| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الثلاثاء 9/3/ 2010

 

إذا كانت أحداث عبد السلام عارف في الفترة 1958-1963 كمأساة ..
فيمكن أن يصبح طارق الهاشمي, وما يفتعله من أحداث, كمأساة وملهاة في آن!

كاظم حبيب

في العام 1958 رفع عبد السلام محمد عارف راية القومية العربية والوحدة العربية بصورة مقلوبة وطرح شعار الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة وحرك جزءاً من الشارع العراقي بشعاره المعروف "وحدة وحدة عربية ... لا شرقية ولا غربية" في وجه الغالبية العظمى من المجتمع العراقي حينذاك مؤيداً بذلك ما طرحه البعثيون والقوميون الناصريون اليمينيون أيضاً. وبذلك هيأ عارف لخلاف بدأ داخل قوى اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني وانتقل إلى أعضاء تلك القوى والأحزاب السياسية , ومنها كالنار في الهشيم إلى الشارع العراقي الذي انقسم إلى جبهتين: جبهة الأكثرية المؤيدة للتأني والدخول باتحاد فيدرالي مع مصر وسوريا في إطار الجمهورية العربية المتحدة, وجبهة الأقلية القومية التي تنادي بالوحدة الفورية معها. ولكن جبهة الأقلية وجدت الدعم والتأييد من القوميين العرب والبعثيين في الدول العربية ومن بعض حكومات الدول العربية خشية من تقدم العراق على طريق الديمقراطية والحلول الجذرية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية القائمة وتشكيله نموذجاً يحتذى به في المنطقة. وكان لا بد من تخريب وقتل هذا النموذج وهو في المهد. ووجد الغرب في هذا الشعار, رغم رفض الغرب لمضمونه جملة وتفصيلاً, الأداة التي يمكن بها تمزيق الوحدة الوطنية العراقية ودق إسفين الخلاف بين قوى الشعب وأحزابه المختلفة, وبالتالي يمكن استثمار ذلك لضرب الجمهورية الفتية. وكلنا يتذكر تصريحات السفير الأمريكي الأخيرة كرستوفر هيل الذي أكد دور الولايات المتحدة في دعم عملية الانقلاب البعثية خشية من وصول الشيوعيين إلى السلطة. فكانت محاولة الاغتيال وكان التآمر المتتابع والمتعدد الجوانب وبدعم مباشر من الجمهورية العربية المتحدة والرئيس المصري جمال عبد الناصر, وكان آخر المطاف القطار الأمريكي الذي نقل قوى البعث والقوى القومية وعبد السلام عارف إلى الحكم وأقيمت أول جمهورية فاشية سياسياً مارست كل أشكال الاعتقال والقمع والسجن والتعذيب والقتل بحق الوطنيين والديمقراطيين والشيوعيين والمستقلين. ثم توالت الانقلابات العسكرية القومية تحت شعار الوحدة العربية, ذلك الشعار الذي لم ينفذه البعثيون ولا القوميون حين وصلوا إلى السلطة, بل تحولوا إلى أكثر المتزمتين قطرياً وأكثرهم بعداً عن تحقيق الوحدة, إذ كان البعض منهم يتطلع إلى السيطرة على بقية الدول العربية وفق منظور هذا البعض الشوفيني والمشوه للوحدة العربية.

ومنذ تلك الفترة التي انتهت, بتضافر جهود كل القوى المعادية لحرية العراق وحياته الديمقراطية, بالإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم الفردية وإلى قيام جمهوريات وحكومات مستبدة وقهرية وعسكرية قمعية بتأييد ومساندة من الغرب بشكل مباشر. وكانت مسيرة ما يقرب من خمسين عاماً مليئة بالدماء والدموع, مليئة بالموت اليومي الذي ملأ أرض العراق بالقبور الجماعية التي احتضنت العرب والكُرد والكلدان والآشوريين والتركمان في آن واحد. لقد كانت المآسي والكوارث تتوالى على العراق في كل لحظة واختطفت الكثير من البشر والأموال ودفعت بالعراق إلى فقر وجوع وإلى بؤس وفاقة حضارية مريعة لا تزال مستمرةً بصيغ مختلفة. وكانت البداية لهذه المأساة المستمرة ذلك الشعار الديماغوجي عن "الوحدة" العربية البعيد عن الواقع. وكان أتباع هذا الشعار يتنكرون لوجود قوميات أخرى في العراق ولها حقوق وعليها واجبات كما للعرب ويطرحوا بصورة استفزازية: أن العراق دولة عربية وأن العراق جزء من الوطن العرابي وأن العراق جزء من الأمة العربية وكأن ليس هناك قومية كردية وأخرى تركمانية وثالثة كلية آشورية وأرض كردستانية.

