وله ما له من عواقب على الشخص داخلياً. فبعضهم يجمد والبعض الآخر تقام له علاقة فردية ..الخ. وهي حالة غير نادرة حتى في تنظيمات الخارج حالياً. كم أتمنى أن لا يحصل ذلك لمن يحمل في يديه شمعة أو مصباحاً لينير به درب حزبه أو درب الآخرين. ربما في هذا بعض المبالغة من البعض, ولكن التنويه به مفيد على الأقل.

أما الأحزاب السياسية الأخرى فهي لا تعرف النقد والنقد الذاتي, وبعضها لا يريد أن يعرف أصلاً أنه قد أخطأ أو قصر, بل هي تعتقد بأن كل ممارساتها وسياساتها كانت عين الصواب, وسرعان ما تتفجر الصراعات الداخلية وتظهر إلى العلن دون سابق إنذار مناسب. إن للصحافة دور مهم في هذا الصدد وهي التي تساعد على دفع الحوار للتفاهم إلى أمام, أما إخفاء الصراعات والتستر عليها, فهي والحق يقال تزيد من التوتر الداخلي وتفجره بشكل مضر. وأمام القارئات والقراء أمثلة كثيرة في حياة العراق الراهنة أبتداءً من الأحزاب الإ سلامية السياسية ومروراً بالأحزاب الديمقراطية وبعض القوى اليسارية والمتياسرة وانتهاءً بالقوى اللبرالية. فالمجلس الإسلامي الأعلى وحزب الدعوة الإسلامية بكل أجنحته, وخاصة جناح الدكتور إبراهيم الجعفري, والحزب الإسلامي العراقي والقائمة الوطنية العراقية بقيادة الدكتور آياد علاوي, والمؤتمر العراقي بقيادة الدكتور أحمد الجلبي والأحزاب السياسية في كُردستان دون استثناء. ولا خلاف في أن حزب البعث الذي حكم العراق 35 سنة لم يكن في قاموسه أصلاً ما يسمى بالنقد أو النقد الذاتي, دع عنك الجماعات البائسة من البعثيين والإسلاميين السياسيين التي لا تزال تحمل السلاح وتطمع في العودة إلى السلطة مرة أخرى دون أن تفكر بنقد سياساتها ومواقفها وجرائمها السابقة! فهي تعيش أوهاماً وأضغاث أحلام, إلا إذا فقد الشعب اليقظة وفقدت الأحزاب السياسية البصيرة, عندها تتحول تلك الأحلام إلى واقع. وهو التنبيه والتحذير الذي لا بد من ذكرهما.

من تابع الملاحظات النقدية الجادة التي وجهت لقيادة الحزب الشيوعي العراقي في عمله الفكري والسياسي والتنظيمي وفي التحالفات السياسية في أعقاب عدم الحصول على أصوات مناسبة في انتخابات مجالس المحافظات, رغم أن هذه الخسارة ليست كارثة أو أمراً لا مرد له لاحقاً, ولكنها مؤشر مهم للراهن من الأيام والمستقبل ويتطلب التفكير, لوجدها تصب عموماً في خدمة تقدم الحزب وتطوره وتحقيق نتائج إيجابية في تعبئة المزيد من الناس حول الحزب ولصالح منحه المزيد من الأصوات في العمليات الانتخابية القادمة. وهو أمر يفترض أن يثلج صدر الحزب وقيادته, إذ أن هناك في داخل الحزب أو خارجه من يهتم بأمر الحزب ويريد له الخير ويقدم الملاحظات دون أن ينتظر الشكر والتقدير.

لا شك في أن المهمة التي أخذ المنتقدون على عاتقهم بلورتها وطرحها على الناس علناً ليست سهلة بل عسيرة ومعقدة بسبب مركزي هو عدم وجود قناعة لدى قيادة الحزب الشيوعي العراقي حتى الآن بصواب تلك الملاحظات وبضرورة إجراء التغييرات المقترحة التي قدمت للحزب الشيوعي منذ فترة غير قصيرة وليس بعد الانتخابات بل قبلها بكثير من الوقت. أرجو أن أكون مخطئاً في هذا الصدد! وحين لا تكون مثل هذه القناعة موجودة لدى قيادة الحزب, فما جدوى عقد مؤتمر الحزب التاسع مبكراً لدراسة قضية واحدة هي قضية تغيير اسم الحزب, كما أ,رد ذلك الأخ الدكتور حكمت حكيم.
وفق قناعتي الشخصية فأن هذه القضية وحدها, على أهميتها لحاضر ومستقبل عمل هذا الحزب, لا تستحق عقد المؤتمر, لأنها ليست عملية شكلية ومجرد اسم, بل هي أعمق من ذلك بكثير, وهي التي ابتعدت عنها قيادة الحزب حتى الآن.

