| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

السبت 9/1/ 2010

 

ماذا يجري في عالمنا العربي؟ وهل هو بخير؟

كاظم حبيب

من كان يعتقد ويأمل أن تتراجع مشكلات مجتمعاتنا في الدول العربية وتتعلم نظمها السياسية من تجاربها المنصرمة في معالجة المشكلات المتراكمة والمتفاقمة سنة بعد أخرى في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وفي العلاقات الدولية وفي ما بينها, أصيب بخيبة أمل شديدة وأحس الكثير من البشر بالإحباط والألم, إذ أن نسبة عالية من سكان هذه الدول قد عانت الأمرين على أيدي حكامها المستبدين.

ومن كان يأمل من الجامعة العربية أن تساهم في معالجة المشكلات في ما بين الدول العربية وفي كل منها والتي تفاقمت في عدد غير قليل منها, أصيب بإحباط أكبر وابتعد عن التفكير بأهمية هذه المؤسسة وبدورها ويريد أن ينسى أنها موجودة أصلاً ومنذ 65 عاماً بالتمام والكمال. وغالباً ما يتذكر الناس أغنية عزيز علي عن الجامعة العربية التي يقول فيها "جامعتنة الما لمتنة", أي "الجامعة العربية التي عجزت عن جمع كلمتنا", وهو تعبير عن الفجوة التي كانت ولا تزال قائمة بين هذه الدول والتباين الشديد في سياساتها التي لا تصب عموماً في مصالح شعوبها بل في جيوب نخبها السياسية والمهيمنين على ثرواتها والمتصرفين بأموالها تماماً كما كان يفعل أبو جعفر المنصور حين بلور ذلك في خطبة له يوم عرفة حدد فيها برنامجه السياسي فقال:
"أيها الناس, إنما أنا سلطان الله في أرضه, أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده, وحارسه على ماله, أعمل فيه بمشيئته, وإرادته وأعطيه بإذنه, فقد جعلني الله عليه قفلا, إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم, وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني". [
إمام عبد الفتاح إمام: الطاغية- دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي, سلسلة عالم المعرفة رقم 183, الكويت. ص 219]. ولا شك في أن الحكام العرب الحراس على أموال الأمة مفتوحون على أنفسهم فقط وبالتمام والكمال!

ترتفع عماراتنا لتصل إلى عنان السماء وتنافس من هم أكثر تقدماً منا, ولكن خلفياتنا مكشوفة لمن شاء الوصول إليها. فمجتمعاتنا تجسد الوقائع التالية:
** التخلف الفكري والسياسي وغياب التنوير الديني والاجتماعي.

** الأرض الغنية بثرواتها الخامية من جهة, والشعوب المحرومة من تلك الثروات التي يهيمن عليها الحكام ويسيئون توزيعها واستخدامها.

** التخمة ترهق النخب الحاكمة والمالكة لوسائل الإنتاج والمهيمنة على أموال الدولة والشعب من جهة, والفقر المدقع والبطون الخاوية للغالبية العظمى من سكان الدول العربية من جهة أخرى.

** المظاهر الشكلية للحضارة الحديثة هي المهيمنة على الدول العربية, وفقر الفكر والروح الحية والتعامل العشائري الأبوي التعسفي اليومي سائد في مجتمعاتنا.

** التعددية الدينية والمذهبية التي تعبر عن حركة العقل مقترنة بغياب الاعتراف المتبادل والتسامح لدى المسلمين عموماً وشيوخ الدين والمتشددين منهم خصوصاً والذي يتجلى بشكل صارخ في المزيد من القتلى من أتباع الديانات الأخرى الأكثر قدماً في الأرض ومن أصل أهل البلاد. العراق نموذجاً صارخاً, وأخيراً مصر حيث قتل أخيراً ثمانية من أبناء البلاد الأقباط.

** غياب متواصل وتراجع عما بني في بعضها من مظاهر ومضامين محدودة لقيم المجتمع المدني لصالح القيم والنزعات والتقاليد القبلية البالية.

** مجتمعات تبني وتنتج في الغرب المتحضر, ومجتمعاتنا, بفضل سياسات حكامها, تستهلك وتفقد الكثير من ثروات بلدانها وتستنزف ثروات الأجيال القادمة لصالح النخب الحاكمة.

** تتعمق مضامين الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والقوميات لدى المجتمعات المتحضرة, وتغيب في الوقت تلك الشموس المشعة عن شعوبنا وهيمنة الاستبداد والحكام المستبدون على إرادة شعوبها.

** تشتد الخلافات والنزاعات المسلحة ويتفاقم التطرف الديني والمذهبي في بلداننا وتتسع فتاوى المتعصبين والمتخلفين من شيوخ الدين ويتسع الموت على أيديهم لا في بلداننا فحسب, بل يمتد قطع رؤوس الناس من بلدان وشعوب أخرى.