واليوم تبدأ شخصية عسكرية (مقدم ركن, آخر رتبة له في العام 1975) مماثلة لشخصية عبد السلام محمد عارف من بعض النواحي, وخاصة الجانب الطائفي والقومي, من أعضاء الحزب الإسلامي العراقي الذي انتمى إليه منذ العام 1960, أسمه طارق أحمد بكر الهاشمي, وأخرج منه قبل فترة وجيزة, ليطرح من جديد شعار العراق دولة عربية وأن يكون رئيسها عربياً أيضاً. ويبدو أن الرجل يطمح برئاسة الجمهورية. ومن حيث المبدأ يحق لكل عراقي ذلك شريطة أن يتمتع بمؤهلات رئاسة الجمهورية!
هنا تبدو لي أهمية ما كتبه الفيلسوف الألماني فريدريك هيگل (1770 0 1831) إذ قال "أن الأحداث الكبرى في التاريخ عادة ما تتكرر مرتين", ولكن أدخل الفيلسوف الألماني كارل ماركس (1818-1883) إضافة مهمة على هذا النص حين قال " في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كملهاة", ويمكن أن أضيف عليها في حالة العراق "أن تكون في المرة الأولى كمأساة وفي المرة الثانية كمأساة وملهاة في آن". وهذا ما نعاني منه في الوقت الحاضر, وهذا ما يريد تحريكه طارق الهاشمي.

إن ضحايا 1963 تستصرخ ضمائر الأحياء من الناس في العراق أن أوقفوا هؤلاء الذين يريدون تكرار مأسي وكوارث الصراعات القومية التي فجروها في أعقاب ثورة تموز 1958 اليوم في العام 2010 وبعد الانتخابات مباشرة ليعرقلوا المسيرة السلمية والسياسية بغض النظر عن نواقصها التي نراها ونلمسها جيداً والتي يفترض العمل الجاد من أجل معالجتها لصالح الشعب وتقدمه وسلامته.

أعرف جيداً بأن الشعب العراقي لا يقبل ولا تفوته مثل هذه المطبات بعد أن فوت على صيادي الماء العكر الصراع الطائفي والحرب الأهلية الطائفية, مطبات يمكن أن تقود إلى صراعات قومية جرى تجنبها بقيام دولة عراقية اتحادية تضم فيها فيدرالية إقليم كردستان وفق الدستور العراقي, واعرف أن الشعب العراقي يقرأ الممحي والمكتوب, وأعرف أنه يقرأ ما بين السطور ويستطيع أن يشم الروائح النتنة من بعيد ويتجنبها, إلا أن التحذير من مغبة ما يمارسه طارق الهاشمي وفق تصريحه الأخير في يوم 8/3/2010 ضروري جداً لأنه يحمل في طياته الكثير والكثير جداً من الديناميت الذي يمكن أن يفجر الوضع في العراق كله , على طريقة اقتلوني ومالك!

قاد الهاشمي قائمة (تجديد) بعد استبعاده من الحزب الإسلامي, ثم انضم إلى القائمة العراقية التي يرأسها الدكتور أياد علاوي, وهو يعمل ضمن أجواء إسلامية وقومية ملبدة بالغيوم تعيش كلها في كنف قائمة علاوي مثل النجيفي ومجموعة صالح المطلگ وظافر العاني وغيرهم, كما فيها وجود إنسانية طيبة, وخاصة النسوية ومنهن المهندسة ميسون الدملوجي. وسيحوز الهاشمي على مقعد في مجلس النواب كما يبدو من سير العملية الانتخابية, لهذا أرى أهمية التصدي لهذا الشعار من جانب السياسيات والسياسيين والكاتبات والكتاب في العراق وفي الخارج لإبعاد العراق عن احتمال نشوب صراع قومي بعد أن تراجع الشعار الطائفي نسبياً.

ينبغي على الشعب العراقي إفشال هذه الورقة أيضاً لحماية نفسه من الاقتتال القومي والطائفي المتشابك.
العراق ملك العراقيات والعراقيين من عرب وكرد وتركمان وكلدان وآشوريين وسريان, ملك للمسلمين بكل مذاهبهم, وللمسيحيين والصابئة المندائيين والكاكائيين والشبك وما بقي من يهود العراق على أرض العراق أيضاً, إنها ليست ملك العرب خارج إطار العراق ولا ملك للفرس أو غيرهم وعلى طارق الهاشمي أن يعي ذلك وان يدرك بأن من يقرر من يكون رئيس الدولة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس الوزراء هو الشعب العراقي وحده وبكل مكوناته وليس غيره!!

إن عودتي للكتابة في هذا الموضوع تنطلق من إدراكي للمخاطر التي تنطوي عليه تصريحات طارق الهاشمي والعواقب الوخيمة التي تترتب عنها على الشعب العراقي بكل مكوناته القومية.
 


9/3/2010



 

free web counter