ولكني قرأت بعناية الملاحظات المهمة والكثيرة التي طرحها الأخ داود أمين حول نتائج الانتخابات وعمل الحزب. وبغض النظر عن التفسيرات أو وجهات النظر المختلفة بشأن طبيعة الموقف ووجهة التغيير بالنسبة للملاحظات التي طرحها الأخ داود, يصبح من المفيد عقد اجتماع موسع مثلاً أو مؤتمر استثنائي لمناقشة هذه القضايا بغض النظر عن وجهة وتفاصيل التغيير المقترحة, رغم محاولة السيد داود أمين تسفيه رأي رفيقه الدكتور حكمت حكيم حول عقد المؤتمر لغرض تغيير اسم الحزب. لدي القناعة بأن الدكتور حكمت ليس شخصاً ساذجاً بحيث يطرح الموضوع وكأنه موضوع الاسم فقط , فمع الاسم يبدأ التفكير الجدي ببقية القضايا الفكرية والسياسية التي تستوجبها طبيعة المرحلة وليست هوية الحزب.
ومع ذلك فإذا ما جمعت كل الملاحظات التي قدمت من الاثنين, إضافة إلى ملاحظات الأخ محمد علي محي الدين أو الصديق العزيز عادل حبه وغيرهما, فسيكون مهماً عقد المؤتمر, شريطة أن يعد لذلك بروية على أهمية السرعة في هذا الأمر.

في قناعتي الشخصية وحسب معرفتي بأسلوب العمل الجاري وما رشح لي خلال الفترات المنصرمة عن عمل الحزب وعن دور القيادة ودور سكرتير الحزب, الصديق العزيز حميد مجيد موسى, بأن عملية التغيي المنشودة سوف تستغرق وقتاً آخر, إذ أن القضايا ليست ناضجة كفاية حتى الآن لا في قيادة الحزب ذاته حسب, بل في قيادات المحافظات أيضاً. وبمعنى آخر أن القيادات الراهنة عموماً, وليس الكل بالضرورة, تقف ضد أي تغيير في حياة الحزب الداخلية وفي وجهته الفكرية والسياسية ونشاطه الفعلي على مستوى العراق. وعندها ستكون النتائج واحدة, سواء عقد المؤتمر أم لم يعقد. هذا لا يعني بأي حال بأني متشائم جداً من إمكانية أي تغيير في وجهة نضال الحزب الشيوعي العراقي وفي المهمات التي يطرحها وفي عمله القيادي والقيادة التي يمكن أن ينتخبها, بل لأن طريق ومهمات التغيير ووجهته غير ناضجة في الحزب عموماً. كما أن دور القيادة في بلورة التغيير غير موجودة لأنها لها موقفها من التغيير.

أين يكمن الخلل؟ الخلل يكمن في مواقع عدة, ولكني أشير إلى مسألة مهمة. لقد نشأت لدى الأحزاب الشيوعية التي كانت لديها جماهيرية واسعة قبل عقود قناعة واضحة بأن من الخطأ تغيير اسم الحزب ومسائل أخرى, إذ أنها تخشى ذلك وتعتقد "صادقة" بأن اسم الحزب الشيوعي لم يكن ضاراً بها في العقود السابقة, وبالتالي فليس هناك من سبب أو ضرورة للتغيير. وهنا يكمن عين الخطأ. فالحزب الشيوعي لم يدخل أي معركة انتخابية لكي يستطيع تقدير قدراته الفعلية قبل ذاك ومدى تأييد الجماهير له ولسياساته واتجاهاته الفكرية. ولم تكن الجماهيرية التي اكتسبها واكتسح بها الشارع في أعقاب ثورة تموز 1958 هي ثابتة ومؤكدة له ل هشة حقاً, كما لم تكن دقيقة, كما تصورنا جميعاً, بل كانت مزيجاً مركباً من التأييد له ولقاسم وللقوى الأخرى التي كانت تحسب في تجمع مشترك, ولست الآن في باب تحليله والتوسع في تدقيق الأمر. ولا يفترض أن نأخذ قوة الطلبة وانتخاباته, حيث حصل اتحاد الطلبة على نشبة تأييد عالية جداً , مؤشراً لكل الواقع العراقي. كما أن هذا لا يعني التشكيك بحصول الحزب على تاييد واسع في حينها. لا شك في أن البعض الكثير يعتقد بأن تغيير اسم الحزب لم يغير من الموقف, إذ سيقال باستمرار للحزب الجديد بالحزب الشيوعي سابقاً. وهذا أمر محتمل, ولكن سرعان ما يختفي مع السياسات الجديدة التي يفترض أن تمارس وفق واقع العراق الجديد والمهمات الجديدة.