** وإذ تتسع وتتنوع حقوق المرأة وتحتل مكانها الطبيعي في المجتمعات المتحضرة, تنمو ذكورية حكامنا وتهيمن على سلوك مجتمعاتنا في غير صالح المرأة وحقوقها المشروعة ومساواتها بالرجل, كما يزداد العنف ضدها وتقتل يومياً بذريعة غسل العار السيئ الصيت وبذريعة مخالفة الشريعة!

**
وأذ تتنافس شعوب وحكومات على نظافة اليد ونزاهة النفس, يتسع الفساد المالي والإداري في بلداننا ويتنافس حكامها على احتلال بلدانهم الموقع الأكثر فساداً في العالم والأكثر تفريطاً بأموال الشعب.

** وأذ تتخلى جمهرة من الدول المتحضرة عن حكم الإعدام أياً كان السبب, يتبارى ويتفنن الكثير من حكامنا في أشكال قطع الرؤوس ومصادرة حق الإنسان في الحياة وكأنهم يرددون قول المستبد بأمره الحجاج بن يوسف الثقفي لشعب العراق " والله إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وأني لصاحبها...". وأغلب حكامنا, وبصيغ مختلفة, أصحاب قطع الرؤوس ويشاركهم فيها حكام أغلب الدول الإسلامية غير العربية أيضاً.

** مصادرة حقوق القوميات الأخرى في تقرير مصيرها, ولنا من السودان والدول المغاربية وغيرها نماذج صارخة, إضافة إلى العديد من الدول الإسلامية كتركيا وإيران وسوريا على سبيل المثال لا الحصر.

قائمة المتناقضات كثيرة يمكن الاستمرار بتسجيلها, ولكنها كافية لتبرز ما يجري في عالمنا العربي ونحن نعيش في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين, إذ أن إلقاء نظرة على الصومال واليمن والسودان بأوضاعها وصراعاتها وما ينشأ عنها يقدم الدليل على خراب أوضاعنا وعجز الجامعة العربية عن المساعدة فيها مما يلزم الدول الأخرى التدخل في شؤونها ومساعدتها, في حين أن حكامها يلتهمون تلك المساعدات ويوزعونها على أتباعهم لكي يبقوا في دست الحكم لا غير.

كل هذا وغيره يجري في عالمنا العربي, فهل نحن بعد كل هذا بخير؟ من حق الناس جميعاً أن يطرحوا هذا السؤال ويجيبوا عنه, وأن يكونوا صادقين مع أنفسهم في الإجابة عنه. نحن لسنا بخير, نحن في حالة يرثى لها, نحن نعاني من جمهرة من الأوباش يحكمون الكثير من بلداننا!

الأسئلة التي يثيره الوضع العربي مثلاً:
الم يكن في مقدور المليار ونصف المليار دولار التي وظفت لبناء برج خليفة في الإمارات مساعداً للنهوض باقتصاد اليمن وتشغيل عشرات الألوف من العاطلين عن العمل في بناء صناعة وطنية وتطوير زراعة اليمن وتحسين ظروف حياتهم, وكانت بدورها تشكل تراكماً للمال وأرباحاً لأصحاب هذه الأموال؟

الم يكن في مقدور حكام المملكة العربية السعودية توجيه نسبة من إيرادات "نفطهم!" السنوية لصالح هذا "اليمن غير السعيد" لإعماره وتطوير حياته, رغم وجود الفقر في السعودية ذاتها بسبب سوء توزيع الثروة وسوء استخدامها من قبل الحكام وبخلاف كل الأسس الخلقية في توزيع الثروة مثلاً؟

ألم يكن في مقدور بعض الحكام الآخرين, مثل حكام ليبيا, القيام بمهمة مماثلة في اليمن؟

ألم يكن في كل ذلك ما يساعد على تعزيز وحدة اليمن وحل صراعاتها ونزاعاتها ومنع نشوء تلك الأرض الخصبة التي تنمو عليها تنظيمات القاعدة المجرمة, الفقر والبطالة والجوع والحرمان والتمييز والاستبداد؟

يصعب إقناع الحكام الذين اعتادوا على قهر ونهب وتمريغ جباه شعوبهم بالتراب أن يتعظوا ويعودا إلى رشدهم. إنهم بسلوكهم يدفعون بشعوبهم إلى الثورة ضدهم في نهاية المطاف. وبعضهم يذهب إلى القوى المتطرفة والإرهابية التي تمتهن القتل والتدمير.

وتاريخ الدول العربية مليء بمثل هذه الثورات, إذ أن الظلم إذا دام دمر, والسكوت على التدمير لا يمكن أن يدوم طويلاً, ولكنه مليء بالحركات المتطرفة والإرهابية التي يمكن أن تنتشر إلى مناطق أخرى ومنها بقية دول الخليج مثلاً.


9/1/2010


 

 

free web counter