شملت هذه الخشية الحزب الشيوعي السوداني والحزب الشيوعي العراقي على نحو خاص, وربما بعض الأحزاب الشيوعية الأخرى, لأنهما كانا من الأحزاب الجماهيرية, رغم قلة العضوية بشكل عام, في ما عدا فترات معينة حين كان للمد الثوري الجماهيري دوره في زيادة العضوية والتأييد والذي كان له نتائج سلبية في المحصلة النهائية على وضع الحزب وسياساته.

لم تقتنع قيادة الحزب الشيوعي العراقي حتى الآن , وأقصد هنا الأكثرية من أعضائها , بأن وجود حزب يساري ديمقراطي شعبي في العراق يمارس سياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية سليمة تتماشى مع طبيعة المرحلة ومهماتها ويتعامل مع أحداث البلاد وفق أسس جديدة وينطلق من مواقع اليسار الديمقراطي الماركسي أمر ضروري حقاً وسيحظى بتأييد واسع ويعبئ الكثير من البشر حوله. كما لم تقتنع قيادة الحزب حتى الآن بأن بقاء اسم الحزب الشيوعي لا يشكل بالضرورة منقبة له وتغييره لا يشكل ضرراً عليه, بل يجلب له الكثير من الفوائد السياسية والاجتماعية, خاصة وأن مهمات الحزب ولعشرات السنين القادمة ليست بناء الشيوعية, وبالتالي فالاستراتيج والتكتيك حالياً ليس النضال من أجل الشيوعية ولا حتى الاشتراكية, رغم أن من حق الحزب أن يرفع شعار الاشتراكية كاستراتيج بعيد المدى, باعتباره هوية الحزب على المدى البعيد, بل النضال يتوجه حالياً صوب المهمات الوطنية والديمقراطية التقدمية, صوب حاجات الشعب الماسة, صوب مكافحة البطالة والتشغيل والتصنيع وتحديث الزراعة ومكافحة الأمية وبناء المجتمع المدني الديمقراطي وحرية المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل, صوب عودة المهجرين والمهاجرين وحل المعضلات القائمة أمام العراق في دور المؤسسة الدينية والمؤسسة العشاشرية, صوب حل المعضلات القومية والطائفية, صوب العمل لتغيير بنية الاقتصاد الوطني وبنية المجتمع والوعي الاجتماعي, صوب إقامة علاقات إنتاجية أكثر حداثة من العلاقات التي لا تزال سائدة في ريف العراق, وهي بالضرورة ليست علاقات اشتراكية بل علاقات رأسمالية وطنية مع قوانين تحقق الكثير من المسائل الاجتماعية للمنتجين من عمال وفلاحين ومستخدمين ومثقفين وكسبة وحرفيين, وصوب تعديلات جوهرية على الدستور الراهن. وعلى الحزب ان ينطلق في تسمية اسمه من هذه المهمات وغيرها التي تواجهه. فاسم "حزب الشعب" مثلاً يشكل تجسيداً للمهمات التي تمس مصالح الشعب كله في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق ولنهاية القرن الحالي على أقل تقدير, فما العيب في تغيير اسم الحزب من الحزب الشيوعي إلى حزب الشعب, أو كما يقترح البعض باسم "الحزب الاشتراكي" أو "حزب الشعب الديمقراطي". وفي الممارسة العملية فأن تاريخ الحزب الماضي ينقل له وباسمه الجديد في كل الأحوال.

هناك مهمات كثيرة طرحها العديد من الكتاب في مواقع الانترنيت التي تصلح في أن يتمعن بها الحزب الشيوعي العراقي كله قاعدة وقيادة ويسعى للاستفادة منها بمعزل عن عقد المؤتمر التاسع أو عدم عقده, إذ أن التغيير يمكن أن يحصل من خلال عمل الحزب اليومي أيضاً لو كانت هناك قناعة لدى القيادة بذلك, وهي المفقودة حتى الآن, كما أرى, وليس بالضرورة كل أعضاء اللجنة المركزية ومكتبها السياسي, ولكن لدى الغالبية, وخاصة لدى المجموعة التي تسمى أحياناً بالنواة الصلبة في المكتب السياسي!

أتمنى للحزب الشيوعي العراقي أن يمارس تأثيره الفعلي في أحداث البلاد لصالح الديمقراطية والتقدم الاجتماعي ولصالح حقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية, ولصالح تحالفات وطنية وديمقراطية واسعة تحقق له النجاح المنشود.


6/3/2009

¤ تداعيات انتخابات مجالس المحافظات والتحضير للانتخابات العامة القادمة (1-2)
 

 

free web counter